تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    حضرموت هي الجنوب والجنوب حضرموت    الزنداني يلتقي بمؤسس تنظيم الاخوان حسن البنا في القاهرة وعمره 7 سنوات    حقائق سياسية إستراتيجية على الجنوبيين أن يدركوها    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    الضربة القاضية في الديربي.. نهاية حلم ليفربول والبريميرليغ    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    اليمن: حرب أم حوار؟ " البيض" يضع خيارًا ثالثًا على الطاولة!    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    شبوة تتوحد: حلف أبناء القبائل يشرع برامج 2024    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    وفاة نجل محافظ لحج: حشود غفيرة تشيع جثمان شائع التركي    إصابة مدني بانفجار لغم حوثي في ميدي غربي حجة    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    البرق بتريم يحجز بطاقة العبور للمربع بعد فوزه على الاتفاق بالحوطة في البطولة الرمضانية لكرة السلة بحضرموت    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    رئيس رابطة الليغا يفتح الباب للتوسع العالمي    يوكوهاما يصل لنهائي دوري أبطال آسيا    وزارة الداخلية تعلن الإطاحة بعشرات المتهمين بقضايا جنائية خلال يوم واحد    تحالف حقوقي يوثق 127 انتهاكاً جسيماً بحق الأطفال خلال 21 شهرا والمليشيات تتصدر القائمة    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    المهرة يواصل مشاركته الناجحة في بطولة المدن الآسيوية للشطرنج بروسيا    تحذير حوثي للأطباء من تسريب أي معلومات عن حالات مرض السرطان في صنعاء    بشرى سارة للمرضى اليمنيين الراغبين في العلاج في الهند.. فتح قسم قنصلي لإنهاء معاناتهم!!    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الاستعمار إلى الوحدة
نشر في الجمهورية يوم 14 - 10 - 2009

تقاس الثورات دوماً بنتائجها، وما من شك أن ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة قد حققت نتائج لا تقاس بأي من مقاييس الزمن، حيث بفضل تضحيات أبنائها انتصرت الثورة في الشطر الشمالي من الوطن اليمني، واندحر الاستعمار البريطاني ذليلاً عن تراب الوطن، وبدأت البلاد اليمنية تشق طريقها الذي توج بإعادة وحدتها كأساس لصنع مستقبلها بين الأمم.، ولأن الأمر كذلك فسيجد القارئ المطلع الكثير من المؤلفات والأبحاث التي تناولت تاريخ الثورة، غير أن ثمة كتاباً فريداً في محتواه، مع تحفظنا على بعض التفسيرات التي أوردها مؤلفه، وهذا الكتاب للمؤلف العراقي علي الصراف، وقد أسمى كتابه "اليمن الجنوبي...الحياة السياسية من الاستعمار إلى الوحدة"، وصدرت طبعته الأولى في لندن وقبرص عن دار رياض الريس للكتب والنشر في نيسان/أبريل 1992، ويقع الكتاب في 442 صفحة من القطع المتوسط.
موت مفزع
يتكون الكتاب من أربعة فصول بالإضافة إلى مقدمة وخاتمة وملحق وثائقي خاص بالوحدة اليمنية، وفي المدخل شن هجوماً حاداً على اليساريين الجنوبيين المقيمين في المنفى باعتبارهم مجرد كائنات تدبج المصطلحات وتنتظر في موت مفزع ما تعتبره الغضب الجماهيري الذي سيقلب البلاد عاليها سافلها على حد تعبيره [ص12]، ثم بدأ في تصوير الحياة السياسية العربية وبالطبع اليمنية كجزء منها بما يمكن تسميته بالضيق التام بالآخر، أياً كان هذا الآخر، في معنى مناقض كل التناقض لمعاني الحرية التي كانت الهدف الأسمى للثورة، فيقول [ص15]:"لقد كنا نعتقد أن الحرية والديمقراطية هما أن يكون من حق الناس، كل الناس، التعبير عما يرونه ملائماً لحياتهم من دون أن يطغى أحد على أحد، وصار علينا أن نفهم أنها حرية حفنة صغيرة من البشر في أن تقولب الحياة والتاريخ والمستقبل كما تشتهي على حد ما تعرف وبمقدار ما تعرف فحسب؛ الاختلاف ممنوع، والاطلاع على الحقيقة ممنوع، والرأي الآخر مؤامرة".
اتجاهات الصراع اليمني
واعتبر المؤلف أن الصراع السياسي في اليمن قد أخذ اتجاهين رئيسين هما؛ الأول ينشد السلطة من أجل الامتيازات والمصالح، وهذا الاتجاه قد كان من نصيب القبائل الذي تسللت إليه بنجاح، أما الاتجاه الثاني فكان يمثله الفريق الثوري الحالم الذي كان كلما يحول الواقع إلى مصطلحات اختزالية، كان يصحو من حلمه على حقيقة أن للسلطة والدولة منطقها الغالب، فنذروا أنفسهم لمغالبته بالمزيد من الاختزال والمزيد من القوالب، فالمزيد من الابتعاد عن الواقع[ص16]، ولم يفت المؤلف أن يشير إلى أن كتابه قد استند إلى مرجعية تاريخية جمعت بين المؤلفات الصادرة في اليمن وخارجه، ووثائق اليمن، ولقاءات شخصية مع قياديين يمنيين [ص19].
