واختفت تماماً أخبار المنتحرين على جدار الحوار الوطني،فمنذ انطلاقته قبيل شهرين لم أقرأ خبرا واحد عن شخص مات ولو منتحرا في" صنعاء"،بينما في الجنوب وبمجرد أن تلقي نظرة واحدة على الصحف سوف تجد أنها صارت قوائم يومية للمقتولين والمذبوحين،إننا في الجنوب نكاد نفتقد أخبار الذين كانوا يموتون بحوادث السير..فالسير شبه معدوم،وقد صار الناس يموتون وهم يسعفون الجرحى،وهم عائدون الى منازلهم..لقد صاروا يموتون بحوادث"المشي" ،وليس بحوادث "السير"!. أشلاء أجساد تتطاير في الفضاء،وخلفها تركض وجوه مغسولة بالدم..تسيل منه ثيابه الممزقه،وثقوب في الراس،مخلوطة برائحة الشعر المحروق...رأس الشهيد ظل يصطدم بصدري طول الليل قارعا باب قلبي باصرار صارخا:"ماذنبي؟لماذا..!؟"..وكانت صرخته اشارة استفهام دامية،إنهم شباب هذا الوطن الحزين،التائه في دوامة المؤامرات،مقدما كل يوم للتاريخ فاتورة بمئات القتلى والجرحى..ربما لو عاش هذا الشاب لاختار ان يكون شهيدا لاجل الجنوب.......ربما لذلك يقتلونهم شبابا!. بعجالة قصيرة أستطيع أن أصرخ كباقي الشباب، في وجوه القادة الجنوبين،كي يرسلوا أبناءهم الى عدن،حتى يتسنى لنا رؤية نضال ابائهم،ونسمع صراخهم في مقدمة الصفوف...هنا فقط يكون معنى النضال الحقيقي،وهنا يتعلم ابنائهم دروسا جديدة لم يتعلموها من ابائهم،اولئك الذين يركضون في مياه الجماهير كأسماك القرش...ولم يعد في شعبنا فرد لم يأكلوا قطعة من جسده أو يقضموا قطعة من روحه وزمنه؛أولئك المصابون بعاهات حقيقية، أولئك الذي يتبخترون كالطواويس على مسرح بؤسنا،سنزحف نحوهم على بطوننا – إذا قطعوا ارجلنا – وسنغرس في صدروهم خطافات أيدينا المقطوعه. صورة الشهيد تستريح على صدري،تكرر بإلحاح"لماذا؟ ماذنبي..!"،صرخت فيه:ذنبك انك مشروع بطل،ذنبك انك امكانية شهيد ولذا قتلوك......ولذا يقتلون شباب الجنوب! لكن الفجر محتوم وياله من فجر دام. نحن الذي لم نُقتل في الساحات،أمامنا الان مهمة جسيمة....هاهي ذكرى إعلان فك الارتباط،هاهو ملقى بين أيدينا،مغمى عليه..ترى هل نفلح في بعث الحياة في أضلاعه؟ كُلي يقين بأن نجعله يزهر داخل اجسادنا التي جففها الترقب والغضب،ويحول أعصابنا وشرايينا إلى أغصان ربيعية مضيئة الأزهار،يفور في بياضها النقاء والتجدد والوعد بالعطاء.