في عظمة موتك أيتها الراحلة، مرارة وغصة، وشعور بالغ في الفقد، ولن تستطيع الكلمات أن تترجم هذا النوع من الوجع.. الوجع الذي فتت روحي ونقص من أضلعي، أضلعي التي فقدتُ الكثير منها، كل ما فقدتُ عزيزاً عليّ. وها أنا اليوم من جديد، أفقد ضلعاً من أضلعي، وروحي أصبحت تتوشح بأردية الحزن والوجع، وتتألم بحرقه كبيرة، هذا الحزن والوجع الضارب في ثنايا أعماقي، لم يستطع تخفيف لوعة شعوري بهذا الفقد العظيم. كان مقدار ألمي كبيراً، عند مشاهدتي وأبنائك تدهور وضعكِ الصحي المفاجئ، والذي تسارع بشكل رهيب، بقدر ماكنا نراقبك وأنتِ تذوين بسرعة وتتلاشين منا، ولاوجود حينها لأي بارقة أمل في الشفاء.أقسم بأنها كانت أوقات قاسية وصعبة، ونحن نرى تلك السلطانة، التي كانت في السابق شعلة من النشاط والحيوية، وترفض أن يخدمها أحد، حتى في مرضها، كانت لا تخبر عن وجعها أحداً، ولكن فجأة وفي لمح البصر، تدخل في غيبوبة طويلة، لم تستطع أن تستيقظ منها أبداً، بهدوء ودون إزعاج لأحد. السلطانة عزية.. رغم كل وجع السنين التي ظلت تقاومها بشراسة، حتى خارت قواها، وغاب وعيها وإدراكها عن الكل، بسبب ورم خبيث استوطن بؤرة الدماغ، إلا أن كل ما تعانيه من الألم، لم يقطع قربها ومناجاة ربها.موقف مهيب تقشعر له الأبدان، وهي تكتسي حالة من اللاوعي، تاركة كل شيء خلفها، وتذهب للوضوء والصلاة، دون إدراك أين القبلة، وتفرش السجاد في غير موضعه الصحيح، ولا تضع الطرحة على رأسها، ولا تفقه ما تقول، أثناء الصلاة، في حين كان كل وعيها فقط كيف تلتقي بربها، وتجلس راكعة متضرعة إليه، منتظرة ميعادها المحدد. الله كم عظمّتي بأعيننا، عندما صغرت الدنيا بعينيكِ، حيث رحلتي وأنتِ تنتزعين ثوب الدنيا، برضى وقناعة تامة، وتحليتي بثوب الآخرة، وكلك إيمان، بأن الآخرة عند الله، هي خير وأبقى… أؤكد بأن رحيلك لم يحزننا نحن فقط، بل أحزن مصلاتك، والأرض التي كانت تلامس جبينك عند ركوعك للصلاة وأقدامك المباركة.. رحيلك أحزن الشمس والسماء، جميعنا الآن نرتشف هذا الحزن بهدوء، ونعانق ما تبقى من الذكريات.اذاً، ماذا عملتِ أيتها السلطانة لتنالي القرب الجميل من الله ومن الجميع، ألهذا السبب رحلتي عنا مبكراً؟! وترجلتي كعادتك، دون أن تخبري أحداً ؟!. أما أنا كنت فقط، آمل أن نمضي معاً، أطول مدة ممكنة، هذا لو أمهلتنا الأقدار، لأنني كنت أريد بعض الوقت، لكي ننفذ كل ما خططنا له، ونحقق أشياءنا البسيطة، حين كنا نرسم كل شيء بسعادة بالغة، وبكلمات جميلة، وقهقهات دافئة من القلب.. أما الآن، فلا خطط ولا سعادة ولا القهقهات الدافئة من القلب، ولا المكان ولا الحضور ولا أنت، يا “عزية”.. وأخيراً، لن أقول وداعاً، لأننا على موعد في يوم ما، لكن ستبقى دعواتي مرفوعة بأكف الضراعة إلى الباري، جل شأنه، بأن ينزل على روحك الطاهرة شآبيب رحمته ورضوانه، ويسكنك ملكوته السماوي مع الأبرار والصديقين. سيظل غيابك العظيم عنا، هو الغياب الصعب، الذي يملأه الحضور دائماً وأبداً