الكشف عن شرط حوثي صادم مقابل السماح بنقل البنوك إلى عدن    انهيار كارثي للريال اليمني.. والعملات الأجنبية تكسر كل الحواجز وتصل إلى مستوى قياسي    ماذا يجري في الجامعات الأمريكية؟    صحفي سعودي: الأوضاع في اليمن لن تكون كما كانت قبل هذا الحدث الأول من نوعه    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    فشل العليمي في الجنوب يجعل ذهابه إلى مأرب الأنسب لتواجده    تعليق على مقال زميلي "سعيد القروة" عن أحلاف قبائل شبوة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    لماذا نقرأ سورة الإخلاص والكافرون في الفجر؟.. أسرار عظيمة يغفل عنها كثيرون    البخيتي يتبرّع بعشرة ألف دولار لسداد أموال المساهمين في شركة الزناني (توثيق)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    كأن الحرب في يومها الأول.. مليشيات الحوثي تهاجم السعودية بعد قمة الرياض    لأول مرة.. مصر تتخذ قرارا غير مسبوق اقتصاديا    رسالة سعودية قوية للحوثيين ومليشيات إيران في المنطقة    الكشف عن الفئة الأكثر سخطًا وغضبًا وشوقًا للخروج على جماعة الحوثي    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز برباعية امام فالنسيا    طفلة تزهق روحها بوحشية الحوثي: الموت على بوابة النجاة!    ثلاثة صواريخ هاجمتها.. الكشف عن تفاصيل هجوم حوثي على سفينة كانت في طريقها إلى السعودية    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    رئيس مجلس القيادة: مأرب صمام أمان الجمهورية وبوابة النصر    الجرادي: التكتل الوطني الواسع سيعمل على مساندة الحكومة لاستعادة مؤسسات الدولة    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    أصول القطاع المصرفي الاماراتي تتجاوز 4.2 تريليون درهم للمرة الأولى في تاريخها    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    ريمة سَّكاب اليمن !    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصراع في عدن
خلافات اليوم اجترار لاقتتال الأمس التي يبدو أنها لن تنتهي...
نشر في الجمهورية يوم 01 - 12 - 2013

تناولنا في اليوبيل الذهبي لثورة 14أكتوبر جذور الصراع في عدن وامتداداتها منذ اندلاع ثورة اكتوبر في 1963، وحتى ما بعد الاستقلال الوطني من بريطانيا.. فقد كان ذلك التناول مركزاً على الجذور والبدايات الأولى للصراع الذي لم ينته حتى قبيل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 1990م ولم نتطرق بشكل موسع للاقتتال الأهلي بين جبهتي التحرير والقومية، مقارنة بتركيزنا على الجذور والبدايات الأولى لأسباب الصراع، وبحسب مؤلف “الصراع في عدن” لكاتبه شاكر الجوهري نتحدث فيما يلي حول أحداث الحرب الأهلية أو ما تسمى ب “حرب الجبهتين” في عدن قبيل الاستقلال وخروج بريطانيا، واستقلال البلاد، والصراعات التي تلت بين التيارات المتناقضة وإعدام وتنحية الرؤساء المتعاقبين.
وقد كان أمراً مؤسفاً أن يتصاعد التوتر في علاقات الجبهتين القومية والتحرير إلى درجة الحرب الأهلية أو الاقتتال الأهلي قبل الاستقلال بدلاً من تحقيق وحدة القوى الوطنية، وهو الاقتتال الذي انتهى بعد ثلاث جولات دموية إلى تصفية جبهة التحرير واعتقال أو هرب قادتها وكوادرها وعناصرها قبيل الاستقلال.
ومع ذلك فقد كان ما حدث متوقعاً في ضوء المقدمات الموضوعية التي لم يكن مفاجئاً أن تترتب عليها حرب أهلية بين الجبهتين قبل الاستقلال، فجذور الخلاف بين الجانبين بعيدة إذ إنها تعود إلى ما قبل انطلاق الثورة، ويمكن أن نستخلص منها الأسباب والعوامل التالية:
1 اتسام العلاقات بين القوى الوطنية قبل بدء الثورة بالعنف وتبادل الاتهامات وانعدام الثقة وعدم فهم طبيعة المرحلة التي تمر بها المنطقة، وقد لعبت الروح التقليدية دوراً هاماً في ذلك.
2 انتزاع الجبهة القومية “حركة القوميين العرب” لقيادة الحركة الوطنية من حزب الشعب الاشتراكي الذي ظل يقود الحركة الوطنية حتى عام 1963.. وقد غدا الحزب يمثل المحور الرئيسي لجبهة التحرير فيما بعد.
