في البيوت غرف كثيرة: غرفة لمشاهدة التلفاز،غرفة مطبخ، غرفة طعام، غرف نوم، غرفة الضيوف اوما نسميه نحن اليمنيين" بالديوان." تأمل بيتك او شقتك. هما عبارة عن غرف. حتى ساكن الكوخ القش، بالنسبة إليه كوخه عبارة عن غرفته. أنا – و أعوذ بالله من كلمة أنا – لا أحب الحشريين الذين يتدخلون في ما لا يعنيهم. اكره الأنوف التي تدس نفسها في خطوط حمراء تخص الأخرين . أرى خصوصيات الناس هي غرفهم. بأي حق؟ بأي قانون؟ بأي شريعة؟ نحن لا ندري لما تلك الأنوف تطفو على أسطح أدق تفاصيل الناس الخاصة و السرية. نستقبل الضيوف على مر الزمان في غرفة استقبال الضيوف. ساعات قليلة و يمضي الضيف. كل الضيوف عابرين لكن لنا الخلود نحن اصحاب الدار. اما الضيوف فراحلون مهما اطالوا المكوث. لكن لا افهم لماذا عندنا في اليمن بالذات ضيوفنا للأسف وقحين. بدل أن يهدوا اهل البيت باقة ورورد،او يساعدوا و ينظفوا البيت، يصلحوا مثلا الأبواب، أو يلمعوا المرايا تجدهم من مدخل الباب مباشرة يتوجهون لاقتلاع باب الدولاب. عيب يا ضيوفنا عيب. مالهم ضيوفنا هكذا؟ كأنهم بلا تربية او لعل كلاب السكك ربتهم و لاحقتهم قطط الشوارع فأصبحوا هكذا.حتى المثل يقول يا غريب كن أديب، و ليس كن وقحا! جاء أمس جارنا الوقح دق باب بيتنا بقبضته، كنت و أمي في البيت و أخي الكبير في عمله. دق الباب بأقوى قوته ثم ركل الباب ففتحه وجعله يرتطم بالجدار. ما هكذا يدخل يا ضيف الضيوف! تجمع الجيران يمسكونه، يذكرونه بحرمات البيوت. جاء الضيف الوقح يتهجم على بيتنا، متهما إيانا أننا نترك ستائر النوافذ مفتوحة و أن الرايح و الجاي يخدش سترنا داخل البيت. برقت أنا وحدقت أمي.من؟ نحن؟ متى؟ انعقدت السنتنا. كذب الرجل كله كذب. قام احد الجيران بايجاد غرفة النوم و لما رأي بعينيه الستائر مسدلة عاد يدفع الضيف مخرجا اياه من بيتنا وسط تدافع الجيران لإخراجه، مشيعا بلوم الجيران وبالسباب. بينما بقيت في البيت التي أسميتها ماشية. تقذفنا أمي و أنا بأقذع الالفاظ. قالوا لنا ان ستائر البيوت لا تفتحها الا الغواني. و نحن لم نفتح اي ستائر. كانت أمي و أنا في حالة ذهول. لم نرد...ثم خرج من بيتنا البقر، الجواميس و البغال. خرجوا وهم يلعنون تقليد الغرب، و فسق الفجار. هذا كله ونحن لم نفتح ستارة، وهم خرجوا من منزلنا وبقي في البيت صدى سباب البغال. ما أن فرغ البيت حتى هوت أمي أرضا تبكي بحرقة ووضعت انا باطن كفي على جرحي الغائر. هذا الضيف اتهمنا في شرفنا، وهو ليس فقط اعز ما نملك بل أننا لا نملك سواه. جاء يتهجم، يتبجح لكي نرمي اليه بنقود ترده عن ايذائنا. و الا سيشوه سمعة كل الحرائر. اليس وقحا ضيفنا، احتار قلمي بأي صفة يصفه... وها أنا حائرة و قلمي مثلي حائر. أنا أحب غرفتي كثيرا. دائما اكنس أرضيتها.ادعك سجادتها. ابدل الملايات من فوق سررنا أمي و أنا. ألمع المرآة. افتح النوافذ لتجدد الهواء ثم ابخر الغرفة.