تقرير يبحث في أسباب استمرار تردي وتدهور الخدمات في عدن منذ ست سنوات أين إيرادات المدينة ولماذا تنعدم فيها الخدمات الأساسية؟ لماذا لا تستطيع السلطات حتى التحكم في إدخال وتفريغ سفينة وقود؟ هل توزعت المدينة على سيطرة عصابات الفاسدين والنافذين؟ كيف ساهم غياب الدولة في تفاقم الأزمات وما موقف المحافظ من (لوبيات) النافذين؟ من يسيطر على عدن؟ (عدن الغد) القسم السياسي: يتفق منظرو ومفكرو العالم على أن تعريف مفهوم ومصطلح "الدولة" في معناها وفكرتها البسيطة، هي: (أرض، وشعب، وسلطة). والأرض هي المساحة الجغرافية التي يقطنها مجموعة من الناس، منسجمين فكرياً وثقافياً واجتماعياً وحتى دينياً ربما، يطلق عليهم الشعب، بينما السلطة هم الأشخاص أو المؤسسات التي يديرها أشخاص مؤهلون أكفاء لخدمة الشعب والحفاظ على الأرض والجغرافية التي يعيشون عليها مستقرة وسالمة. وإذا طبق هذا المنظور الفكري لمعنى الدولة على واقع الحال في اليمن، ولنقل في عدن على وجه الخصوص؛ لوجدنا أن ثمة قصور في مجال السلطة التي تدير شئون الناس، داخل هذا النطاق الجغرافي من الأرض. لهذا نرى مفهوم الدولة قاصراً أيضاً، عطفاً على قصور سلطات من يديرها. ومنذ عام 2015، توزعت السلطات في عدنواليمن على مجموعات من الجهات والأشخاص، الذين يبدو أنهم لم يحافظوا على مفهوم الدولة، بسبب سلوكياتهم، وربما بسبب تنافسهم في السيطرة على مقدرات وثروات هذه الأرض وهذا الشعب. وبالنظر إلى واقع الحال في عدن، من الواضح أن الأوضاع فيها تعيش تخبطاً وارتباكاً؛ نتيجة تدهور الخدمات الأساسية. ووصل حال الارتباك هذا بالمتظاهرين والمحتجين المعتصمين ضد تردي الأوضاع والخدمات، إلى التخبط في بياناتهم وبلاغاتهم الصحفية، فتارةً يحملون مسئولية هذا التدهور على كاهل الحكومة الشرعية، وتارات أخرى يتهمون التحالف العربي، ثم يكتشفون أن المجلس الانتقالي شريك في الحكومة أيضاً فتعود لتضعه في خانة المسئولية. وكل ذلك التخبط يعود إلى غياب السلطة المسيطرة على الوضع العام في عدن. وما يؤكد ذلك، العديد من التفاصيل والقرارات الخدمية التي لم تجرؤ السلطات المتضاربة في عدن على حسم الأمور فيها؛ ما أدى إلى مزيد من التدهور الخدمي. الأمر الذي يقود إلى تساؤل جوهري فيما يخص الأوضاع في عدن، من يسيطر على عدن؟، ومن يحكمها؟، ومن يدير شئونها؟. من يسيطر على عدن؟ بدءاً بالحكومة الشرعية، التي تولت الأمور عقب تحرير مدينة عدن عام 2015، مروراً بالمواجهات والأحداث الدامية التي أدت إلى طرد الحكومة، وسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على المدينة. جميعها محطات لم تغير واقع الحال في المدينة، التي ظلت محرومة من الخدمات والاحتياجات الرئيسية، فمع اختلاف الجهة التي تدير المدينة، لم يختلف الحرمان، ولم تفلح السلطات المتعاقبة في توفير شيء. ما دفع الكثير من المحللين إلى الحديث عن أن الجهات التي كانت