3 رفض حزب الشعب الاشتراكي للكفاح المسلح لدى انطلاق الثورة وشنه الحملات الإعلامية على الجبهة القومية معلناً أن التحرك السياسي لم يستنفد أغراضه بعد.
4 الدمج القسري الذي تم بين الجبهتين إثر البيان الانقلابي الذي وقعه علي السلامي عضو المجلس التنفيذي للجبهة القومية وعبدالله الأصنج الأمين العام لمنظمة التحرير في 13يناير 1966وتراجعت الجبهة القومية عنه إثر الانقلاب المضاد الذي نفذه قادة الفصائل الفدائية في عدن يوم 14أكتوبر من ذات العام.
5 تصارع الجبهتين على كسب ولاء النقابات العمالية والحركة العمالية بشكل عام ، وهو الصراع الذي نجم عنه مقتل اثنين من أبرز القادة النقابيين هما حسين علي القاضي رئيس المؤتمر العمالي اللصيق بحزب الشعب وجبهة التحرير، وعبدالله السلفي اللصيق بالاتحاد الشعبي الديمقراطي والجبهة القومية.
6 تهديد جبهة التحرير للصحف بسبب نشرها أخبار الجبهة القومية وإحراق مطابع ومكاتب صحيفة “الأمل” الصادرة باسم الاتحاد الشعبي الديمقراطي لنشرها بيان انسحاب الجبهة القومية من جبهة التحرير.
7 تصاعد الحملات الإعلامية بين الجبهتين، فجبهة التحرير كانت تتهم الجبهة القومية بالخضوع لعناصر وتوجيهات خارجية من الشيوعيين والقوميين العرب، فيما كانت الجبهة القومية تتهم قيادة جبهة التحرير بأنها تقود سياسة وسطية تضعف من خط الثورة المسلح.
وإلى جانب ذلك فإن هناك أربعة عوامل مباشرة أدت إلى اندلاع الاقتتال بين الجبهتين:
الانفجار الذي أودى بحياة ثلاثة من أبناء عبدالقوي مكاوي الأربعة، وقد صدرت اتهامات مباشرة من السلطات البريطانية للجبهة القومية بهذا الخصوص وحملتها مسئولية الحادث فيما صدرت تلميحات أخرى عن جبهة التحرير.
عملت جبهة التحرير على تشكيل حكومة منفى دون استشارة الجبهة القومية.
الاحتكاكات التي تمت بين أنصار الجبهتين إبان وجود بعثة الأمم المتحدة في الجنوب اليمني.
الاغتيالات التي نفذها عملاء الانجليز والسلاطين واستهدفت حياة رموز بارزة في الجبهتين بهدف إذكاء جذوة الصراع بينهما.
وباختصار يمكن أن نفهم كل هذه العوامل والأسباب تحت عنوان الصراع على السلطة وقد تمثل هذا الصراع في أجلى صوره، حيث كانت كل جبهة تصر على أنها هي فقط التي تمثل شعب الجنوب اليمني، ونتيجة لذلك فقد فشلت كل الجهود واللقاءات التي عقدت للحيلولة دون استمرار القتال حتى نهايته التي كانت على حساب جبهة التحرير وتصفية وجودها بشكل نهائي.
جولات الاقتتال
اندلعت الجولة الأولى من الاقتتال الأهلي في شهر يوليو1967م، قبل ذلك بأيام قليلة حين فرضت الجبهة القومية سيطرتها على حي كريتر لمدة 15يوماً... وفي هذه الأثناء اغتال اعضاء في جبهة التحرير«عبد النبي مدرم» أحد قادة فدائيي الجبهة القومية، وحاولوا تصفية آخرين، وعلى إثر هذا الحادث اعتقلت الجبهة القومية أربعة من أعضاء جبهة التحرير واتهمتهم بالحادث، فازداد الجو تلبداً بالغيوم، وبعد أيام قليلة بدأ اقتتال أهلي آخر بين الجبهتين في دار سعد بضاحية عدن وذلك بسبب هجوم مفاجئ قامت به جبهة التحرير على مواقع للجبهة القومية كانت قد سيطرت عليها، ومن بينها مراكز حكومية سبق للجبهة القومية أن أعلنت سقوطها بيدها، غير أن جبهة التحرير منيت بالهزيمة في هذا القتال.