أوهام بريطانية
في الفصل الأول الذي عنونه المؤلف: اليمن الجنوبي تحت الاحتلال البريطاني، أشار المؤلف إلى أن الاهتمام البريطاني بعدن كان قد ابتدأ منذ أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وتحديداً في العام 1789 حين تعرضت مصر للحملة الفرنسية التي اعتبرتها بريطانيا مقدمة لتهديد مصالحها في الهند عبر ما توهمته بريطانيا من خطر السيطرة الفرنسية على البحر الأحمر من مصر إلى باب المندب، ولذلك فقد أرسلت في العام 1899 حملة عسكرية احتلت بريم، وتبين لاحقاً خطأ الموقف البريطاني حيث انسحب الفرنسيون من مصر[ص27].
وأشار إلى أن العدوان الاستعماري البريطاني على عدن قد استهدف مواجهة المنافسة المصرية التي مثلها محمد علي باشا في شبه الجزيرة العربية، وتأمين طرق الملاحة البحرية البريطانية إلى الهند[ص30]، ثم بين كيف اختلقت بريطانيا الذرائع من أجل الاستيلاء على عدن بدءاً من طلب استئجارها من إمام اليمن، ثم من سلطان لحج، ثم الغزو العسكري، ومن ثم ممارسة هواياتها الاستعمارية الامبريالية في البلد المحتل حيث عمدت إلى استخدام أسلوبي القمع والتفرقة، وهو ما أكده المؤلف باستناده إلى ما ورد في كتاب أرسلته إدارة شركة الهند إلى الكابتن هينس المقيم السياسي في عدن:"حرِّض القبيلة الموالية على المعادية فلا تحتاج إلى قوات بريطانية" [ص33].
المحاولات اليائسة
كما عمد الاحتلال إلى ممارسة سياسة تظهر عدم تدخله في الشؤون الداخلية للإمارات والسلطنات في الجنوب، ثم ذكر بالتفصيل كافة المشاريع الاستعمارية التي ابتدعتها بريطانيا في سبيل الحفاظ على سيطرتها في الجنوب اليمني حيث استبدلت سياستها القائمة على التفرقة بسياسة أخرى تقوم على أساس [وحد تسد] من خلال مشاريع الإتحاد بين إمارات الجنوب، كما فشلت بريطانيا في نزع الهوية اليمنية عن الجنوب، وقد جاءت هذه المشاريع كمحاولة يائسة لمقاومة تأثيرات النهضة السياسية القومية التي رفعت لواءها ثورة يوليو العظيمة على القوى السياسية اليمنية، وباتت السلطة الاستعمارية مقتنعة بانكشافها أمام العالم وفقدانها السيطرة على اليمنيين في ظل حركة التحرر التي اجتاحت العالم الثالث، ومما يلفت النظر ما أورده المؤلف بشأن السياسة البريطانية الاستعمارية الرامية إلى إنشاء اتحاد إمارات الجنوب العربي، ولندع حاكم عدن البريطاني السير توم هيكنبوتام الذي أعاد طرح فكرة اتحاد إمارات الجنوب في العام 1954 يشرح تلك السياسة بكلماته حيث قال [ص50]: " إن الثقافة المتزايدة في المنطقة والتي تتوسع بسرعة غريبة تحمل معها الأخطار الجسيمة للقضاء على الأوضاع القديمة ما لم نعمل من الآن لتغيير هذه الأوضاع. وإذا وجد البترول فستكون هناك نتيجة واحدة هي الانتعاش الاقتصادي، وسوف يؤدي هذا حتماً إلى تسليط الضغوط القوية لتغيير الأوضاع، وسوف يولد ذلك حالة خطيرة للغاية، إن لم نحتط للمستقبل من الآن بحكمة وقدرة ودراية. ومن الواضح إذن أن الوضع السياسي الحالي قد أصبح قديماً ولا يتناسب مع هذه الحالة، بل لن نستطيع الاستمرار في هذا العالم المتطور بسرعة دون أن يتعرض الأمن والاستقرار في المنطقة لأخطار جسيمة. والسؤال الآن هو كيف نستطيع أن نجمع هذه المناطق مع بعضها البعض اقتصادياً وسياسياً بدون أن يكون هناك تغيير عملي يقضي على عوامل الربط بين السكان ورؤسائهم وبيننا".
الرفض البريطاني لانتصار سبتمبر
يعتبر المؤلف أن السياسة الاستعمارية البريطانية دخلت في العام 1962 منعطفاً خطيراً حيث حملت بريطانيا على عاتقها مهمة مواجهة الثورة السبتمبرية في الشمال اليمني من خلال تقديمها كافة أوجه الدعم للنظام الملكي المتداعي تحت أقدام الثوار [ص59]، وكانت بريطانيا ترفض انتصار ثورة سبتمبر لسببين رئيسين؛ لأنها تعتبر الثورة في صنعاء مرتكزاً جديداً لانتصارات عبد الناصر الذي حطم كرامتها مرتين متتاليتين بتأميم قناة السويس وإفشال العدوان الثلاثي على مصر، فلا تريده أن يفلح في تسديد اللطمة الثالثة من صنعاء، أما السبب الثاني فتمثل في خشية الاستعمار من امتداد الثورة إلى الجنوب وقد تحققت مخاوف بريطانيا حيث انتشرت الثورة في الجنوب كالنار في الهشيم، ولقيت الجرائم البريطانية ضد أبناء الجنوب سيلاً من الاعتراضات الدولية التي وصلت درجة التدخل العالمي عبر الأمم المتحدة، فأجبرت بريطانيا على التراجع رغم فداحة خسائرها.
الوثائق البريطانية
يرصد المؤلف جولات الصراع بين الثوار الذين انتظموا في الجبهة القومية وجبهة التحرير من جهة وبين الاستعمار، ويبين بالنصوص المقتبسة عن الوثائق البريطانية كيفية متابعة بريطانيا للصراع بين الجبهتين الذي حسمته الجبهة القومية لصالحها في العام 1967، خصوصاً مع انضمام الجيش الاتحادي إلى القومية وبالتالي أجبرت بريطانيا على تسليم السلطة إلى الجبهة القومية لقناعتها بهشاشة جبهة التحرير ونكاية بعبد الناصر الذي كان على خلاف مع الجبهة القومية.