تدير عدن، لم تكن فعلياً تسيطر عليها، فثمة جهات وأطراف أخرى، تتحكم بمجريات الأمور في عدن، بعضها يعمل بشكل علني، وآخرون من تحت الطاولة!. حتى المتظاهرون الذين خرجوا قبل أيام؛ نتيجة تدهور الخدمات وارتفاع أسعار الصرف وانهيار العملة المحلية، جمعوا أكثر من طرف على صعيد واحد، إيماناً منهم بأن الوضع المنهار لم تكن مسئوليته منوطة بطرف دون غيره. فكانت الاتهامات تطال التحالف العربي، قبل أن تنال من الحكومة الشرعية أو المجلس الانتقالي الجنوبي. وبحسب مراقبين، فإن هذا التخبط، ينبئ عن وعي وإدراك جمعي بأن السيطرة في عدن لم تذعن يوماً لطرف محدد بشكل مطلق، بقدر وجود تدخلات إقليمية ودولية، تمنع تحقيق إنجاز تنموي أو خدمي على الأرض. بهذا نرى أن الدولة بمفهومها المعروف، غير متواجدة في عدن، واليمن عموماً؛ بسبب غياب السلطات عن الجهات التي تتولى مسئولية الحكم فيها. عجز عن توفير الأساسيات تجلى الفشل الذي تصدرته الحكومة اليمنية الشرعية طيلة أربع سنوات، من عام 2015 حتى طردها من عدن على يد قوات الانتقالي في أغسطس 2019. وهي فترة كانت كفيلة بأن توفر فيها الحكومة الخدمات، بحدودها الدنيا على أقل تقدير، وانتشال المدينة من واقع الحرب والخراب الذي طالها نتيجة تواجد الحوثيين فيها. غير أن شيئاً من الخدمات الأساسية لم يتحقق، وظلت الكهرباء منعدمة، وخدمات المياه منقطعة، والمرتبات غير منتظمة، والأمن في فوضى وانفلات. رغم ان هناك الكثير من مصادر الإيرادات التي كانت تذهب إلى جيوب وأرصدة بعض المسئولين الذين تكشف تورطهم في قضايا فساد. لكن عقب تلك المرحلة، كان الجميع ينتظر من المجلس الانتقالي أن يضطلع بمسئولية توفير ما عجزت عنه الحكومة الشرعية، خاصةً وأنه تسبب بطردها في مواجهات دامية. غير أن الانتقالي لم يكن بأفضل حال من الشرعية، بل مضى يطالب هذه الأخيرة بتوفير المرتبات والخدمات، دون أن يرى في ذلك أي انتقاص مما قام به في طرد الفاسدين وتطهير الجنوب منهم. وبعثت الخطوة التي اتخذها في أبريل 2020، بإعلان الإدارة الذاتية للجنوب، الأمل في نفوس الكثير من المراقبين، الذي رأوا فيها تحركاً وسيطرة إيجابية لتوفير الخدمات، غير أنه تراجع عن هذه الخطوة بعد ثلاثة أشهر، دون أن يحقق شيئًا يذكر، سوى جمع إيرادات الدولة في ثقب أسود لم يُعرف مصيره، وفق المراقبين. وما يثير استغراب المتابعين، أن كلا الجهتين، الانتقالي والشرعية، كانا يديران مليارات من الريالات تأتي من إيرادات وقنوات مالية عديدة، كالمطار والجمارك والميناء والضرائب، وخاصة ضرائب القات اليومية. فوفق خبراء اقتصاديين، ثمة الكثير من الموارد المحلية التي يمكن من خلالها توفير الخدمات والاحتياجات الأساسية للناس والشعب، بعيداً عن النفط أو الغاز. قضية قرار يعتقد مراقبون أن السلطة والإدارة تتعلق بأمور ذاتية، يستطيع من خلال أي شخص أو جهة اتخاذ قرارات مصيرية تنعكس بالإيجاب