أجمع الجنوبيون على مختلف مشاربهم الثقافية والفكرية وتوجهاتهم السياسية ان مشروع الوحدة بين دولة الجنوب والشمال قد فشل وسقط سقوطا مروعا ، ليس بفعل الحرب والغزو البربري على الجنوب عام 1994م فحسب ، بل ايضا بفعل ما تلى ذلك من تدمير شامل وممنهج قضى على كل ما في الجنوب من مظاهر الدولة ومؤسساتها ومكتسباتها ، وقضى على ما تبقى في النفوس من آمال .
تلبس نظام صنعاء بعد ذلك التاريخ الغرور والزهو ونشوة النصر والفتح المبين ، فأخذ يتعامل مع الجنوب بمنطق الغازي المنتصر ، فلم يبقي بعد ذلك شيئا في الجنوب ولم يذر ، تجبر وطغى وأذل الانسان الجنوبي ، ونهب وسطى على الارض والثروة والتاريخ ، واتخذ سياسات التجويع والتجهيل وبث الفتنة واثارة النعرات وتقطيع اوصال المجتمع الجنوبي وجعله منهجا يوميا . والافضع من كل ذلك والأمر هو ما سعي اليه النظام اليمني بإمعان الى اسقاط القيم النبيلة التي تميز بها المجتمع الجنوبي ، وكرس بدلا عنها قيم فاسدة وموروث يمني متأصل ، فأشاع الرشوة وخيانة الامانة والاختلاس والاستيلاء على المال العام ، وشهادة الزور وانعدام الضمير ، والكذب والتدليس ، وكل افات ولوثات النفس البشرية ، تحولت الى ثقافة وممارسة حياتية يومية .
اليوم وبعد ستة اعوام من انطلاقة الحراك الجنوبي الذي سبق كل الثورات العربية بسنوات تغيرت المعادلة وتغيرت معها الحسابات بين صنعاءوعدن ، وهاهم في صنعاء ينحنون للعاصفة بمكر ودهاء ، فكان المؤتمر الوطني الشامل هو الاختراع الذي يسعون من خلاله الة أن تصار القضية الجنوبية الى شيء آخر مسخ يشبه اي قضية في باب اليمن . وفعلا أكل البعض من الجنوبيون الطعم وهرولوا الى صنعاء للمشاركة في الحوار دون وعي وحساب دقيق ولا مراجعة لدروس وتجارب الماضي القريب والبعيد لانظمة الحكم المتعاقبة في صنعاء منذ أمد بعيد ، المتسمة بالمكر والخداع والهيمنة القبلية السافرة ، وهنا في هذا المقام نسأل اخواننا المشاركين في مؤتمر الحوار الشمالي ماذا لمستم من سير الحوار ؟ وكيف يسير الحوار ؟ وكيف تنظر القوى الرئيسية القبلية والدينية اليمنية للقضية الجنوبية ؟ وهل هذه القوى تنتظر نتائج الحوار فعلا وتخضع لها ؟ ؟
كانت رؤية حزب المؤتمر للقضية الجنوبية ، وكذلك حزب الاصلاح ، والمؤسسة الدينية اليمنية بشأن القضية الجنوبية واضحة ، جميعهم اصدروا رؤاهم حولها ، وجميعهم عبروا عن عدم إعترافهم بحق تقرير المصير ولا حتى بحل ضمن فكرة الفيدرالية بين الشمال والجنوب ، وأكثر من ذلك فقد كان بيان هيئة علماء اليمن قاطعا وواضحا بتحريم حق تقرير المصير او الدعوة الى الفيدرالية !!
أفبعد هذا لا زلتم تؤمنون بأن مؤتمرهم سيمنحكم استقلال الجنوب من فندق موفنبيك بصنعاء ؟ كلا انها استراحة الماكر المخادع ، حتى اذا ما هدأت العاصفة سيعيد سيناريو 1994 بطريقة مختلفة واخراج مختلف ولكن بنفس الوسائل والادوات الرئيسية القوة العسكرية والتحشيد الديني الارهابي المتطرف وشق صف الجنوبيين بأدوات جنوبية وبعثرة اوراقه ، وبالتالي تفكيك الانجاز العظيم للجنوبيين وهو الثورة الجنوبية التحررية .