تفشى الظلام في المكان فتعالى اللغط وذاع الهلع في القلوب.. والحناجر فيما كان أحدهم يهذر مشرفاً على النافذة وقد بدا محتفياً بالأجواء الجديدة . ماما .. تعالي وانظري حتى حينا مطفأ الأنوار ولربما المدينة أيضاً غارقة في الظلمة. أخوها كان مذعوراً وهو يردد: أنا خائف ..أنا لا أرى شيئاً.... احتضنته وهي تربت على شعره المجعد قائلة: لا تفزع يا أحمد، فالظلام لا يخيف أبداً إنه يشبهنا يريد من يحبه ويفهمه ويعتاده ويصغي إلى أنينه إنه مثلك تماماً يفتقد من يربت عليه إنه وحيد و..قاطعها بتساؤل مشفق وهو يقبض على يديها : أنا خائف... يا بثينة أنا لا أرى ...وأنت دائماً تعيشين هكذا ألا تشعرين بالفزع والوحدة ..!! ردت مبتسمة : نعم أعيش والكهرباء دائماً مقطوعة ... والصور والمشاهد مفقودة و حقائق الوجوه مطموسة ولكنني لست وحدي فأنا ...أنا معكم . اجتمعت الأسرة في غرفة واحدة ضمتهم الرهبة و وحدتهم الرغبة في العثور على الأمان ، وحين روت لأخيها حكاية كان الجميع قد أخرسهم القلق فاضطروا إلى سماعها فروتها كما أرادتها أن تكون عذبة رقيقة وواخزة ، والدتها المتراخية في جلستها هزها الشمع الذي بدأ يذوي فقالت : سميرة اذهبي وناوليني الشمع من المطبخ إن إخوتك خائفون . أمي .. الظلام شديد ويقال: إن اللصوص يزدادون جرأة عند انقطاع الإنارة . أنا سأذهب يا أمي . اجلسي يا بثينة إن سميرة محقة ثم إن بيتنا كبير وقد يتسلل أحدهم دون أن ندري. لا تخافي يا أمي حيث الظلام أنا أرى أفضل من اللص . بلغت المطبخ بسهولة مستندة وكالعادة بين الحين والآخر إلى الجدار ولم يتسلل الخوف إليها فيما نجح بعض التوتر من النيل منها ، تلمست الطريق نحو دولاب المطبخ الثالث من اليسار فتحته وقبضت على الشمعتين المتواجدتين ، وقبل أن تدنو من الباب ومضت رغبة ظنتها فكرة استفزتها، حرضتها فاستبعدتها ولم تكن شريرة ولا منتقمة . حين مضت ودونما تردد صوب صفيحة القمامة وأودعت الشمعتين بهدوء داخلها طامرة إياهما بالعلب الفارغة ، وانثنت عائدة إلى الغرفة ومن غير الاستناد إلى شيء ودون تعثر أو أن يخفق قلبها بندم أو اضطراب.