ليس لديّ ذرة شك بأن ما وصل إليه اليوم الحال في اليمن، شمالا وجنوبا، من مآلات كارثية تفوق الوصف كانت نتيجة موضوعية لأخطاء وخطايا التأسيس، والذي يُفترض أن يكون قد تم الاشتغال عليه في منتصف القرن الماضي، سواء على مستوى الطرح النظري ومقاربة القضايا وتحليلها ثم الاستنتاجات المستخلصة من ذلك، أو على المستوى العملي في التعامل مع المشاكل الموروثة والمشاكل المستجدة والطارئة والحلول التي اُقترحت لها. كما أنه ليس لدي شك بأن هناك عقول في الجيل الحالي، وهذا الجيل قد يصل إلى من هم دون الستين، لديهم فهم ووعي بالقضايا والمشكلات أكثر عمقا وشمولا وتبصرا وحكمة، وهم أكثر تاهيلا، يطرحون مقاربات مبتكرة - مقارنة بالمقاربات السابقة - على مستوى التحليل والتشخيص واقتراح الحلول (وهناك استثناءات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة). ربما ما ينقص هؤلاء هي الهالة السلطوية التي تجعل من الزبد كنوزا ثمينة، بالإضافة إلى افتقارهم إلى القدرة على تشكيل كيانات مؤسسية، ولو في أزهد حالاتها. كل هذا يدعوني إلى الاستغراب، وفي نفس الوقت التساؤل: ما الذي يحول دون امتلاك هذا الجيل للجرأة اللازمة لتصدر المشهد، على مستوى التنظير على الأقل، وكما فعلت "أجيال الحركات الوطنية" منذ منتصف القرن الماضي! صحيح أن الأمر قد يكون له ثمن، فصوت جديد متمرد يعني قطيعة مع السياقات السياسية والاجتماعية وشلل الأصدقاء والمعجبين، وربما العيش في عزلة تامة، وهي عادة لازمت كل صوت غرد خارج السرب، لكن هذا الثمن لن يذهب هدرا على الإطلاق، وسيعود مردوده الوفير طال الزمان أم قصر. المشكلات القديمة الموروثة والمشكلات المستجدة التي كانت طارئة نتيجة تفاعلات مختلفة أو نتجت عن محاولة حل المشاكل الموروثة، كل هذه المشكلات التي تشد بعضها بعضا، تحتاج إلى مقاربات مختلفة تماما، جديدة، مبتكرة، رَحِبة الصدر، لا تقوم على تبجيل الماضي أو الثأر منه، بقدر ما تتحرى أعلى درجات التبصّر والرشاد. اننا، ومن خلال هذا الجيل الجديد، عرفنا أيضا أردئ وأرذل أنواع العسس والمرتزقة والسفلة ربما على مستوى التاريخ البشري كله، محليون ودوليون، يمارسون كل ذلك بكل جرأة ووقاحة، قد يلبسون أفضل الماركات، ويتحدثون بمعسول الكلام، متعلمون جدا، ومثقفوت أيضا، وليس لديهم مانع من تأدية أي دور.