كنت إحدى تلميذاته ، وكان متميز ، ليس كباقي المدرسين الذين يطبعون درجات التعبير على كراسة طلابهم دون التمعن في الاسلوب والوصف والعبرة المستفادة من الكتابة . ذات يوم وانا ذاهبه للمقصف من الساحة الخلفية سمعت صوته من أعلى سلالم ثانوية 14 مايو وهو يناديني تعالي يا ضياء ، ذهبت وانا اكلم نفسي واقول اكيد في شي الله يستر . وقفت امامه في صمت وفي انتظار ما سيقوله، لكني لم اسمع شيء وحدها الابتسامة التي قابلني بها كانت كافية لتخبرني بان الأمر غير مقلق . سألته خير يا استاذ في شي قال لي ايش يقرب لك عبد الباسط سروري اللي بصوت العمال قلت : تعرف السريرة هبشه، لكنه الاقرب لقلبي من الجميع ، هو في منزلة خالي وصديقي ومعلمي أيضا لأني اهوى مهنته . فقال : قولي له ينشر مقالي الاخير ، له من اول امس عندهم وبلغيه كمان انه احسن اختيار تلميذته . انتي يا بنت اسلوبك جميل وكتابتك للتعبير عجبتني ودائما تلفت نظري . فرحت وكل الوان السعادة ظهرت على وجهي ، تلعثمت وضاعت عباراتي من شدة خجلي ، لكني شكرت استاذي الذي اكرمني بعطفه وتشجيعه وانا بنت ال 17 عام . اليوم .. و بعد مرور عشرات السنين أرى استاذي على فراش المرض وحالته الصحية غير جيدة .. لا أدري هل لا زال يتذكرتي ام ان سنوات عمره المهني ارهقت ذاكرته الممتلئة باسماء وملامح الاف الطلبة والطالبات التي كنت انا منهن في يوم من الأيام. لا أدري أيضا هل ما قدمه على مدى أعوام مضت كانت غير كافية لتعطيه حقه في الرعاية والعلاج ، ام ان دولتنا المؤقرة لا تعي قيمة هذا الرجل وامثاله. قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا ساكتفي بما قاله شوقي لطرحه امام اولي الامر لعل حروفه تناجي ضمائرهم المغتربة والبعيدة عن اوجاع سكان الوطن .. الأستاذ عبد الرحمن نعمان رسول العلم ، مربي الأجيال، ساقي العقول ، ومغذي الروح بعبارات فن اللغة العربية الجميلة، لغة القران والرسول الكريم . لغة الإسلام والمسلمين. اين انتم يا من تدعون بصفتكم "رجال الدولة " من هذا الرجل الكريم الحليم، الصابر على قدره والراضي بقضاء الله ؟! اين انتم من وجعه وقلقه؟! اين انتم من سنوات عطاءه وعمله؟! الم يكن منكم او من ابنائكم من تعلم على يديه وجلس بين طلابه ؟! ابحثوا عنه لانه يستحق رعايتكم واهتمامكم فمن علمكم حرفَ صونوا انتم له العهدَ اما انا فلا املك الا الدعاء لمعلمي، راجيه من الله ان يشفيه ويعافيه ويكفيه شر الالم والمرض ويرزقه رعاية وعناية الخالق ارحم الراحمين اللهم امين يارب العالمين��