الصبر الجميل هو ذلك الصبر المطمئن، الذي لا يصاحبه السخط ولا يخالطه القلق ولا يمازجه الشك ولا تلامسه الحيرة... في صدق الوعد وإزاحة الغم وذهاب الحزن ورحيل الكرب . هو صبر الواثق من العاقبة، الراضي بقدر الله، الشاعر بحكمته من وراء الابتلاء، الموصول بالله المحتسب كل شيء عنده مما يقع به من مآس وأحزان وابتلاءات . هكذا نطقها سيدنا يعقوب عليه السلام بلا مواربة ولاشك ...بل بثقة ويقين واعتقاد واطمئنان ... وذلك بعد أن تلقى تلك الفجيعة المؤلمة لقلبه , المحزنة لنفسه , المحرقة لفؤاده . (فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً إنه هو الحكيم العليم ) ولكن وراء ذلك التاوه والتوجع والفحيعة ..... أمل لم ينقطع في الله أن يرد عليه أولاده جميعا وإنه لأمل عجيب في ذلك القلب المتوجع المفجوع الذي أفضى به إلى العمى .. لأنه يعلم ما وراء هذه الأحداث والامتحانات .. وإن كل شيء يأتي أمره في وقته المناسب ، عندما تتحقق حكمته في ترتيب الأسباب والنتائج . هكذا سرى شعاع الأمل في قلب هذا الرجل الشيخ رغم ذهاب تلك الأعوام الطواااال لفقده ابنه الحبيب يوسف وهو غلام وذلك لأنه موصل بالله لم ينقطع رجاؤه في ربه ، ولم يخالطه شعور الإحباط في خالقه , ولم يراوده الشك في انفراج كربته . وإنه لمنتظر لحظة الفرج وكأنه يراها تلوح في الفق أمام ناظريه الساعة (عسى الله أن يأتيني بهم جميعا ) . وهكذا ينبغي أن يكون حال المسلم مع الفتن والامتحانات والابتلاءات ونوائب الدهر .. يشهر لها سيف الصبر , ويتسلح بالأمل , ويتمترس باليقين , ويتدرع بالتفاؤل .. وينتظر فرج الله . فهناك يد خفيه تدبر الأمور وتسوق الأحداث وترتب الأشياء وتقدر المقادير وتحدد ساعة الفرج . فمها تراءى لك حلكة الظلمة ...فهناك نور يقبع بعيدا منتظر لحظة الانطلاق ليبددها.. دع المقادير تجري في أعنتها **ولا تبيتن إلا خالي البال . ما بين طرفة عين وانتباهتها ** يغير الله من حال إلى حال . فكما عاد يوسف إلى أبيه سيعود الوطن المنهوب إلى أهله . وكما احتضن يعقوب ابنه ...ستحتضن الأرض الفجر الجديد . وكما عاد النور إلى عيني يعقوب ...سيعم النور أرجاء أرضي الحبيبة وكما عمت الفرحة ذلك الدار واجتمع فيه شمل الأسرة ...سيعم الفرح ربوع الوطن الغالي وسيلتئم الشمل . غدا .. ستخضر الأرض الجدباء . وستورق الشجرة اليابسة وستزهر الحديقة الذابلة وستغني بلابل الدوح .. وستسعد النفس الحزينة وسيفرح القلب الموجوع. وسيطرب الفؤاد المكلوم وغدا سيقول أصحاب النفوس الكبيرة .. (لا تثريب عليكم اليوم ) ( ويقولون متى هو ؟ قل عسى أن يكون قريبا )