أسباب التأخر
في الفصل الثاني الموسوم "جذور ونشأة وتطور القوى والتنظيمات السياسية"؛ يشير المؤلف إلى أن الصراع القبلي والتخلف الاقتصادي والاجتماعي والتبعثر الكبير للتجمعات السكانية وسيطرة مشائخ القبائل وضعف البرجوازية المحلية، وانحصار التنوير بعدن وعفوية التنظيم الوطني، ونجاح بريطانيا في احتواء المهاجرين، وإشغال الصحافة بقضايا الأدب بعيداً عن السياسة، شكلت عوامل هامة في تأخير ظهور التنظيمات السياسية في الجنوب اليمني [ص71- 73].
البدايات التنظيمية
ويرصد المؤلف نشأة التنظيمات السياسية في الجنوب اليمني بأسلوب جيد دون خوض كبير في تفاصيلها، فيشير إلى أن أول نشاط سياسي برز في الجنوب اليمني في العام 1927 من خلال مؤتمر المهاجرين الحضارمة، ويوضح أن الظهور المتأخر للتنظيمات قد دفع باتجاه الظهور العددي الكبير حيث كان في عدن وحدها 15 حزباً، لكنها لم تكن فاعلة لأن بريطانيا لن تسمح بقيام أحزاب تهدد مصالحها الاستعمارية، وقد انقسمت التنظيمات السياسية إلى ثلاثة تيارات هي:
1 - التنظيمات المحافظة والموالية لبريطانيا.
2 - التنظيمات الوطنية .
3 - التنظيمات القومية. [ص74].
فالأحزاب الموالية لبريطانيا تمثلت في الجمعية العدنية، الحزب الوطني الاتحادي، الحزب الدستوري...، أما الأحزاب السياسية الوطنية فتمثلت بحزب رابطة أبناء الجنوب العربي، الجبهة الوطنية المتحدة، مؤتمر نقابات عمال عدن، حزب الشعب الاشتراكي، الاتحاد الشعبي الديمقراطي الذي يعد أول تنظيم ماركسي...، فيما كانت الأحزاب القومية متمثلة بحزب البعث العربي الاشتراكي، حركة القوميين العرب.
الديمقراطية الاستعمارية
كشف المؤلف عورة السلطات الاستعمارية البريطانية التي زعمت تمسكها وريادتها في تطوير الحياة السياسية وفقاً للأسس الديمقراطية من خلال تركيزه على الممارسات العنيفة لقوات الاحتلال ضد الصحافة العدنية، والتي بلغت قمة همجيتها في أيلول 1955 حين أقدمت سلطات الاحتلال على محاكمة عبد الله باذيب بتهمة إثارة الكراهية والعداء ضد الحكومة وبين الطوائف وطبقات السكان، وهي المحاكمة السياسية الأولى التي شهدتها عدن، وكانت على إثر مقالة كتبها باذيب بعنوان "المسيح الجديد الذي يتكلم الإنجليزية"، رد فيها على دعوات بعض الصحافة العدنية إلى التسامح مع الاستعمار، ولم يمنع بريطانيا من توقيع العقوبة بحق باذيب سوى الغضب الشعبي العارم ضد المحاكمة. [ص117 - 118].
فكرة الثورة المسلحة
وفي سياق حديثه عن حركة القوميين العرب أشار إلى أن فكرة القيام بثورة مسلحة في الجنوب اليمني بدأت في العام 1961، وهو ما ينفي عفوية مقتل لبوزة وتفجر ثورة ردفان، لكن الحركة رفضت القيام بها لأنها ارتأت ضرورة تغيير الأوضاع في الشمال أولاً، وبناءً على ذلك فقد دعمت الحركة نشاط تنظيم الضباط الأحرار وشاركت في التحضير والإعداد لثورة سبتمبر، وهو ما يقدم دليلاً جديداً على واحدية النضال اليمني [ص146].
مخاض الجبهة القومية
أما الفصل الثالث الموسوم "من الجبهة القومية إلى الحزب الاشتراكي اليمني"، ففيه ناقش المؤلف تجربة الجبهة القومية منذ نشوئها عبر تتبعه لمخاض تكوينها الذي بدأ في أعقاب تفجر ثورة سبتمبر فكانت فكرة حركة القوميين العرب في الشمال تقوم على أساس الدعوة على قيام جبهة من أبناء الجنوب للدفاع عن الثورة في صنعاء ومقاومة الاستعمار في الجنوب، غير أن التصارع على الدعم المالي، ورفض حكومة السلال دعمها، قد أسهم في تأخير قيامها إلى العام 1963 بعد انضمام تسعة تنظيمات جنوبية لتشكيل الجبهة القومية التي شكلت كوادر حركة القوميين العرب أكثر نسبة في قوام قيادة الجبهة الجديدة والتي سرعان ما حظيت بتأييد عبد الناصر، وشنت حرباً إعلامية عبر إذاعة صنعاء وتعز وصوت العرب لتحريض الجماهير على الثورة في الجنوب.
واحدية النضال
وضعت الجبهة القومية مخطط الثورة وفقاً لمبدأ الكفاح المسلح الذي يستهدف تحقيق عرضين متلازمين؛ تمثل الأول بإجلاء الاستعمار وإسقاط حكم السلاطين وتحقيق الاستقلال السياسي الناجز دون السماح بوجود قواعد أجنبية، أما الغرض الثاني فتمثل بدعم ثورة الشمال من خلال إشغال الاستعمار البريطاني في الجنوب لمنعه من التفرغ لضرب النظام الجمهوري في صنعاء[ص161].
