في حقيقة الأمر، لا أستغرب إخراج المليشيا ل نايف البكري ابو جهاد من عدن قسراً، بل تتحقق الدهشة فيما لو أنه بقي فيها مطمئناً، ليس في الموضوع أية مفاجئة من أن الرجل ممنوعاً من العودة إلى العاصمة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، إنما كنا سنتفاجأ لو أن البرابرة تركوا له شأنه يعمل وينجز. وكما عادته دائماً في خلق أحداث مكررة، يخبرنا التاريخ عن حالة مشابهة لما يحدث مع الوزير نايف البكري، إذ على الطريقة نفسها أشهر قوم لوط ألسنتهم القذرة وطفقوا يقرعون لوطاً ويطردونه من القرية بسبب طهارته، فعل الهمجيون ذات الأمر مع البكري في عدن، سلطوا ضده عشرات الصحف والمواقع تهاجمه، وابتاعوا مئات الأقلام الرخيصة تشيطنة، ودفعوا ثروة طائلة لتحويله في نظر الجمهور إلى مجرد إرهابي وخائن، وذلك ببساطة لأن الرجل طاهر لا يتشابه ورداءتهم. إنه التاريخ حين يتحدث بوضوح ويسندنا بروايات ثابتة تعزز مقولة أن هناك استحالة زمنية_ومكانية يمكن أن يتعايش بموجبها الخير والشر_القبح والجمال في بيئة واحدة، فإما أن ينتصر الحق أو أن يحضى الباطل بالفوز ولو كان مؤقتاً، وأنه لمن الأسف أن يجد هذا الأخير نفسه منتشياً ومتبجحاً في المدينة التي لطالما مرغت أنف الباطل، ومتربعاً على عرشها الساخن الذي لم يهنا يوماً للأشرار. لم يكتفي البرابرة بنفي البكري من عدن، بل ذهبوا إلى مسافة بعيدة في الحقارة؛ اوغلوا شديداً في العداء واضرموا النيران في آخر فصول التعايش والاحترام والإنسانية، وأرادوا انتزاع الرجل وطنيته وسلبه هويته والنيل من شرفه وسمعته ونفسه، ونفيه من العالم والحياة. ولأن تلك الأساليب الفاشية مهما بدت متينة ولديها القدرة على البقاء والتمدد؛ نظراً للظهر الذي تستند عليه، يبقى للحق سطوته الأقوى والأمتن وقدرته على ولادة نفسه من جديد، فشلوا في كل مساعيهم هذه فشلوا في نيل مرادهم، فبعد ثلاث سنوات من الدسائس والمكائد يبزغ نايف البكري من أرض الوطن كبطل وطني فريد في وعي الجماهير اليمنية. كمناضل شريف فضل التضحية بمجد لحظي يمكن أن يلبسه إياه الثورجية وبسمعه مؤقتة يبتاعوها له بالمال وانزاح لمجد الوطن الأبدي ولطموحات الشعب. وسيخلد في ذاكرة الناس كصنديد يماني تليد أيد مشروع الدولة والوطن؛ متحملاً في سبيلهما المتاعب والأضرار المادية_والمعنوية؛ وبكبرياء البن بصق على مشاريع الوهم المخضبة بالحضاوة والزعامة. ولأن نايف طاهر وهم أنجاس كان قدره النفي من عدن، ولأنه خَيّر بينما هم أشرار كان لا بد له الخروج من المدينة مطروداً، ولأنه وطني حر فيما هم مرتزقة وعبيد، أصدروا بحقه نفياً قسرياً؛ وابعدوه كي تبقى عدن خانعة تحت قذاراتهم. ولأنه نزيه وهم حقراء طل من بين الحشود اليمنية شامخاً وزاهياً بحبهم وحفاوتهم ؛ تلك الحشود التي بذلوا الجهد والمال طيلة ثلاث سنوات من أجل أن يصوره لهم شريراً. ولأن البكري دائماً شخص ناجح؛ ولطالما كانوا فاشلين يظهر متنقلاً بين ثلاث محافظات يمنية كبرى، يفتتح الملاعب والصالات الرياضية ويدشن المشاريع ويوزع عطاءه بسخاء، بينما عجزوا هم عن إدارة حافة واحدة من حوافي عدن. ولأننا لا نخاف ضياع بلدنا ثقتنا كبيرة بأبطالنا، ولأن الحق اليمني سيبقى محروساً على الدوام؛ ستظل هذه اليمن ولادة للأبطال والشرفاء، من نفس تلك الجينات العتيقة التي ينحدر منها الكبير نايف البكري.