الجولة الثانية من الحرب الأهلية اندلعت في شهر سبتمبر 1967م، فبعد حسم الجولة الأولى من الاقتتال لصالح الجبهة القومية لم تتوقف عمليات التحرش بين الجبهتين، وكان مما صعد من حدة التوتر بين الطرفين النجاحات التي حققتها الجبهة القومية في تحرير المزيد من المناطق والمحميات الداخلية، الأمر الذي كان يثير تخوفات لدى قادة جبهة التحرير.
ومن أبرز الحوادث التي وقعت في هذا الإطار احتجاز جبهة التحرير لاثنين من قادة الجبهة القومية (فيصل عبداللطيف الشعبي ومحمد أحمد البيشي) بينما كانا عائدين بعد أن ساهما في تحرير منطقة المسيمير، ونقلهما إلى القاهرة مما دفع بالجبهة القومية إلى توجيه إنذار إلى جبهة التحرير طالبت فيه بإطلاق سراحهما.
أما العامل المباشر للاقتتال الثاني فقد نجم عن المؤتمر الصحفي الذي عقده ممثلون عن الجبهة القومية في مطلع سبتمبر، والمذكرة التي تقدمت بها جبهة التحرير لبعثة الأمم المتحدة بعد أيام قليلة.
ففي الثاني من سبتمبر1967 وبعد نجاحات “القومية” في تحرير مناطق الداخل، عقد ممثلون عنها مؤتمراً صحفياً في زنجبار بسلطنة القعيطي أعلنوا فيه أنه إذا حررت الجبهة القومية معظم المناطق فإنها، هي الممثل الشرعي الوحيد لشعب الجنوب اليمني، وأنه لا توجد أطراف اخرى تدعي تمثيل الحركة الوطنية لأن الشعب..” منح ثقته كاملة للجبهة القومية”، ولذا فإن على بريطانيا أن تتفاوض مع الجبهة القومية وحدها وتسلمها السلطة.
في المقابل فإن جبهة التحرير أبلغت بعثة الأمم المتحدة التي قامت بمهمة جديدة في الفترة بين 911سبتمبر أن موقف جبهة التحرير يتلخص في التالي:
أنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب وأن على بريطانيا أن تتحدث معها مباشرة.
ترفض الجبهة التعامل مع السلاطين والأحزاب العميلة.
أن الجبهة تتحدث من موقع القوة لاستنادها إلى الشعب ولا توجد قوى منافسة أخرى لها.
أن بريطانيا تبذر الخلاف بين القوى الوطنية من أجل تصفيتها جميعاً.
أن تشكيل الحكومة المركزية المؤقتة من حق جبهة التحرير لأنها القوة الأساسية في المنطقة وهي مستعدة لإشراك الجبهة القومية في الحكومة بوصفها طرفاً ثانوياً.
أن الاتصالات بالجبهة القومية من أجل التفاهم لم تقم بشكل جدي حتى الآن، وأن جبهة التحرير تنتظر إتمام هذا اللقاء رغم أن الجبهة القومية لم تبدي مثل هذه الرغبة.
أن قيام بريطانيا بتقديم عروض في صالح الجبهة القومية أدى إلى عزوف الأخيرة عن مقابلة بعثة الأمم المتحدة.
أن جبهة التحرير عاملت الجبهة القومية كأخ صغير ولم تنكر وجودها، بل تشككت في حجمها ومدى أهميتها فقط، وهي مستعدة للتعاون معها دون أن تفرط في أمور مبدئية تتصل بحجم جبهة التحرير وحقها في تشكيل الحكومة المؤقتة.
هذا التناقض في المواقف لم يحل دون حدوث محاولات في القاهرة بناء على وساطة جامعة الدول العربية و أمينها العام الأسبق عبدالخالق حسونة للتوصل إلى صيغة للوحدة الوطنية تمهد لإجراء مفاوضات مع بريطانيا بشأن الاستقلال.
وفي الوقت الذي كانت تجري فيه هذه المحاولات بدأت الجولة الثانية من الاقتتال الأهلي، وشمل القتال هذه المرة المناطق المحيطة بعدن ولحج، ومالت فيه الغلبة لصالح الجبهة القومية مرة أخرى.
