وأنا اكتب وقلمي يجلد لحم الورق،لم أستطع قط أن أنسى أن الورق كائن حي،لم أنسى أن هذه الورقة التي أخط سطوري عليها كانت ذات يوم شجرة خضراء ،تمد قامتها نحو الشمس ؛ربما لذلك قررتُ أن اكتب عن ملايين البسطاء من المعذبين والمحرومين والفقراء....فالكتابات العفوية على الجدران،في الأزقة والحارات الشعبية،تُعبّر أحياناً على واقع الشعب،تركض تلك العبارات في ذاكرتنا،لترسم واقعاَ آخر،وتروى حكايات لم تروى بعد،لكن الذي يسحرني حقا هو الكتابة على الحافلات والسيارات،وفي الجنوب تجد الحافلات مثل الجرائد المتنقلة...لكل حافلة ملاكها الحارس،وإمامها المفضل،وحكمتها الخاصة...وعلى أحد السيارات خطفت انتباهي هذه العبارة"وهل نملك إلا أن ننتصر"؟. هل بيننا من لم تمثله تلك العبارة الصغيرة،التي ركضت امام عيني،كما يركض لاعب السباق في ماراثونه....لقد تبخرت كل الحكم والأقوال من رأسي،وظلت تلك العبارة تقعد على عرش تفكيري،ظلت تلح على صدري،ربما لانها حقيقية ونابعة من وجع الشعب،وربما لانها قضمت رغيف الضمير لدي،فرغيف ضميرنا ينبض تماما كقلوبنا،وحتماً متى ماكان الوجع موجودا كان التعبير ذات دلالة قوية؛هنا فقط اتساءل:هل وصل صدى تلك العبارة الى ضمير قادتنا المبجلين؟أشك في ذلك وملايين البسطاء يشاركونني في ذلك،ليس لانهم بلا ضمير،بل لأنهم نسوا ان النصر دائما يأتي من تلك الطبقة المسحوقة،والتي كانوا"أي القادة" السبب الرئيسي في سحقها.
إلى أولئك المجهولين الطيبين البسطاء أقول:أنتم شعلة الحماس التي تتسلل إلى قلوبنا،أنتم أملنا في الانتصار.......لو كان بإمكان العلم زرع الضمير،لزرعنا ضمائركم الحية،في جسد كل القادة الجنوبين،ليتنا نستطيع ان نزرع ضميركم في قلوبهم،فما جدوى ان نزرع قلوبا،ماداموا يعيشون في عالم هرم بلا قلب،فإطالة الحياة ليست بالظرورة في إطالة العمر...إنما هي في تقصير أمد تعاسة الانسان،أو في محي أسبابها......أيها البسطاء ألا ترون أن زرع الضمير أسهل من زرع عظلة القلب،هل بينكم من يتبرع بضميره لقائد من قادتنا،فنحن بحاجة ماسة اليكم وإلى ظمائركم.
إلى الذين لم يعرفوا البسطاء أبدا:البسطاء للوطن وللأرض وللحياة،البسطاء هم نبض العطاء والحب والتضحية والإنتصار...أناديكم أيها الطيبون والبسطاء،يامن لاتزالون تعزفون نشيد الانتصار،املؤ قلوبنا بصرخاتكم،فليس هناك قصة تضحية يمكن أن تدوم كقصتكم،ماذا تبقى لنا سواكم؟في هذا العالم المسكون بالخيبة والرعب..!ماذا تبقى لنا سوى أن نحبكم؟في هذا العالم الهرم بالحروب وحكايات القتل....!يكفينا منكم؛ أنكم اخرجتم لنا من تحت الصمت جناحان نطير بهما في سماء الحرية.