في غرفة الجلوس لا يسمع إلا الانفاس وحوار شخصيات الفلم الذي ينهمك جميع أفراد الأسرة في مشاهدته والتأثر بمشاهده حتى تبلل وجه الام بدموعها وهي تبكي بصمت متأثرة بأحداث الفلم , والجميع في حال انبهار منتظرين حل عقدة القصة الدرامية الحزينة, وقبل أن تسدل النهاية يسمع صوت أدوات تتحطم وصراخ وعويل وبكاء متقطع في غرفة ولدهم الشاب الذي كان منقطع لمذاكرة دروسه, ينهض الأب من مقعدة مسرعاً نحو غرفة نوم ولده وهو يتمتم: يا لطيف الطف والأم تولول وتبكي خائفة: يا رب أحفظ ولدي يتجه الجميع نحو غرفة نومه مسرعين ، والجدة تحاول النهوض من على الأريكة وهي تجرجر اقدامها محاولة اللحاق بهم وهي تدعو : يا رب أجعله خير وقبل أن يصل الجميع انقطع الضجيج وساد السكون , يطرق الأب باب الغرفة , ينزلق الباب فيتقدم إلى الغرفة يلقي نظرة في أنحاء الغرفة ويلتحق به الأم وأخوته وتصل الجدة وعلى وجوه الجميع قد ارتسمت دهشة مما اصاب الغرفة من فوضى فليس شيء في مكانه الدواليب قد افرغت من محتواها سرير نومه واسرة اخوته قد توزعت على انحاء الغرفة حتى كتبه مبعثرة ومفكرته التي طالما أخفاها ولم يمكن احد من الاضطلاع عليها ملقية أقبل أخوه الأصغر يقلبها فيقف على أخر صفحاتها ليجده قد كتب عبارة: قررت الرحيل .. بل قررت الخروج من عالمكم لأني لم أجد من يفهمني ويقدر طموحاتي , فالجميع منهمكون بحياة عادية مأكل ومشرب ونوم ورتابة بعد سماع الأسرة لنص الورقة الأخيرة من مفكرته يتجه الجميع نحو نافذة الغرفة التي سقطت ستائرها فإذا يلمحون ظله من بعيد وهو مسرع نحو حافة الشارع حتى تلاشى ظله فلم يعد يرى والجميع يهرولون خارج المنزل محاولين اللحاق به ولكن دون جدوى , فلم يكن عبثياً ولم يكن فوضوياً فكان الصمت لباسه الدائم والعزلة وشاحه الأبدي فكيف به يحدث مثل هذه الفوضى العارمة، يقطع حالة الدهشة صراخ الجدة: الحقوا به قد يؤدي نفسه يطمئن الأب الجدة : لا تقلقي يا أمي سيعود إلى طبيعته فهو يحتاج إلى تفريغ الكبث الذي قوقع نفسه فيه ليخرج من حالة الركود النفسي حتى يلبس ثوب الحياة الجديد فيتأقلم مع الحياة التي تناسب عمره يعود الجميع إلى المنزل ، وبعد برهة من الزمن يطل عليهم ولدهم الفار وهو يلقي التحية ويجلس إلى جوار اسرته التي كانت ملتفة حول شاشة التلفاز وهو يضحك ويقهقه ويمازح جدته: لقد صغرت يا جدتي وزدت جمالاً فتضحك الجدة وترفع قهقهتها وهي تمرر كلتا يديها على راس ولده: حفظك الله يا ولدي