وعندما رأت الدول العربية ومنها مصر تفوق الجبهة القومية قامت باحتواء الموقف من خلال إطلاق قادة الجبهة القومية المحتجزين في القاهرة بسبب رفضهم للدمج القسري في 1966، ورأت أن يتولى هؤلاء القادة وعلى رأسهم قحطان الشعبي مناصب قيادية في الجبهة القومية وهو ما اعتبرته أهون الشرين مقارنة بالراديكاليين الشباب من قادة الداخل في الجبهة القومية، كما عملت الدول العربية على جمع الطرفين، الجبهة القومية وجبهة التحرير في اجتماع بالقاهرة لإيقاف الاقتتال الثاني ومحاولة الوصول إلى اتفاق حول الوحدة الوطنية.
ولم يسفر ذلك الاجتماع عن أي نتيجة، وكان قد بدأ في الأول من أكتوبر 1967م، وفي هذه الأثناء أصدرت بريطانيا بياناً ووزعته أثناء محادثات الجبهتين في القاهرة قالت فيه إنها سوف تمنح الاستقلال لليمن الجنوبي في نهاية شهر نوفمبر على لسان وزير الخارجية البريطاني أمام مجلس العموم.
وفي الثاني من نوفمبر اندلعت في عدن وضواحيها اشتباكات عنيفة بين مقاتلي الجبهتين، واتهم قادة الجبهة القومية جبهة التحرير بانتهاك وقف إطلاق النار الذي سبق التوصل إليه في سبتمبر الماضي، وطالب قادة الجبهة القومية بقطع المحادثات في القاهرة.
وكانت تلك الجولة الثالثة من الاقتتال أو الحرب الأهلية في عدن، وعندها تدخل جيش الجنوب العربي الموالي لبريطانيا، تدخل لصالح الجبهة القومية وساهم في حسم المرحلة الأخيرة من القتال في حي المنصورة ضد جبهة التحرير، وقد كان جيش الجنوب العربي يعاني من صراع داخلي هو الآخر بين أنصار الجبهتين.
وبعد السيطرة على المعقل الأخير لجبهة التحرير في المنصورة اعترف قادة الجيش والبوليس بالجبهة القومية، وأجريت تعديلات في قيادة الجيش أصبح بموجبها العقيد حسين عشال قائداً للجيش وهو الذي كان متعاوناً مع الجبهة القومية.. وفي ذات اليوم أعلن المندوب السامي البريطاني اعترافه بالجبهة القومية كممثل وحيد للشعب بعد أن كانت بريطانيا تعترف بحق الجبهتين في التمثيل.
وبهذا كان الانهيار الأخير لجبهة التحرير، وقامت الجبهة القومية بتعقب وتصفية أنصار جبهة التحرير في عدن والحواشب وكرش، وعلى إثر ذلك أكدت الجبهة القومية سيطرتها على الجنوب كله، وأعلنت أنها الممثل الوحيد والشرعي لشعب اليمن الجنوبي، وأن على بريطانيا تسليمها السلطة.
وبذلك تكون الجبهة القومية قد أحبطت توجهاً بريطانياً بتسليم السلطة إلى الجيش للدفع به في الصراع كطرف ثالث، إلا أن قادة الجيش رفضوا ذلك بعد تحذيرات من الجبهة القومية، مع عدم إغفال وجود مواليين للجبهة القومية من قادة الجيش.
صراعات اليمين واليسار
كيف يمكن لتنظيم سياسي غير متجانس أن يتولى السلطة في بلد ما ويقيم حكومة متجانسة؟ هذا السؤال طرح منذ اللحظة الأولى لإعلان استقلال اليمن الجنوبي في 30 نوفمبر 1967، إذ لم يكن متصوراً اتفاق جناحي الجبهة القومية على برنامج مشترك للحكومة الاستقلالية الاولى.
وقد زاد من حدة التناقضات داخل الجبهة تولي “قيادة الخارج” مسئولية الحكم، حيث أسندت رئاسة الجمهورية إلى قحطان الشعبي الذي أصبح في ذات الوقت رئيساً للوزراء، قبل أن يسند هذا المنصب في وقت لاحق لابن عمه فيصل عبداللطيف الشعبي، وشكلت الحكومة الأولى في غالبيتها من أنصار الشعبي وقيادة الخارج، فيما أعلنت القيادة العامة للجبهة القومية التي يسيطر عليها اليسار “قادة الداخل” السلطة العليا في البلاد التي تقوم في ذات الوقت بمهام السلطة التشريعية إلى حين وضع دستور مؤقت وانتخاب مجلس تشريعي.
