من أصعب فترات الحياة اليومية هي فترة الانتظار ، فهي لحظات سجن إجبارية تمرُّ ثوانيها كالسنوات وتكاد عيناك تتخيل عقارب الساعة وكأنها محنطة لا تتحرك ، ولو يمكنك اختصار الزمن فأن أول ما يمكنك شطبه من تلك اللحظات هي فترة الانتظار ، فهي فترة زمنية مستقطعة للعَدَم ، ومهدورة للاشيء ! ومن أسوأ مراحل حياتنا منذ إعلان الحرب على الإنسان في 2015م وحتى اليوم هي نفسها تلك اللحظات اللعينة التي أُقحِمَتْ – غصباً عنا – في برامج حياتنا اليومية / لم نستطع منها فكاكاً ولا نعرف منتهاها إلى أين .
كنا ننتظر انتهاء الحرب .. فلم تنتهِ حتى اليوم ، بل زادت تشعبات سعيرها على طول جغرافيا هذا الوطن المسلوب ، حتى عجز عمالقة السياسة وجهابذة علم الفلك من قراءة مؤشراتها الغيبية المجهولة .
وتزامناً مع هذا ( الانتظار القاتل ) ، رافقتنا عدة محطات لا حصر لها من هذا الانتظار ..
فعند كل إطفاء للتيار الكهربائي : نظل نعدّ الدقائق والساعات بتسلسلها الممل الذي يذبح أوردة العجزة والأطفال والنساء والمشتغلون والمتعبون في الكَدّ للقمة عيشهم المضنية ، ننتظر لحظة عودة الكهرباء لمواصلة الإحساس بالحياة واستكمال ما بأيدينا من أعمال أو مهام قطعها ذلك الانقطاع الكهربائي الذي لا نعرف نهاية له ولم نعد نصدِّق أي وعود أو تصريحات جوفاء يرميها أولئك الدجالون الذين يشطحون بين الحين والآخر بوعودهم العرقوبية الكاذبة .
ولعل الغالبية العظمى من منتسبي الجيش والأمن هم أكثر الناس يمقتون تلك اللحظات المقززة والمقيتة من الانتظار .. فانتظارهم لمستحقاتهم المالية منذ عدة أشهر لم تُعَد تُطاق ! وأصبحت حياتهم غرق متواصل من الديون والذل والحاجة بسبب ضياع أعمارهم في انتظار ذلك المعاش الذي أصبح كالحلم المستحيل والأمل الضائع للمجهول ، وكأن اختيارهم للانخراط في العمل العسكري هو قرارهم المأساوي الذي أدرجهم في السجون المؤبدة مدى الحياة لانتظار ذلك المعاش الهزيل الذي قررت "حكومة الوهم" معاقبتهم به لاختيارهم الفاشل في قرارهم الارتجالي للمساهمة في دعم الشرعية أو تحرير الوطن ، أو حمايته وتثبيت أعمدة الأمن والاستقرار لحياة كريمة ، كانت مجرد خيالات وأوهام تتناقلها وسائل الإعلام والصحف لمجرد إعطاء المزيد من الأحقية والشرعية لسلخ جلد هذا الشعب لفترات أطول ولزمنٍ لا ينتهي ..
انتظار عودة أهلية طرقات عدن وصلاحيتها للسيارات كبقية ( أفقر مُدن العالم ) بات مستحيلاً ، فكلما تم ترقيع عدة أمتار هنا.. تم تجريف وتخريب مئات الأمتار هناك في الجهة الأخرى في تلك المنطقة أو ذلك المخنق المروري الهام للطريق لزيادة الازدحام والاختناقات المرورية المفتعلة نتيجة ذلك التخريب المتواصل للطرقات الرئيسية والحيوية في عدن ..
ناهيك عن (انتظار) استيراد الإسفلت من البحرين ، في حين أن مصافي عدن لديها مصنع متكامل متخصص بهذه الصناعة وقد تصلب ذلك الإسفلت في خزاناتها العملاقة نتيجة لإصرار الدولة مماطلة أو رفض دعم المصفاة بميزانية استكمال تركيب وتجهيز محطة الطاقة الجديدة التي لا ينقصها سوى التركيب خاصة وأن كامل تجهيزاتها الفنية موجودة بالكامل في المصفاة ومنذ سنوات ..
أما انتظار تشكيل حكومة المنفى الوهمية ، فهذه بحد ذاتها حكاية سمجة وأكذوبة صفراء باتت مصدر سخرية لدى عامة الناس ، لا سيما وأن الجميع يعرف تماماً أن تشكيل مثل هذا الفريق الخيالي الجديد ربما يضر كثيراً بمصالح الفريق الديكتاتوري المسيطر على كل مقدرات ومدخولات الوطن ، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تكتفي أرصدتهم الفلكية من التوقف عن مواصلة شفط قوت الشعب ووسائل حياته المعيشية التي لم يعرف عنها العامة من الناس سوى في نشرات القنوات الفضائية المغتربة مع حكومتها الضائعة هناك خارج حدود الوطن .
كلمة شكر وتقدير للأخ المحافظ لملس لجهوده الكبيرة في إعادة الحياة لمحافظة عدن .. وجميعنا يمد يد العون لك - أيها المحافظ الجسور – في سبيل إخراج هذه المحافظة الجريحة من أزماتها الكبيرة ( وانتظارها الطويل ) للخروج من غرفة العناية المركزة للعودة للحياة الطبيعية المدنية والسلمية التي جميعنا في لهفة للوصول إليها .