عدوان مستمر على غزة والاحتلال بنشر عصابات لسرقة ما تبقى من طعام لتعميق المجاعة    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    الهلال السعودي يقيل جيسوس ويكلف محمد الشلهوب مدرباً للفريق    اللجنة السعودية المنظمة لكأس آسيا 2027 تجتمع بحضور سلمان بن إبراهيم    خلال 90 دقيقة.. بين الأهلي وتحقيق "الحلم الآسيوي" عقبة كاواساكي الياباني    رئاسة الحكومة من بحاح إلى بن مبارك    غارات اسرائيلية تستهدف بنى تحتية عسكرية في 4 محافظات سورية    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    في حد يافع لا مجال للخذلان رجالها يكتبون التاريخ    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    إذا الشرعية عاجزة فلتعلن فشلها وتسلم الجنوب كاملا للانتقالي    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    مسلحون يحاصرون مستشفى بصنعاء والشرطة تنشر دورياتها في محيط المستشفى ومداخله    الطيران الأمريكي يجدد قصف ميناء نفطي غرب اليمن    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    هزتان ارضيتان تضربان محافظة ذمار    باحث يمني يحصل على برأه اختراع في الهند    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    "الأول من مايو" العيد المأساة..!    وقفات احتجاجية في مارب وتعز وحضرموت تندد باستمرار العدوان الصهيوني على غزة    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن يقدم نفسه قرباناً لإنقاذ اليمن
نشر في المصدر يوم 24 - 10 - 2009

كم مرة سمعتم هذه العبارة المفعمة بالتطير واليأس: مستقبل اليمن ينذر بالسوء. أو تلك العناوين المشابهة التي يتم صياغتها على نفس المنوال، من شاكلة: الانهيار المحتوم، فشل الدولة، التفكك الذي يتربص باليمن، شبح المجاعة والجفاف. وبالتأكيد تتذكرون الشعور الذي يغمركم حينما يصبح مستقبل بلدكم مرادفاً لمصطلحات شائعة مشؤومة وذات مدلول بربري وخيم، مثل: الأفغنة، العرقنة، الصوملة.

من بين كل التوقعات المعنية بمستقبل اليمن، تبدو السيناريوهات، التي لا تنفك تتصورها تقارير المنظمات الدولية ووسائل الإعلام الخارجية، هي الأكثر تشاؤماً وقتامة وقسوة. لا بد أن نظرتها للأمور، بحكم المسافة التي تفصلها عن المشهد، تبدو أكثر إحاطة وشمولية، لكن أقل منها دقة في ما يتصل ببعض المعطيات إياها والمصادر التي تستند إليها. على أنه من الصعوبة بمكان إدراك ما إذا لم تكن مستويات التحيز والتوظيف السياسي عالية أم ضئيلة.

بالنسبة لمعظم اليمنيين، كما بالنسبة لأي شعب آخر، كثيراً ما يروق لهم تفحص صورتهم الذاتية من منظار الآخر، أولئك النفر من الناس، الذين يمتلكون ميزة الإطلال على مجرى الأحداث من خارج المسرح، ما يكسب رؤيتهم سمات الاتساع والتجرد، وربما الصدق والتوازن. نواقيس خطر! عندما أسمع هذه الكلمة تخطر في بالي تقارير كارنيجي والبنك الدولي ومؤسسة انشتاين ومجموعة الأزمات الدولية... وهلم جرا. إننا نخلد إلى النوم على وقع هذه النواقيس الجنائزية.

خذوا، على سبيل المثال، العدد 102 من سلسلة تقارير أوراق المؤسسة العالمية المرموقة "كارنيجي للسلام الدولي" الصادر الشهر الفائت. يحمل غلاف التقرير، الذي أعده كريستوفر بوتشيك، وهو باحث يعمل ضمن برنامج كارنيجي للشرق الأوسط، هذا السؤال الكبير والمؤرق: "اليمن: كيف يمكن تجنب الانهيار المطرد؟". إن لم يكن هذا العنوان ناقوس خطر فما هو إذن هذا الناقوس؟

في طي هذا التقرير نستطيع أن نتعرف على الطريقة التي بات ينظر بها العالم إلى اليمن. أظن هكذا، بكلمة: بلد يتداعى، ينهار كجدار قديم. ألديكم أدنى رغبة بالغوص في تفاصيل تقرير مؤسسة كارنيجي؟ إذا كنتم قد سئمتم من فرط الإصغاء لنواقيس الخطر، وأنا أعرف أنكم سئمتم فعلاً، فإنني وعدت نفسي بعدم الإسهاب في الشرح والتعليق، تاركاً لكريستوفر بوتشيك إدارة دفة الحديث.