غرفتي أمي و أنا هي نحن. كل انسان له غرفة تعبر عنه. فتجد في خبايا غرفة اللص مسروقات. في غرفة الصابرين صور لسور قرآنية. في غرفة الشجعان مجسمات لأبطال. تجد في غرفة المجرمين مسدس وربما أنصال. في غرفة الطفل كرة و لعب. في غرفة الأم أطفال. الغرف هي نحن وهي تعكس الحال. بكت أمي في وسط الغرفة حد النشيج. أقتربت منها أمسح على رأسها و اقبله.سمعتها تندب حظنا العاثر في هذا الضيف الأجوف كالطبل ، و اذا طبل لا يطبل الا للتكاثر. كيف تجرأ علينا و تمادى فأتهمنا أننا نفتح الستائر و نبقيها مفتوحة حتى يرانا الرجال في الشارع. نحن نرى أنفسنا قدوة في مخافة الله و مثلنا كل الشعب اليمني. هدأت من روع أمي و ربت على قلبها. فالألم عند الكبر قد يوقف القلب عن النبض و بالذات عندما يكون مصدر الألم اتهام للشرف و العرض. طمأنتها ان اللخ معنا. ذكرتها ان مصير كل ضيف الى زوال. و ان بقاء الحال من المحال. ذكرتها أن اليمني القوي، الأبي، قديصبر على الفقر حد مد اليد للتسول. قد يصبر على جوعه حد يأكل من القمامة. قد يصبر على مرضه و لو اوصله صبره للاعاقة. قد يصبر على ان يحيا بجانب الجدار ذليلا شحيح الكرامة. لكن ان تطعن اليمني في شرفه فهذا ما لا يسكت عليه و لن يسكت عليه حتى لو حدث ذلك يوم القيامة. هكذا اليمني... يقتات حتى العلف لكنه لا يمضع- مجرد مضغ- الإهانة. عاد أخي من العمل. كان قد تلقاه الجيران اثناء سيره صوب البيت. كلا يسرد عليه ما حدث. فلم يصل باب الدار الا دامعا. رأي أمي. طمأننا انه لن يسكت. اكد لي أن أخذ حقنا من الضيف في عنقه أمانة. فجأة سمعنا طرق و ركل على الباب. الضيف الوقح عاد و لم يطل الغياب. فتح له أخي الباب ، دخل دون استئذان. توجه مباشرة لغرفة نومنا أمي و أنا. استاء حين وجد الستائر مسدلة. ابلغ أخي أن يمنعنا من الأن فصاعدا من الخروج لشراء البصل و البطاط. هنا... لم أتمالك نفسي من التدخل. ضممت أصابعي الخمسة و صرخت:-" تمهل يا ضيف تمهل. مالك تأتي الى غرفتنا أمي و أنا و تتسمر؟اما لديك عملا أخر- عندما تتفرغ لنا نحن فقط - عن عملك الأخر تتأخر؟ انظر المطبخ فاضي. هو اولى بتفحصك. الادراج خاوية. اعطنا يا ضيفنا طعامز نطالبك بأن نأكل! التفت لجدران بيتنا المشققة. احضر معك دهان المرة القادمة يدهن الجدران البالية. مالك عندغرفتنا عسكري مجند ؟ ترجل ما دمت مجندا الى الحمام. قم بأعمال صيانة. السباكة هي المطلوبة. المخلفات و الفضلات هي الطافية على الماء المتدفق في حينا. اصلح السباكة بدلا من أن تأتي الى غرفتنا و تتعنتر! تقول انك حامي الدين ، و تخطب بفصاحة أمام اناس هي اصلا تتعبد. اطعم الناس، عالج الناس، علم الناس، اعد كرامة الناس،اخرج من غرف النساء، فإن سائر الغرف أولى بالترتيب و التأهيل. نظف الفساد. يا ضيف فالفساد مخمور يترنح في ازقتنا و يعربد.