حرب العصابات
تحدث المؤلف عن جولات الكر والفر بين الجبهة القومية والاستعمار ابتداءً من الرابع عشر من أكتوبر 1963 الذي شهد انفجار الشرارة الأولى للثورة بسقوط أول شهدائها ممثلاً براجح بن غالب لبوزة، وتعرض للكيفية التي تعاملت بها الجبهة مع المعركة في ظل عدم تكافؤ موازين القوة مع الاحتلال من خلال استخدامها لعمليات حرب العصابات في الأماكن الحصينة بردفان، وتكبيد العدو أفدح الخسائر، الأمر الذي أظهر عجز الآلة العسكرية الاستعمارية لبريطانيا العظمى فاعتمدت سياسة الأرض المحروقة من خلال تسليط نيران أسلحتها إلى عموم السكان ونهب ممتلكاتهم وتشريد أسرهم لدفعهم إلى الانقلاب على الثوار ومحاصرة الجبهة القومية، لكن الاحتلال لم يكن يتوقع نتيجة سياسته تلك حيث نقلت الجبهة القومية ميدان المعركة من ردفان إلى قلب عدن التي كانت تمثل المنطقة الخضراء لقوات الاحتلال البريطاني، وهو ما أصاب الاحتلال بالذهول خصوصاً وأن تحويل عدن إلى مسرح للعمليات العسكرية الفدائية قد مثل تحدياً صريحاً لجبروت الغزاة المتمثل بمقر القيادة العسكرية البريطانية، كما أدخل الاحتلال في مأزق سياسي لصعوبة إخفاء جولات الصراع في مدينة مفتوحة كعدن، فضلاً عن أن ذلك العمل يعني القفز بالثورة إلى طور جديد، وإسقاط المزاعم البريطانية الرامية إلى تصوير ثورة ردفان بالتمرد القبلي [ص167]، ولذلك فقد برز العجز الاستعماري بجلاء فأحجمت بريطانيا عن استخدام الرصاص واستبدلته بالحرب الاستخباراتية من خلال محاولات اختراق الجبهة القومية لجمع المعلومات عن الثوار غير أن تلك الحرب التجسسية فشلت إذ سرعان ما كشفت وهرب أحد الجواسيس المندسين إلى الأردن ظناً منه أنه سيكون بمنأى عن رصاص الثوار لكن حركة القوميين العرب بالأردن كانت له بالمرصاد فنفذت فيه حكم الإعدام، الأمر الذي أسهم بفاعلية في حماية تنظيمات الجبهة القومية من الاختراق، وبالتالي أصبحت الثورة الأكتوبرية مطبوعة بالصبغة الشعبية لكل أبناء اليمن، ورغم أن جيش التحرير الذي مثل اليد العسكرية للجبهة القومية لم يتجاوز قوامه الخمس مئة مقاتل في العام 1965 إلا أنه قد أحبط كل مؤامرات الاحتلال ووضعه في مأزق كبير نتيجة زيادة خسائره المادية والبشرية وفشل العمليات الاستخباراتية .
صراعات الجبهة القومية
في المبحث الثاني من الفصل الثالث يتعرض المؤلف للصراع الذي شهدته الجبهة القومية فيقرر أن بوادر الصراع قد برزت منذ العام 1963 من خلال مجموعة عرفت بقيادة الداخل للجبهة القومية والمكونة من الشباب الميالين للفكر الماركسي، وكان أبرز قياداتهم؛ عبد الفتاح إسماعيل، علي عنتر، سالم ربيع علي، علي ناصر محمد، وهذه المجموعة الشابة كانت ترى من خلال احتكاكها المباشر مع الشعب أن ثمة قصوراً كبيراً يجب تجاوزه لتحقيق نتائج مهمة على صعيد مسيرة الثورة، وهذا القصور يكمن في الجمود المفاهيمي للفكر القومي الذي لم يلب تطلعات الجماهير التي تعاني تخلفاً اقتصادياً واجتماعياً، بالإضافة إلى تراجع التأييد الجماهيري للفكر الناصري كنتيجة حتمية لتقلب السياسة المصرية في شمال اليمن آنذاك......وهو التقلب الذي لعب فيه بعض المرتبطين بالدوائر الأمريكية دوراً كبيراً أكده عبد الناصر في لقائه لقادة الجمهورية العربية اليمنية في أعقاب دحر حصار السبعين يوماً أواخر فبراير 1968 حيث قال حرفيا:[أنا خُدعت وأسأنا إلى الشرفاء والثوريين ممن لهم التأثير في حياة اليمن] كما ورد في مذكرات سنان أبو لحوم، ج2، ط2، ص304.
البديل الفكري
وأمام ذلك الوضع، وإيماناً من المجموعة الشابة بحتمية التأييد الشعبي للثورة كعامل رئيس في نجاحها، فقد بحثوا عن البديل للجمود الفكري الذي يعتري الفكر القومي الذي يخاطبون به الجماهير، فوجدوا ضالتهم في الماركسية، ومن خلال أفكارها فرض الشباب رأيهم بإبعاد القبائليين الذي إلتحقوا بالثورة لتحقيق مكاسب شخصية، وفي العام 1964 أعلنت هذه المجموعة دعوتها الصريحة لتأييد تيار نايف حواتمة بتبني الفكر الماركسي، ورفض العمل المشترك مع السلاطين والمشائخ ورفض الوصاية المفروضة من قبل الأجهزة المصرية [ص172- 173].
