لا يختلف اثنان على أن الكثير من الممارسات والأفعال المجرمة شرعاً وقانوناً قد أضحت اليوم ظواهر مزمنة تهدد الجنوب ومستقبله وتقض مضجع المجتمع وتؤرقه ، ومن أبرز تلك الأفعال المشينة السباق المحموم في عدن على نهب الأراضي والبسط على المتنفسات والحدائق والمباني الخاصة والعامة ، وقد وصل بهم الحال إلى البناء العشوائي حتى في المناطق الاستراتيجية والتاريخية وعلى أراضي المنطقة الحرة وللأسف الشديد ، ولأن كل طرف يلقي باللوم على الطرف الآخر ، وبين الشد والجذب بينها غابت الكثير من الحقائق وأصبح من الضرورة بمكان فضح كل ضالع ومتورط بالنهب والبسط وبالدليل الملموس والقاطع الذي لا يحتمل التأويل والتدليس ولي عنق الحقائق لاسيما أن ما ينشر اليوم في السوشال ميديا وكذا الإعلام المرئي والمقروء حول هذا الأمر محدود جداً ولا يروي نهم الباحث عن الحقيقة ، ومتحيز أحياناً ، ليس لأن كل تلك الوسائل الإعلامية متواطئة أو مقصرة في ذلك ، ولكن ربما أن القضية أكبر من إمكانياتها ولها أبعاد كبيرة وكثيرة لا يتناسب تناولها والإحاطة بكل جوانبها بمجرد خبر صحافي عابر أو تغطيته بتقرير وتحقيق وريبورتاج واستطلاع وما إلى ذلك من الفنون الصحافية التقليدية . ولكن الأمر بحاجة إلى تقارير صحافية استقصائية حقيقية لكشف مافيا الأراضي وتتبع خيوط القضية منذ البداية وبأدق التفاصيل وعلى أسرع وجه لأن ما يجري من نهب وبسط وبوتيرة عالية يهدد عدن ويحولها إلى قرية ، وقد يأتي يوم لن تجد العاصمة مكاناً لإقامة أي مشروع استثماري جديد ، وبالذات تطوير وتوسعة المنطقة الحرة ، ذلك المشروع الذي إن تم سينقل عدن إلى مصاف المدن العالمية ويعيد لمينائها مكانته ومجده التليد . وأعتقد بل أجزم أنه في حال لجأت وسائل الإعلام إلى التقارير الإستقصائية التي تمثل أحد الفنون الصحفية الحديثة وأهمها كونها صحافة العمق وتسبر أغوار المشكلة المراد إجراء التحقيق عنها من كافة الجوانب وتسخرها في خدمة القضايا الحساسة والمهمة التي تهم الوطن والمواطن كنهب الأراضي ، فأن ذلك سيكون كفيلاً بكشف الأمور على حقيقتها وإظهار الناهبين الحقيقيين والأيادي الخفية التي تدير تلك العصابات لحاجة في نفس يعقوب ، وبالتالي ستتوفر كافة الأدلة والبراهين القاطعة لإدانتها ، وبالطبع يكون اللص رعديداً وخائفاً فقد قال أبو الأحرار محمد محمود الزبيري : إنّ اللصوص وإن كانوا جبابرةً لهم قلوبٌ من الأطفال ِ تنهزمُ وبالمناسبة قد بدأت إرهاصات التوجه نحو هذا الفن الصحافي الواعد في بلادنا ؛ فهناك الكثير من الفرص التدريبية في هذا المجال ، كان آخرها دورة تدريبية مكثفة حول الصحافة الاستقصائية أقامتها الأسبوع الفائت في عدن مؤسسة الصحافة الإنسانية وبتمويل من مؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية مكتب اليمن لعدد 20 من صحافيي الضالع ولحج وبمعدل 42 ساعة ، وقد اكسبتهم الدورة الكثير من المهارات التي تمكنهم من عمل تقارير استقصائية وفتحت مداركهم نحو هذا الفن الصحافي الواعد ، فنأمل منهم تأسيس مداميك الصحافة الاستقصائية في بلادنا وتطبيق ما تدربوا عليه على أرض الواقع ولتكن البداية من الأراضي ..! زكريا محمد محسن