لم يبرح مكانه منذ زمن طويل تتوالى الأحداث و تمر الايام وتتغير الوجوه الا هو رجل الخرابة لازال في مكانه . في طرف من الليل، افتح النافذة وارقب الحارة، كان ذلك هو مسكنه قرب القمامه وعند فتحت المجاري ،يضع الكراتين تحت جسده الضخم. لاشئ يعلوه غير السماء لحاف من برد الشتاء و مطره.. كانت النجوم ضياء حين يغيب القمر، فهو لايحفل للدوران القمر ولا عدد السنين ولا حساب الايام.. يمضي الليل شاردا متسكع في الحانات يبحث عن لذة الشراب وحضن الغانيات.. في الليل يجد نفسه..في صمت الظلام يختفى من العيون.. فهي لا ترى في ظلمة الليل..فيها يباح كل شئ.. القتل والسرقة ورفقاء السوء..ولعب القمار كانت سلوته ومتعتة. كنا صغارا نلعب، ونخشى الاقتراب منه .وهو نائم ، كان جسدا كبيرا ، مركوم على الارض، ملئ بكتل من اللحم، ورأس ضخم، وشعر خشن، يداه كبيرتان بعضل، وفي ساعده وشم في شكل صورة انثى، لكنها ليست واضحة، ولااحد يعرف من هي، قد تكون حبيبه او زوجه، او ابنته التى لم يراها أحد ،حتى اسمه كان مجرد لقب وكنيته،ليس لديه اسم اوعائله، فهو محير ،فاقد الهويه لااحد يعرف من هو؟ ومن أين أتى؟ فهو مثل الغول..!!! الذي يخاف منه الأطفال وهم صغار..! اشتهر بقوته البدنية، واستهتاره وجرأته ،كان قوي وشديد البأس، يلملم أشياءه ،في كرتون صغير ،يضعه تحت رأسه، حين ينام ،وحين يغادر، نبعثر مكانه، نقلب الكراتين، لاشى سوى بقية من النقود المعدن الصغيره ،وعلب البيرة الفارغة ..لكن أنفاسه الحارة تظل تطوف في المكان، مثل تلك الروائح الكريهه التى تصدر من فمه وهو يحدثك..في يوم.. وقفت أمامه مرة، ونظرت في وجه، لم اجد ملامح لوجه، كان ملئ بندبات ،وحفر وغرز، لكني استجمعت قواي ،وقلت له ارحل ارحل..! هنا ليس مكانك ..؟انت اللعنة التي أصابت الحارة، لااحد يحبك ،الكل يمقتك، نظر الي ، ثم دنئ من اذني..! وهمس بصوت خافت..؟ وقال اذهب أيها الغبي..! ثم ابتسم ابتسامته الساخرة..!! تحدث عنه إمام الجامع ،في خطبة الجمعة ،ودعا عليه مرارا وتكرارا، مرة قال عنه ابن سفاح ومرة مجرم، وقاتل ومرة قال عنه لص وسفيه نعته بكل رذائل الأرض لكنه لم يغادر الحاره . في الصباح حين يذهبون أشغالهم ،يمرون من أمامه، يجدونه امر واقع عليهم،ووصمة عار التصقت بهم ،لكنهم يردون السلام عليه و يتحدثون اليه احيان ، يرسلون له من بيوتهم بقايا الطعام ، وملابس قديمه و خرق باليه. كان الكبار يقولون عنه، انه زمان، كان فتوة جبار ،يهز الأرض الأرض تحت قدميه، وكان يدخل الحارة، راكب فرس اسود، والبعض يقولون عنه، إنه كان عبدا يخطف الأطفال الصغار ،وبيعهم في سوق النخاسة، وآخرون يقولون ،انه كان مع الثوار ،حين تحررت البلد من الاستعمار.. اماهو رجل الخرابة، بني في مكان القمامة وفتحت المجارى، فلم تعد خرابة. ولم يعترضه أحد.. سد مدخل الحارة، أصبح للحارة مدخل واحد، وهو من يتحكم به،فالتم الصعاليك في الحارة حوله.. وأصبحوا عصابة، وصار هو عاقل للحارة .