المؤتمرات السرية
هذه الدعوة دفعت إلى انعقاد المؤتمر الثاني للجبهة القومية بتعز في حزيران 1965 وفيه تم تبني الإشتراكية العلمية بشكل صريح، غير أن تطوراً دراماتيكياً قد صبغ الوضع السياسي حيث شهدت الفترة التالية لذلك المؤتمر محاولات مستميتة لعبد الله الأصنج لدمج حزب الشعب الاشتراكي مع الجبهة القومية والتي منيت بنكسات متتالية لكنه تمكن من تدبير أمر الاندماج بالتعاون مع علي السلامي أحد أعضاء اللجنة التنفيذية للجبهة، الأمر الذي رفضته الجبهة في الداخل واعتبرته انقلاباً، ولمواجهته فقد عقدت الجبهة مؤتمرها الثاني بمدينة جبلة في حزيران 1966 وحددت موقفها الرافض للدمج وتحريم العمل مع السلاطين والعناصر المشبوهة، وتجميد أعضاء المجلس التنفيذي السابقين الذين أقروا الدمج، وأرسلوا قرارات المؤتمر إلى عبد الناصر [ص185].
صراع الأفكار
غير أن القيادة الجديدة للجبهة القومية سعت مجدداً لتشكيل جبهة وطنية موحدة على أساس تحالف بين طرفين مستقلين، غير أن مساعيها لم تصل إلى ما كانت تخطط لبلوغه حيث استبدل وفدها المرسل إلى مباحثات القاهرة، ونتج عن تلك المباحثات تنظيم جبهوي للجبهة القومية ثلث مقاعد قيادته، والإعتراف بجبهة التحرير ممثلاً وحيداً لشعب الجنوب اليمني، مقابل احتفاظ القومية بالدعم الخارجي، وهو ما أثار استياء كوادر الجبهة القومية في الداخل، لكن الأمر المهم المسقط دوماً من الكتابات اليمنية التي تناولت الصراع والذي يذكره المؤلف يتمثل في تركيزه على طبيعة نشاط جبهة التحرير المفروضة مصرياً حيث كانت إذاعة صنعاء وتعز والقاهرة تنسب كافة أعمال الجبهة القومية إلى جبهة التحرير، كما أن جبهة التحرير شهدت صراعاً مريراً بلغ درجة الصدام المسلح فيما بينها وجناحها العسكري المسمى بالتنظيم الشعبي، نتيجة تمسك التنظيم الشعبي بالأفكار الناصرية في مقابل تمسك بعض قيادة جبهة التحرير بالأفكار البعثية. [ص190 - 192].
التنظيم النسائي
في الرابع عشر من أكتوبر 1966 انطلقت الدعوة إلى انسحاب الجبهة القومية من جبهة تحرير الجنوب المحتل، وأعلن بيان سياسي لقادة الفدائيين عودة الجبهة القومية إلى العمل المستقل، وهو الأمر الذي كان استجابة لمطالب المنظمات القاعدية للجبهات الفدائية التي هددت بالانسلاخ عن الجبهة القومية إذا ما أصرت على استمرار دمجها سياسياً مع جبهة التحرير الذي يعد تصفية للثورة، وقد كشفت حركة الرابع عشر من أكتوبر 1966 لأول مرة عن وجود التنظيم النسائي للكفاح الثوري ضد الاستعمار الذي أعلن تأييده لاستقلال الجبهة القومية عن جبهة التحرير.[ص193 - 194].
وفي مؤتمر العام الثالث المنعقد في التاسع والعشرين من نوفمبر 1966 أعلنت الجبهة القومية رسمياً إنهاء الالتزام بالدمج مع جبهة التحرير[ص 195]، وشكل ذلك الإعلان نقطة اللاعودة في علاقة الجبهة القومية مع حركة القوميين العرب التي رفضت الاستقلال عن جبهة التحرير.
التصعيد العسكري
في أول استفتاء شعبي على صوابية قرار استقلال الجبهة القومية دعت الجبهة جماهير الشعب في الجنوب إلى الإضراب بمناسبة مرور 128 عاماً على الاحتلال البريطاني لعدن، وكانت استجابة الجماهير أكبر من المتوقع، الأمر الذي أظهر شعبيتها [ص197]، وهو ماشجع الجبهة على تصعيد عملها العسكري الذي واجهت به قرار ناصر باستعداده لقبول حل سلمي لمشكلة الجنوب ومجيء بعثة الأمم المتحدة التي عادت بخفي حنين، وبالتالي فقد فهم البريطانيون الرسالة التي قصدتها الجبهة القومية من خلال رفضها البعثة الأممية وتصعيدها العمل العسكري، فأعلنت بريطانيا عزمها منح اليمن الجنوبية الاستقلال في كانون الثاني 1968، وعملت على الفور على تشكيل حكومة اتحادية وتسليم مهام الأمن إلى الجيش الاتحادي وتسليم قيادته إلى اليمنيين من العوالق والذي بدوره أحدث انقساماً في صفوف الجيش حيث اعتبر منتسبوه من غير العوالق أن قائد الجيش الجديد العقيد ناصر بريق العولقي عميلاً للإنجليز، وهو ما استثمرته الجبهة القومية التي تمكنت من ضم الغاضبين في صفوف الجيش الاتحادي الذي أصبح يسمى بجيش اليمن الجنوبي إلى صفوف الجبهة القومية، وتفجر الغضب داخل الجيش ليتحول إلى تمرد امتد إلى كريتر مما ساعد الجبهة القومية على احتلال كريتر والسيطرة عليها ليوم كامل، واعتبر ذلك العمل الكبير رداً على هزيمة الخامس من يونيو 1967. [ص195 - 199].
