الخائفون الخانعون الوجلون،هم من يحتفل بمناسباتهم الوطنية وأعياد ثوراتهم في غرفٍ مغلقةٍ وتحت الأضواء الخافتة،لأنهم،مع الأسف،اختاروا اللطمة وتركوا الطلقة،ومن يختاراللطمةيستحال أن يحصل على وطن وكرامة وشرف،فتلك المتلازمات ثمنها باهض لا يجرؤ على دفعها إلا الأحرار والشرفاء . وعلى العكس من ذلك الجنوبيون سوف يحتفلون بالذكرى السابعة والخمسين لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة،في الهواء الطلق وفي وضح النهار،على السطوح وفي المدن والساحات والشعاب والهضاب وفوق قمم الشوامخ وأينما وجدوا فسوف يحييون ذكرى ثورتهم الخالدةالتي امتزج حبها بوجدانهم وخالط مشاعرهم واستوطن في ضمائرهم،وصارت بالنسبة لهم الوطن والهويٌةوالعز والتاريخ . لقد كانت ثورة الرابع عشر من اكتوبر1963م ثورةً حيٌةً حقيقيةً بكل المقاييس،ليس لأنها حررت الجنوب أرضاًوانساناً،من قبضة اعتى امبراطورية كانت حينها لا تغيب عنها الشمس،بل لأنها،في غضون مدٌةٍقصيٌرةٍ،استطاعة أن تمحو آثار تركةٍ ثقيلةٍ لمحتلٍ بغيظٍ جثم على البلاد مائة وتسعٍ وعشرين عاماً،فقد قضت على الثاروأزالة الفوارق الطبقية في المجتمع،ووحٌدت الجنوب من المهرة إلى باب المندب واشاعت روابط المحبة والتأخي بين أبناء الجنوب كافة،وارست دعائم الأمن والاستقرار في ربوع البلاد كما استطاعت كذلك أن تحدث نقلةً نوعيٌةًفي مختلف الجوانب الاقتصاديٌة والسياسيٌة والثقافيٌة والاجتماعيًة ؛ شيدت المصانع والمدارس والجامعات وعبٌدت الطرق،وأصبح الجنوب في خلال فترةٍ وجيزةٍ،يعتمدكلياًعلى الكادر المحلي،بمشاركةٍ واسعةٍ من قبل المرأة الجنوبية التي كانت عاملة ومعلمة وطبيبة واعلاميةومديرة ومحاضرة ومسئولة في مختلف المرافق الحكومية . لقد انجزت ثورة 14اكتوبرمالم تنجزه أي ثورة أخرى،فإذا نظرنا إلى ثورة 26 سبتمبر على سبيل المثال،لوجدنا إنها لم تحقق إلا القليل مما حققته ثورة14 اكتوبر فعندما توحٌل الجنوب مع الشمال وجدنا مدارس يديرها مشائخ أميين والمعلمين فيها من مصر والسودان،وحتى نظام الفصل في الخصومات بين المتخاصمين يكون عبرالتهجيربالتبيع،والسبب في ذلك يرجع إلى أن من أعتلى عرش الجمهورية كانوا من العقال والمشائخ،حيث حكموا الشعب من منظور القبيلة وهم من شدًة جهلهم وغباهم لم يعرفوا الفرق بين القبيلة والشعب،كما أنهم في نفس الوقت لم يدركوا أنه ليس كل من ركب الحصان خيٌالاًولا كل من قرع الطًبل طبٌالاً !!.