ولم يقتصر الخلاف على جناحي الجبهة القومية فقط، بل إن الجيش الحكومي الذي سبق له أن أعلن انحيازه إلى جانب الجبهة القومية في صراعها مع جبهة التحرير كان طرفاً رئيسياً في معادلة الحكم الجديدة في عدن، وكانت قيادة الجيش منذ البداية قد وطنت عزمها على انتهاز الفرصة المواتية من أجل القفز إلى السلطة وإبعاد جناحي الجبهة القومية كليهما عنها.
في المرحلة الأولى من الصراع الجديد مثلت قيادة الجبهة الداخلية “اليساريين” طرفاً وقادة الجيش طرفاً مقابلاً، فيما اختار رئيس الجمهورية أن يمسك بالعصا من منتصفها على أمل أن يجير تناقضات يسار الجبهة مع الجيش لصالحه، ولكن هذه السياسة الوسطية أدت إلى تأزيم العلاقات أكثر فأكثر بين جناحي الجبهة إلى أن تمكن الجناح اليساري من تنحية قحطان الشعبي وجناحه اليميني عن السلطة من خلال شبكة معقدة من التحالفات تمكن قادة اليسار من نسجها مع الأحزاب اليسارية الأخرى في البلاد “الاتحاد الشعبي الديمقراطي والبعث”، وضباط العوالق في الجيش الذين كانوا يشكلون غالبية أفراد الجيش بما فيهم قائد الجيش محمد صالح العولقي، ووزير الداخلية محمد علي هيثم الذين نجحوا في تحريضه على الرئيس، وذلك بالإضافة إلى سيطرتهم على تنظيم الجبهة داخلياً وفصائل الفدائيين والحرس الشعبي.
لقد مرت صراعات جناحي الجبهة القومية التي انتهت بعزل قحطان الشعبي واستئثار الجناح اليساري بالسلطة بالمراحل التالية:
انقلاب 20 مارس 1968 الذي قام به بعض قادة الجيش ضد الجناح اليساري ثم في المقابل انتفاضة 14 مايو 1968 التي قام بها اليسار رداً على الانقلاب.
حركة 22 يونيو 1969 التي استغلت الصراعات التي نشبت داخل الجناح اليميني وحسمت الموقف لصالح الجناح اليساري.
حركة 22 يونيو
كانت حركة 22 يونيو 1969 نتاجاً حتمياً للصراعات التنظيمية والأيديولوجية بين تياري اليسار واليمين، ومثلت انتصاراً لليساريين، خاصة بعد مؤتمر الجبهة القومية في زنجبار في مارس 1969، ففي صبيحة 22 من يونيو تم إعلان استقالة رئيس الجمهورية قحطان الشعبي وإعلان بيان خطوة التصحيح، وقبل إعلان استقالة الرئيس كان الجناح اليساري قد سيطر على الإذاعة، وبعد إذاعة بيان الاستقالة أذيع بيان القيادة العامة للجبهة القومية بقبول استقالة قحطان الشعبي من كافة مناصبه وتشكيل مجلس رئاسة جماعي ومجلس وزراء جديد كهيئتين للسلطة التنفيذية.
وقد شكل مجلس الرئاسة من خمسة أعضاء هم سالم ربيع علي “الرئيس”، عبدالفتاح إسماعيل “الذي أصبح أميناً عاماً للجبهة القومية”، محمد علي هيثم “الذي أصبح رئيساً للوزراء، ومحمد صالح العولقي وعلي عنتر.
ويتضح من تشكيلة المجلس أنه لم يكن متجانساً، إذ إنه شكل ليكون توليفة تضم رموز القوى التي شاركت في الإطاحة برئيس الجمهورية، فهو إذ يضم ثلاثة من قادة الجناح اليساري يمثل كل منهم واحداً من تيارات اليسار، فإنه ضم كذلك اثنين من رموز اليمين الذين تمكن اليسار من استقطابهم ضد رئيس الجمهورية، ولم يكن ممكناً أن يستمر مجلس الرئاسة على هذا النحو، لذلك فقد قررت القيادة العامة للجبهة القومية في دورتها التي عقدتها في 27 نوفمبر إلى 8 ديسمبر من عام 1969 تخفيض عدد أعضاء مجلس الرئاسة إلى ثلاثة أعضاء هم سالم ربيع علي، عبدالفتاح إسماعيل، ومحمد علي هيثم.
كانت هذه الخطوة واحدة من عدة خطوات لابد منها من أجل تحقيق الانسجام بين التوليفة الحاكمة، أما الخطوة التالية فقد اتخذت في أغسطس 1970بإقالة محمد علي هيثم من كافة مناصبه وتعيين علي ناصر محمد بدلاً عنه.