الاقتتال الأهلي
ويفرز المؤلف الألوان التي صبغت الأنشطة التي نفذتها الجبهة القومية وجبهة التحرير بعناية واضحة فيؤكد أن الجبهة القومية قد تمكنت خلال أربعة أشهر من تحرير كافة مناطق الجنوب عدا عدن، أما جبهة التحرير فقد أرادت منع الجبهة القومية من نيل شرف تحرير عدن فشنت هجوماً على دار سعد مني بالفشل الذريع وأجبر الجبهة على التخلي عن مواقعها السابقة، الأمر الذي انعكس كهزيمة نفسية على مقاتليها، وهي الهزيمة التي عبرت عن نفسها في جولة الاقتتال الأهلي بين الجبهتين الذي انتهى بوساطة لجنة مشتركة من الجيش والأمن في أيلول 1967، وفي معرض تعليقه على هذا الاقتتال أشار المؤلف إلى أن هذه الجولة من الاقتتال الداخلي قد قدمت وعداً بمعركة دموية بين أشقاء الفكرة السياسية الواحدة [ص200-202].
فشل محاولات التسوية
ولم تفلح محاولات القاهرة والجامعة العربية في دفع الجبهتين إلى توقيع اتفاق تسوية النزاعات وتبني دستور مؤقت، لكن التطور الأكبر كان خروج جيش الجنوب العربي عن الصمت فبعد أن راقب بحياد تام مغامرة جبهة التحرير في مهاجمة قوات الاحتلال التي أعلنت إنسحابها في الثاني من تشرين الثاني 1967 وهي المغامرة التي انتهت بهزيمة ساحقة لجبهة التحرير، أعلن الجيش في السادس من تشرين الثاني 1967 انضمامه للجبهة القومية، وأجبر جبهة التحرير على التخلي عن مواقعها، كما استبدل قيادته حيث أصبح العقيد حسين عثمان عشال قائداً عاماً لجيش الجنوب العربي. [ص203]، وكان فشل مفاوضات الجبهتين في القاهرة وانحياز الجيش للجبهة القومية بمثابة القشة التي قصمت ظهر بعير جبهة التحرير التي لم يعد لها أي دور، الأمر الذي أجبر بريطانيا على الإعتراف بالجبهة القومية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب اليمني الجنوبي، وهو ما أردفته الجبهة القومية بطلبها بدء المفاوضات مع بريطانيا لتسليم السلطة بواسطة كبار ضباط الجيش، وهو ما تم بالفعل حيث بدأت المفاوضات في الثاني والعشرين من تشرين 1967 وانتهت في التاسع والعشرين من نوفمبر 1976 بتوقيع الطرفين اتفاق استقلال الجنوب اليمني، وفيما غادر آخر الجنود البريطانيين الأراضي اليمنية في الساعة الثالثة من بعد ظهر اليوم نفسه، فقد أعلن في صباح الخميس 30/11/1967 ظهور اليمن الجنوبية كدولة مستقلة، وترافق الإعلان مع بيان سياسي أكد أن الجبهة القومية هي السلطة العليا للجمهورية التي يرأسها قحطان الشعبي [ص205 - 207].
صراع الاستقلاليين
أما الصراع الأيديولوجي في صفوف الجبهة القومية في أعقاب الاستقلال فيرسم المؤلف مساره بنوع من التشخيص المزدوج بين الفكر والأشخاص، فيشير إلى أن الجبهة القومية كانت على الدوام تتكون من قيادة الخارج وقيادة الداخل، وفي أعقاب الاستقلال صار هذا الثنائي القيادي معروفاً بجناحين احدهما يميني، والآخر يساري، فالجناح اليميني كان يرى ضرورة التعاون مع الرئيس قحطان الشعبي في سبيل إزاحة اليساريين، أما الجناح الآخر فكان يعارض الرئيس والعسكريين، وقد ترجم الصراع نفسه في المؤتمر العام الرابع للجبهة.[209 - 215]
صعود اليسار
فشلت حكومة قحطان الشعبي في إنجاز التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يتطلع إليها أغلب قيادة الجبهة القومية، غير أن إنجازها هذه التحولات في حضرموت منفردة قد دفعت الجيش إلى الواجهة حيث شن هجوماً عنيفاً على قادة الجبهة المسؤولين عن رعاية تجربة حضرموت متهماً إياهم بالشيوعية، بالترافق مع الإصرار على تكوين فرع للجبهة في الجيش، الأمر الذي عد كمحاولة مكشوفة من الجيش لتدبير انقلاب على الجبهة فاستبقت الجبهة الأحداث عبر محاولة تطهير الجيش لكن قحطان الشعبي وجماعته أحبطت القرار الذي اتخذته قيادة الجبهة في 30/12/1968، ولذلك فقد أقرت القيادة العامة للجبهة عقد المؤتمر العام الرابع للجبهة لحسم الصراع وتقييم تجربة السلطة، ورغم أن أهداف قحطان من عقد المؤتمر كانت تتوخى إزاحة التيار اليساري بطريقة تنظيمية إلا أن محاولته فشلت حيث حاز البرنامج اليساري على تأييد أغلبية المشاركين في المؤتمر، وهو البرنامج الذي رسم طريق التحول إلى الحزب الاشتراكي اليمني، وانتخاب 41 عضواً في قيادة الجبهة غالبيتهم من اليساريين، وإصدار قرارات تتطابق مع مطالبهم بالتأميم، والإبقاء على جيش التحرير، وتطهير الجيش، ومحاربة الأمية، وفتح معسكرات التدريب، ودعم انتصار ثورة الشمال كمدخل لتحقيق التحرر الوطني السليم وتحقيق وحدة الإقليم اليمني [ص221].