كتب بوتشيك الآتي: "يواجه اليمن عدداً كبيراً ومتزايداً من التحديات التي تهدد مستقبله السياسي، وتهدد جيرانه في شبه الجزيرة العربية. فالحرب، والإرهاب، والحركة الانفصالية التي تتجذر، والاتجاهات الديموغرافية والاقتصادية المترابطة، قادرة على إغراق الحكومة اليمنية في لججها، ما يهدد الاستقرار الداخلي والأمن في جميع أنحاء المنطقة. وفي الوقت نفسه تتسارع وتائر نضوب نفط اليمن-مصدر أكثر من 75 في المئة من الدخل- وليست لدى البلاد وسيلة واضحة للانتقال إلى اقتصاد ما بعد النفط".
ويواصل: "لا يزال اليمن أفقر بلد في العالم العربي. ومن المتوقع أن يتضاعف عدد سكانه في العقدين المقبلين إلى ما يزيد عن 40 مليون نسمة. هذا التوسع السريع في عدد السكان الذين يزدادون فقراً، سيفرض ضغوطاً لا تحتمل على الحكومة. وفي حين أن أياً من هذه التحديات لم يتحول بعد إلى تحد خطير، إلا أنها ستتقاطع كلها عشية الانتخابات الرئاسية في العام 2013، في الوقت الذي يكون فيه اليمن بحاجة إلى معالجة مرحلة انتقالية وشيكة في الزعامات السياسية".
انظروا كيف إن المخاطر، التي تعصف باليمن، تتخطى مسألة تغيير نظام الرئيس صالح، أو إخماد التمرد في الشمال. إنها من هذا النوع الثقيل جدا والفتاك: "ويمكن أن يؤدي نشوب أزمة إنسانية كبرى، ربما بسبب المجاعة الشديدة أو فشل المحاصيل، إلى حالة لاجئين طارئة كبيرة، لن تكون الحكومة قادرة فيها على تقديم خدمات الإغاثة الأولية". يعترف بوتشيك أن اليمن كان ينجو دوماً من الأزمات في الماضي، "لكن هذه التحديات المتشابكة والمعقدة لم يسبق لها مثيل في درجتها ونوعها. وفي حين لا تملك البلاد سوى القليل من الحلول الواقعية لمشاكلها اليوم، إلا أن خياراتها ستكون أقل وأسوأ في المستقبل".
الانشطار ليس أسوأ من المجاعة والجفاف، إلا أنه أقرب السيناريوهات إلى التحقق. فإذا "استمرت سلطة وشرعية الحكومة المركزية في التدهور، فقد يتحول اليمن ببطء إلى مناطق ومدن تتمتع باستقلال ذاتي. هذا المسار حدث في بلدان أخرى، مثل الصومال وأفغانستان، وكانت له عواقب وخيمة". لم يقل فك الارتباط على طريقة تشيكوسلوفاكيا مثلاً، أو يوغسلافيا أو الاتحاد السوفياتي، بل -لسوء الحظ- على طريقة الصومال وأفغانستان، ولكم أن تضيفوا العراق عشية انسحاب الجيش الأمريكي. يالخيبة أمل علي سالم البيض.

ويعتقد التقرير أن مستقبل اليمن يكمن عند تقاطع ثلاث تحديات مترابطة: اقتصادية وديموغرافية والأمن الداخلي. يتمحور التحدي الاقتصادي، طبقاً لدويتشك، في استنفاد الموارد الطبيعية الحيوية، والآثار المترتبة على التباطؤ الاقتصادي العالمي، والفساد والبطالة. ما يلفت الانتباه هو أن الباحث الأمريكي يجزم، بشكل قاطع، بأن اليمن هو أفقر بلد في العالم العربي، وهو يزداد فقراً بسبب السياسات الحكومية التي يزيدها تعقيداً ارتفاع الأسعار وعدم القدرة على استيعاب عدد متزايد من السكان في سوق العمل المحلية. ويندرج تحت التحدي الاقتصادي الآتي: نضوب النفط، والانخفاض الهائل في أسعاره عالمياً، وكيف أن صادرات اليمن من النفط انخفضت في السنوات الأخيرة من 450 ألف برميل يومياً وقت الذروة في العام 2003، إلى حوالي 280 ألف برميل يومياً في يناير 2009، وفقاً لما يقوله أمير العيدروس، وزير النفط والمعادن. ويشير التقرير إلى أنه ما لم يتم العثور على اكتشافات جديدة، فإن خبراء الطاقة يقدرون أن تتوقف صادرات اليمن من النفط في غضون 10 سنوات، مستشهداً بتأكيدات البنك الدولي الذي قال أنه بحلول2017، لن تكسب اليمن أي دخل من النفط.