وتأكيداً لصحة توجيهات قادة اليسار داخل الجبهة القومية نحو توحيد كافة قوى اليسار في البلاد، فإن أول حكومة شكلت بعد حركة 22 يونيو ضمت في عضويتها عبدالله باذيب زعيم الاتحاد الشعبي الديمقراطي وزيراً للإرشاد والتعليم، وأنيس حسن يحيى قائد حزب البعث وزيراً للاقتصاد، ومنح هذان الحزبان إمكانية واسعة للعمل في النقابات ومنظمات الشبيبة والطلاب وغيرها من المنظمات الاجتماعية.
إعدام سالمين
لم يكن حادث الاغتيال الغريب للمقدم أحمد الغشمي أواخر يونيو 1978 رئيس الجمهورية العربية اليمنية “الشطر الشمالي آنذاك” السبب الوحيد لانفجار الصراع بين سالم ربيع علي من جهة وغالبية أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية للجبهة القومية بزعامة الأمين العام عبدالفتاح إسماعيل من جهة أخرى، فالخلافات بين الجانبين كانت قد بدأت قبل ذلك بفترة غير قصيرة، ودارت حول عدد من الموضوعات أبرزها موقف “سالمين” المتحفظ على تشكيل “الحزب الطليعي من طراز جديد”، والذي كان النواة الأولى للحزب، وكان قد تقرر تأسيسه في المؤتمر العام الخامس للجبهة القومية.
لقد كان تشكيل هذا الحزب يتعارض مع الطابع الاتوقراطي لنظام “سالمين” الذي كان يوظف شعبيته الجماهيرية الساحقة في تمرير القرارات التي يريدها داخل المكتب السياسي واللجنة المركزية للجبهة القومية، إذ كان يجري التركيز إلى جانب الدعوة إلى تأسيس الحزب على جماعية القيادة، الأمر الذي كان يعني الحد من تفرد الرئيس في اتخاذ القرار.
وفي شهر سبتمبر 1977 تمكن خصوم “سالمين” من اتخاذ قرارات في الدورة السابقة للجنة المركزية حدث من صلاحياته، وأشعرته بضرورة الانصياع لقرارات الأغلبية، ولكنه مع ذلك واصل التصرف باعتباره زعيم الشعب وبطل التحرير، وذلك بالنظر إلى دوره البارز في حرب التحرير ضد القوات البريطانية ثم انقلاب 14 أكتوبر 1966 ضد الدمج القسري، وانتفاضة 14 مايو 1968 ضد قحطان الشعبي وعقداء الجيش الموروث عن عهد الاحتلال، وكذلك دوره في حركة 22 يونيو 1969.
ومضى “سالمين” في اتخاذ القرارات الفردية، ومخالفة قرارات الأغلبية، واختط لنفسه سياسة وطنية داخلية وخارجية وجدت لها صدى واستجابة دولية.
وجاءت حادثة اغتيال الرئيس الغشمي في صنعاء ومن قبلها اغتيال الرئيس الحمدي “ حليف سالمين” لتعجل بالخلاص من الرئيس سالمين على يد رفاق الكفاح المسلح.
موعد آخر
ولأن الصراع في عدن لم يتوقف عند هذا الحدث، ونظراً لأهمية الأحداث التي سبقت وواكبت تصفية “سالمين” فإنا على موعد آخر في تناول هذا الحدث بالتفصيل في فرص لاحقة، لنكشف سويةً ملامح الصراع الذي قضى على قيادات تاريخية ثورية ساهمت في اندلاع ثورة أكتوبر، وكان لها دور بارز في تحقيق الاستقلال الوطني 30 نوفمبر 1967، وكان لها أن تكون لاعباً مؤثراً في أحداث اليوم لو لم تنهها الصراعات الدموية التي شهدتها وتشهدها عدن اليوم.
ولعل صراعات اليوم في عدن بعد 46 عاماً من الاستقلال الوطني، ونصف قرن من ثورة أكتوبر ليست بمنأى عما تناولناه من صراعات، مرشحة ومؤكدة التجدد إن تم الموافقة على ما يحاول نيله ثلة من عشاق الاقتتال والصراع تحت مسمى استعادة الدولة أو فك الارتباط المزعوم.
فتاريخ صراعاتهم يرمي بظلاله اليوم، وذلك الصراع يطالهم أولاً قبل أن يطال خصومهم ولنا لقاء آخر في موعد جديد عن قريب.
* المصدر “الصراع في عدن” ل “شاكر الجوهري”


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.