الانقلاب
وفيما تسببت الخلافات فيما بين الفريقين بتأجيل تنفيذ قرارات المؤتمر، فقد نفذ الجيش انقلاباً عسكرياً في 20/4/1968 حيث استولى على الإذاعة واعتقل مجموعة من اليساريين في قيادة الجبهة القومية، وأعلن الجيش أنه اشترك مع قطاع الفدائيين في تنفيذ الانقلاب لحماية البلاد من الخطر الشيوعي، وقد تم الانقلاب بمشاركة واسعة من السفارة الأمريكية التي كان ملحقها العسكري حاضراً في ثكنات الجيش لضمان نجاح الانقلاب، ورغم محاولة الجيش استخدام قطاع الفدائيين للتمويه على طبيعة الانقلاب فقد فشل انقلابه فوراً نتيجة اندلاع المظاهرات الشعبية الرافضة للانقلاب، وافتضاح عدم مشاركة قطاع الفدائيين في العملية الانقلابية، وتحرك مجموعات مسلحة من الريف للدفاع عن الثورة والتمسك بالقيادة المنتخبة، وتحرك قواعد الجيش والأمن المرتبطة بالجبهة القومية، وتمكن معتقلي الجبهة من الهرب في اليوم الأول لاعتقالهم [ص223 - 224]، لكن دور قحطان الشعبي كان مكشوفاً حيث اضطره فشل الانقلاب إلى الإعلان بأن الانقلاب اجتهاد فردي مخلص ولكن خاطئ من جانب الضباط، وعلى إثر استسلام الانقلابيين مقابل عدم تطهير أو محاكمة قادة الانقلاب، طرد الملحق العسكري الأمريكي وعزل عبد الفتاح إسماعيل وعلي البيض من الوزارة، وأصدر قحطان قانون الإصلاح الزراعي لتقوية سلطته وامتصاص غضب الجماهير.
فرار قائد أمن عدن
في 14/5/1968 بدأت مجموعة من العناصر اليسارية انتفاضة مسلحة ضد حكومة الشعبي، وبرغم محدودية نشاطها، إلا أن حكومة الشعبي باتت في خطر محدق مع دخوله في صراع كبير غير معهود مع الاتحاد القديم للقبائل والسلاطين الذين حوكموا غيابياً، ، وبالتالي فقد أفسح الطريق أمام تمرد القوة المضادة للثورة والذي أسفر عن فرار قائد قوات الأمن في عدن العقيد عبد الله صالح العولقي إلى اليمن الشمالي مع مئتي رجل من رجاله بعرباتهم المدرعة في الثاني من أغسطس 1968، وبرغم انحسار التمرد فقد عادت القبائل المضادة للثورة إلى الهجوم ، غير أن اليساريين فيما بعد عودة عبد الفتاح إسماعيل قرروا الإطاحة بقحطان من داخل الحكومة. [ص225 - 228] .
التصحيح اليساري
كانت المبالغة في سوء تقدير القوة الذاتية وقوة الطرف الآخر تمثل السبب الرئيسي في احتدام الصراع، بل وفي تفجير الموقف من البداية، غير أن إدراك الجناح اليساري لأخطائه مبكراً مكنه من السيطرة على الأمور، حيث أنجز عدداً من الخطوات التصحيحية بمهادنة الجناح اليميني، والتي من خلالها عبر عبد الفتاح إسماعيل بسرعة ليصل إلى منصب الأمين العام للجبهة القومية، وعضو مجلس رئاسة سالم ربيع علي [ص235]، وبدأت عجلة التصحيح اليساري الكامل.
قانون الإصلاح الزراعي
في الثامن من نوفمبر1970 صدر قانون جديد للإصلاح الزراعي الذي تقرر بموجبه مصادرة جميع أراضي وممتلكات سلاطين ومشائخ وحكام وعملاء ومستوزري العهد البائد وعائلاتهم بدون تعويض، وفي السابع عشر من الشهر ذاته صدر دستور الجمهورية الذي اعتبر جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، جمهورية ديمقراطية شعبية ذات سيادة وتسعى لتحقيق اليمن الديمقراطي الموحد، واعتبر أن الشعب العامل هو الذي يمارس كل السلطة السياسية، وأن التحالف الوطيد بين الطبقة العاملة والفلاحين والمثقفين والبرجوازية الصغيرة، هو الأساس السياسي المنيع للثورة الوطنية الديمقراطية [ص237].
دخول المنظومة الاشتراكية
وفي السادس من ابريل 1972 أعلن المؤتمر العام الخامس للجبهة القومية ارتباط الثورة اليمنية الوثيق بالنظام الاشتراكي العالمي وحركة التحرر الوطني العالمية وحركة الطبقة العاملة العالمية، والوقوف ضد النظام الرأسمالي الامبريالي العالمي، كما أكد على وحدة قوى النضال الثوري في شطري اليمن، وترابط النضال الثوري في إقليم اليمن في سبيل حماية ثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر، وتأييد حركة التحرر الشعبية في الخليج العربي.
الحرب الأهلية
وكنتيجة للدعم المتواصل المقدم من أطراف خارجية إلى القوى المضادة للثورة الأكتوبرية، والدعم الجنوبي للجبهة الوطنية التي شنت حرب تحرير شاملة في الشمال فقد اندلعت في العام 1972 حرباً أهلية بين شطري اليمن، وكانت محاولة من قبل تيار داخل الجبهة القومية لتحقيق الوحدة اليمنية بالقوة على الطريقة البسماركية، وهو الأمر الذي شجبه بشدة عبد الفتاح إسماعيل في تقريره إلى الجبهة، وعلى إثر الحرب وقعت اتفاقية القاهرة الوحدوية التي رفضها مجلس الشورى الشمالي باعتبار الاتفاق مع الشيوعيين يمثل خطراً على الإسلام والممتلكات، وجاءت قمة طرابلس كمحاولة لتخفيف التوتر ودفع مسيرة الوحدة.