في غمرة الانشغال السياسي بالأشياء المسلم بها، متى كانت آخر مرة اعتراكم شعور بالخوف من أننا شعب على موعد مع الجفاف كقشة صيف. هذا ما يلامسه العنوان الثاني، فيما يتصل بالتحدي الاقتصادي، وهو: نضوب المياه. ففيما يعتبر التقرير تضاؤل احتياطات النفط بمثابة تحدٍ رئيسي لليمن، فإنه يرى أن النضوب السريع لإمدادات المياه، في نهاية المطاف، هو أكثر مدعاة للقلق. إليكم هذه الفقرة: "فالنقص في إمدادات المياه حاد في جميع أنحاء البلاد. وقد تصبح صنعاء، التي ينمو سكانها بمعدل 7 في المئة سنوياً نتيجة لزيادة التحضر، أول عاصمة في العالم تنفد فيها المياه". ويوضح أن أزمة المياه ناجمة عن عدة عوامل بما فيها ارتفاع الاستهلاك المحلي، وسوء إدارة المياه، والإسراف في تقنيات الري. ويتذكر كيف أن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة حذرت في تقرير صدر العام 2009 من أن اليمن تعد من بين أكثر دول العالم التي تعاني من ندرة المياه، ولديه واحد من أدنى معدلات نصيب الفرد من المياه العذبة.

ويتطرق إلى تأثير القات كتحد اقتصادي يسهم في استنزاف المياه. وفي تقييمه للآثار السلبية للقات، أشار التقرير إلى أن البحوث أظهرت بعض الجوانب المفيدة لزراعته من خلال توفير الخدمات المحلية وخلق فرص عمل لأبناء المناطق الريفية. لكنه عاد ليقول: "ومع ذلك، فقد تم تحديد عادة مضغ القات على أنها من أهم الأسباب الرئيسية للفقر في البلاد، حيث تقلص الإنتاجية، وتستنزف الموارد النادرة، وتستهلك حصة متزايدة من ميزانيات الأسر".

فيما يتعلق بالفساد، قال التقرير إنه يمثل مشكلة خطيرة ومستمرة. واستشهد بتلك الإشارة التي تضمنها تقرير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، الصادر عام 2006، بأن الفساد في اليمن هو نتيجة ضعف المؤسسات الحكومية، محددة 4 مصادر رئيسة للفساد، هي: عملية وضع الميزانية الوطنية، ونظام المشتريات، والنظام العسكري-التجاري، وجهاز حزب المؤتمر الشعبي العام.

وهذا عنوان عريض آخر: التحديات الديموغرافية. فبحسب التقرير، فإن أهم مروحة من المخاطر التي تواجه اليمن تكمن في الديموغرافيا. "فعلى الرغم من أن معدل النمو السكاني انخفض قليلاً في السنوات الأخيرة، إلا أنه من بين أعلى المعدلات في العالم، حيث يزيد قليلاً عن 3.4 في المئة سنوياً"، يقول التقرير. وراح يشرح ماهية المعضلة الديمغرافية، في ظل فقر حاد، حيث لا يتعدى مستوى دخل الفرد السنوي 900 دولار، ونحو نصف عدد السكان يكسبون أقل من دولارين يومياً، متحدثاً عن عدم كفاية جهاز التعليم، ومعدلات الأمية العالية، وتفاقم مشكلة البطالة بتزايد أعداد من يدخلون سوق العمل سنوياً إلى 25 ألف شخص.