على توفير الخدمات للمواطنين. فالأمر ليس متعلقاً فقط بالإيرادات أو الإمكانيات وشحتها، ولكن هناك ما هو أهم، وهي أشياء متعلقة بالسيادة واتخاذ القرار. ويرى مراقبون أن هذه الأمور غابت عن الشرعية وعن الانتقالي على السواء؛ مما نتج عنه هذا الوضع البائس من الخدمات والأوضاع المتردية في البلاد عموماً. حتى أن بعض المحللين، يستنكر عجز السلطات المحلية في عدن، سواء في ديوان المحافظة أو في حكومة معاشيق، عن التوجيه بإدخال سفينة الوقود المنتظرة منذ أسابيع في عرض البحر؛ لتفريغها وتوزيع حمولتها على محطات الكهرباء؛ وإنقاذ عدن من ظلام دامس. معتقدين أن الأمر يتعلق بقضية السيادة والقرار المحلي الذي غاب عن عدن، واليمن عموماً، منذ عام 2015. عصابات ونافذون ثمة من يعتقد أن الأمر ليس مقتصراً على غياب السلطات، ومصادرة القرار الوطني، وضبابية الجهة التي تقف خلف التحكم بمصير المدينة. فعدن شهدت منذ ست سنوات ماضية، حالة من اللا استقرار، التي أدت إلى ظهور ما يمكن تشبيهه ب"عصابات" و"لوبي" من المتنفذين وكبار التجار، الذين يمتلكون علاقات مع بعض المسئولين والقيادات المحلية وحتى العسكرية، ممن يسهلون سيطرة تلك اللوبيات على مقدرات الحياة في المدينة. ولعل في حادثة باخرتي الوقود التابعتين لإحدى الشركات البريطانية، والتي منعت من تفريغ حمولتها وإنقاذ الموقف الخدمي في عدن، أكبر دليل على أن عدن تقبع تحت سيطرة نافذين وتجار مستفيدون من وضع كهذا. ولعل في تفاصيل هذه الحادثة، ما يؤكد أن المدينة باتت تحت رحمة جهات محلية، مدعومة من قيادات ومسئولين، هم من يسيطر حرفياً وعملياً على المدينة، ويتحكمون بمصائر وخدمات الملايين من الشعب. كما يكشف سياسيون وإعلاميون أن عدن أضحت اليوم مقسمة بين عصابات نافذة، وجهات تجارية ترى في المدينة مجرد كعكة كبير، يجب تقاسمها، وتوزيع مناطق النفوذ والسيطرة فيها؛ ليزداد الأثرياء ثراءً، ويزداد الفقراء فقراءً، وتتفاقم معاناة المواطنين خدمياً ومعيشياً. غياب الدولة ودور المحافظ من المسلم به، أن غياب الدولة فاقم هذه الأوضاع الخدمية والمعيشية التي يرزح تحتها المواطنون، الدولة بمعناها البسيط، ذات السيادة والسيطرة على نطاق جغرافي يعيش فيه مواطنون وأناس. لكن.. بمقدور الرجال الصادقين، المخلصين، الراغبين في إنقاذ هذا الشعب مما وصل إليه بسبب غياب الدولة، أن يعيدوا الأمل إلى الناس. ولا يكون ذلك إلا من خلال وضع حد للوبيات وعصابات النفوذ، المتحكمة بمصائر الشعب، ويعتقد مراقبون أن مثل هذه المهمة باستطاعة محافظ عدن أن يضطلع ويقوم بها. وذلك عطفاً على جهوده في تولي مهام المحافظة خلال الفترة الماضية، وقدرته على الفصل بين انتمائه السياسي، ومنصبه الخدمي، وهو ما أثبته بشكل عملي. وبإمكان المحافظ أن يقوم وينجح بكل ذلك بالتنسيق مع الراغبين من الخيرين والجادين برفع المعاناة عن كاهل هذا الشعب، واستعادة دولته وسيادته.