قصف اللجنة المركزية
وفي الجنوب كانت مسيرة الصراع تتوالى خطواتها حيث انتقل الصراع إلى صفوف القيادة الجديدة بين تيارين هامين في أعلى هرم السلطة مثل الأول تيار سالمين [سالم ربيع علي]، وتيار عبد الفتاح إسماعيل، وشكل الموقف من الولاء القبلي، والموقف من الاتحاد السوفييتي، مرتكزاً هاماً في تصعيد الخلاف، أما نقطة التحول في تصعيد الخلاف فقد كانت الدورة السابعة للجنة المركزية للحزب الاشتراكي التي عقدت في أوائل يونيو 1987، والتي جرى فيها انتقاد السياسة الاقتصادية والإدارية التي كان يتبعها سالمين، وقد ظهر سالمين وجماعته وحيدين في موقفهم، فبدأ الاستعداد لمحاولته الانقلابية التي سيجري تنفيذها في أعقاب اغتيال رئيس اليمن في الشمال أحمد الغشمي، لكن المكتب السياسي اكتشف خطة سالمين، وطلب منه الاستقالة، لكنه رفض وأمطر اللجنة المركزية بوابل من نيران المدفعية، لكن القصف فشل وفشل الانقلاب، وحوكم وجماعته وأعدم مع ثلاثة آخرين، وعلى إثر ذلك قرر مجلس الجامعة العربية تجميد العلاقات الدبلوماسية مع اليمن الجنوبي وقطع المعونات الاقتصادية، وهو القرار الذي نفذته الدول العربية عدا دول جبهة الصمود والتصدي.
الوحدة اليمنية متينة
في أعقاب تلك الأحداث عقد في مدينة عدن في الفترة من 11إلى 13 أكتوبر 1978 المؤتمر الأول للحزب الاشتراكي اليمني، الذي أعلن هدف الحزب المتمثل ببناء الإشتراكية على الأرض اليمنية.[ص280]، وأكد أن الوحدة اليمنية يجب أن تكون وحدة شعبية متينة وصلبة وقادرة على الاستمرار في التطور نحو تحقيق كافة مهام الثورة اليمنية[ص286]، وبعد ذلك شهد الحزب الاشتراكي موجة من الصراع قاده المتطرفون في الحزب ضد عبد الفتاح إسماعيل الذي أصبح رئيساً للجمهورية، ولم تنته إلا بعد تقديمه استقالته للمرة الخامسة والأخيرة في العام 1980، وصعد علي ناصر محمد إلى رئاسة السلطات الثلاث في البلاد.
إرباك علي ناصر
عمل علي ناصر محمد على كسب ود الأطراف مجتمعة، ثم بدأ في تقريب التيار المعارض لعبد الفتاح ظاهرياً في حين كان يسعى إلى تفتيته من الداخل، وحين أيقن برسوخ سلطته أصبح يميل إلى الديكتاتورية حيث جمع في يده كل شؤون الدولة حتى تعيين أصغر موظف في أقصى محافظة، الأمر الذي جوبه بمعارضة الفريق المعارض لعبد الفتاح سابقاً، وللقضاء على هذا الفريق أعلن علي ناصر محمد عن مشاركة عبد الفتاح إسماعيل في المؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي في نوفمبر 1985، لكنه فوجئ بإلحاح معارضي عبد الفتاح على عودته الفورية، الأمر الذي أربك خطته[ص320].
الثورة تأكل أبناءها
في الفصل الرابع والذي عنونه المؤلف ب"الثورة تأكل أبناءها"؛ وقد خصصه المؤلف لبحث الصراع بين علي ناصر محمد وعبد الفتاح إسماعيل، وباختصار فإن صورة الصراع قد تمثلت على النحو الآتي: بعد إزاحة علي ناصر لوزير الدفاع علي عنتر، شعر الجناح المعارض لعبد الفتاح إسماعيل بخطأ موقفهم منه وأنه الوحيد القادر على إدارة الصراع ضد علي ناصر الذي انطلقت ضده موجة الانتقادات من الفردية إلى ممارسة الفساد والانحراف بالثورة إلى مسايرة الغرب، والتعاون مع الدول الرجعية، ولذلك فقد انتقد معارضو عبد الفتاح أنفسهم علناً وطالبوا بعودته وجميع المناضلين التاريخيين إلى الحياة السياسية وعمد هؤلاء إلى توزيع صوره سراً وعلانية، الأمر الذي نتج عنه ضغط شعبي أجبر علي ناصر على التفاوض لإعادة عبد الفتاح إسماعيل إلى الوطن وهو ما تم في السابع من أكتوبر 1984 حيث عاد ليبدأ سلسلة من الكفاح لتقليص سلطات الرئيس، والتي أتت ثمارها في 14فبراير 1985 حين تخلى الرئيس عن رئاسة مجلس الوزراء، لكن التيار الفتاحي كان مصراً على تغيير كامل في تركيبة السلطة تحد من هيمنة الرئيس ومحافظته على السلطة غير أن الرئيس قرر التخلص من المعارضين فدبر مجزرة عظيمة لرفاق النضال في 13 يناير 1986، فقدت البلاد فيها آلاف الأبرياء، والمناضلين، وتمت تصفية عبد الفتاح وعلي عنتر، واعتلى حيدر العطاس رئاسة الجمهورية، وأدرك الجنوبيون أن بقاء الجنوب كياناً مستقلاً أمراً مستحيلاً، فأعلنت الوحدة قبل موعدها المقرر بستة أشهر كما يقول الكاتب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.