التحدي الثالث، كما يعتقد التقرير، هو الأمن الداخلي. تتمثل محاور هذا التحدي في الآتي: التطرف الإسلامي، وحرب صعدة، والحركة الانفصالية في الجنوب، والقرصنة. ومن بين هذه المحاور يبدو أن حرب صعدة والحركة الانفصالية هما القضيتان اللتان تحتكران جل النقاش العام في اليمن، مع إغفال بقية التحديات، رغم جوهريتها. وإذ أخذ يسترسل في عرض الجذور التاريخية لتنظيم القاعدة، وتنامي قوته في اليمن، فلأنه أكثر الهموم استحواذاً على صانع السياسة في البيت الأبيض. مع أنه أعطى تفسيرات مقتضبة وتفتقر إلى العمق لحرب صعدة وما أسماها "الحركة الانفصالية في الجنوب". وهاتان المعضلتان تشكلان على حد سواء تهديداً وجودياً لجمهورية اليمن، لكن الأخيرة ستكون مع قدر أكبر وأوسع نطاقاً من الدعم الشعبي، حسبما يظن التقرير.
التقرير يتناول ملف القرصنة وأمن الحدود بإيجاز. فهو يفترض أن عجز اليمن عن تأمين حدوده جعل منه نقطة عبور رئيسية للأسلحة والمخدرات وعمليات التهريب الأخرى، من شرق أفريقيا عبر المملكة العربية السعودية إلى دول الخليج العربي.

لقد كان فحوى النتيجة، التي توصل إليها بوتشيك، هي أن التحديات الاقتصادية، والديموغرافية، تعمل على تعقيد وتفاقم التهديد الأمني. ثم إنه راح يبين أهمية التصدي الفعال لتقاطع هذه المشكلات، بشراكة الدول المانحة مع الحكومة اليمنية. وشدد على ضرورة الشروع بالبحث عن طرائق جديدة للتحضير لاقتصاد ما بعد النفط. المفارقة أن التقرير، في معرض مناقشته لخطط اللامركزية التي تسعى إليها اليمن، يحذر من أن الحد رسمياً من دور الحكومة المركزية سيكون ذا أثر عكسي في أفضل الأحوال. إنه يرسم صورة مرعبة لمعنى أن تنهار الدولة، معطياً إشارات حمراء للولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج على وجه التحديد.

قبل حوالي شهرين، عاد وفد الكونجرس من اليمن مفعماً بالقلق. وكتبت وسائل الإعلام أن الوفد رفع توصية لإدارة أوباما بسرعة التحرك حتى لا تضطر للتدخل عسكرياً في اليمن. وأصبح من الدارج في صحف الخليج تشبيه اليمن بأفغانستان، بغية تذكير السعودية بالوبال الكبير الذي جلبه انهيار أفغانستان على جارتها النووية باكستان. لهذا كان كريستوفر بوتشك ملحاحاً في حث الولايات المتحدة الأمريكية إلى التعجيل باتخاذ خطوات من شأنها التخفيف من آثار المشاكل، كونها "تمتلك مصلحة في مساعدة اليمن نظراً إلى أهمية البلاد الاستراتيجية بالنسبة إلى مصالح الأمن القومي الأمريكي وأهداف السياسة الخارجية". و"لأن تكلفة عدم التحرك ستكون كبيرة للغاية". واقترح بأن تضغط أمريكا باتجاه دمج اليمن في نادي مجلس التعاون الخليجي أو تأهيله على الأقل في هذا المضمار. رغم أنه اعتبر أن تحديات ومشاكل اليمن تجعله أقرب للقرن الإفريقي منه إلى الخليج العربي.

هل لمحتم بارقة أمل؟ كلا. لا شيء يحمل على الظن بأننا سننجوا. لكن، أيعني هذا أن نظل مذعنين كمحكومين بالإعدام؟ لا. لا بد من وجود طريقة أفضل لمجابهة الأقدار القاسية. صحيح، من سوء الطالع، أن هذه أشياء تلوح وكأنها حتمية. لكن يجب حيالها عدم الاكتفاء بالقلق، أو التلاوم، وهز الكتفين. ناهيك عن خطورة التمادي في استنزاف الوقت الثمين، إنما الآخذ في التناقص، في طرح هذا السؤال الحاسم لكن القديم والمبتذل: من الذي زج بالبلد في هذا الشرك التاريخي اللعين؟ أجل، يا له من سؤال منطقي وعظيم، عدا أنه في الوقت الخطأ. ثم إن بساطة الرد عليه تماثل بساطة أن تسأل تلميذاً غبياً عن أكثر ما يثير قرفه في الحياة، سيقول: المعلم، بلا شك.

إن السؤالين الأكثر تعقيداً، والأكثر جدارة بالطرح الآن، واللذين يستدعيان اجتراح حلول مبتكرة، ومقاربات ذكية، ثاقبة، هما: كيف أصبحنا على ما نحن عليه اليوم؟ وما هي الطريقة الملائمة لوقف التدهور، وانتشال أنفسنا من قاع الهلاك؟ ليس هناك ما هو أسهل من إلقاء اللائمة على الرئيس. لقد استنفدنا طاقتنا في إثبات كم أن السلطة فاسدة وشريرة ولا تطاق. أجل فعلنا ذلك بكل السبل الممكنة. أليس لدينا فكرة عن الشيء الكبير التالي.

هل تذوقتم مرارة أن تصبحوا أناساً مشردين مثيرين للرثاء والعطف، وغالباً التأفف والازدراء والشماتة؟ ألم تجربوا الطعم المهين حينما توصد الأبواب في وجوهكم عنوة مع بضع ركلات وسيل من كلمات الاحتقار؟ عندما لا يكف الرئيس صالح عن استحضار أشباح الصوملة ومرادفاتها، فإن علينا أن نأخذ كلامه على محمل الجد دائما. هذا الرجل سيفعل المستحيل ليحتفظ لنفسه بقمة السلطة. إنه يشغل منصباً شديد الإغواء، له مذاق وبريق لا يقاوم. على أن الرئيس، أكثر من أي شخص آخر، يدرك حقيقة أن أغلب الكوابيس التي تقض مضاجع اليمنيين هي وجودية، مزلزلة، جذرية إلى درجة أنها لن تكتف بالتهام نظام حكمه وانتهى الأمر، بل يرجح أنها ستبتلع كل شيء. هذا ليس مجازاً. نعم.. كل شيء. إنني أعني ما أقول: "كل شيء".

ماذا يفترض بنا أن نفعل؟ سيغمغم بعضكم. والحال أنه يوجد دائما ما يتعين فعله. إن مجرد طرح هذا السؤال مؤشر جيد. غير أن علينا تجنب الميل للتبسيط. يجب التفكير بأن المسألة أكثر تعقيداً مما يحلو لنا أن نتوهم. لا توجد وصفة واحدة، بل عدة وصفات، الكثير منها في الواقع. لن تُحدث إزاحة الرئيس من الحكم فارقاً كبيراً، حتى إني لأجرؤ على القول بأنها لن تحدث فارقاً البتة. إلا في حالة واحدة: أن يزيح نفسه بمحض إرادته، بعد أن يجري ترتيبات حاسمة تجنب البلد تداعيات غياب رجل لطالما ربط كل شيء بنفسه، الجيش والعاطفة الوطنية ومشاعر الانتماء، والوحدة، والنفط. ورغم كل شيء، "ستكون حكومة ما بعد صالح مثقلة بشكل خطير بسبب تزاوج انخفاض الإيرادات وتحجيم قدرة الدولة". هكذا كتب كريستوفر بوتشيك في تقرير كارنيجي.

نحن في مأزق حرج يا رجال. هذا المأزق الذي وجدنا أنفسنا عالقين بين فكيه، يتساوى فيه ثمن فاتورة بقاء الرئيس مع ثمن إزاحته. والاختيار لن يتم على أساس أيهما أقل سوءاً من الآخر، بقدر ما سيعتمد على الحؤول دون أن تغدو الكلفة هي اليمن بالذات، بمعنى ألا يأتي يوم تقدم فيه اليمن نفسها قرباناً لإنقاذ اليمن من رئيس طال أمده. هل سيبقى يمن أصلاً؟

على كلٍ، إذا كان من شيء يتوجب وضعه في الحسبان فهو: الإقلاع، باستمرار، عن وضع العنف ضمن قائمة خياراتنا. ويتفق لي دائماً أن أضيف ما هو أدهى وأمر: الابتعاد عن النزوع الانشقاقي المستشري بوضوح في المحافظات الجنوبية، والمضمر بخبث داخل أدمغة الحوثيين. والسبب بسيط، ففي حين يظهر العالم هلعه جراء اعتلال صحة اليمن الذي يهدد أمن واستقرار المحيط الإقليمي، كما والممرات البحرية، فبربكم.. أسيفلح علي سالم البيض بأن ينأى بأمته الجنوبية المتخيلة ويقيم جمهوريته الموعودة. بكلمات أخرى؛ إذا كان الانهيار المطرد في اليمن يمس الأمن القومي الأمريكي، على بعد آلاف الأميال، فكيف لهذه الطامة أن تنجب جمهورية للبيض، وسلطنة للفضلي، ومملكة للحوثي، أو حتى ميراثاً للعميد الركن أحمد علي عبدالله صالح!

أحب الاعتقاد بأن لدينا جميعاً ما نخسره. ربما سيخسر الرئيس الحكم، بيد أننا سنخسر إلى الأبد ما هو أفدح: بلدنا، أحلامنا، حياتنا التي تستحق أن تعاش كما يليق إلى آخر رمق.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.