السياسة لاتحكمها قوانين معينة، ولا تخضع لنواميس أو قواعد في حد ذاتها ، فهي تتغير دائماً كالمناخ فالعدو فيها يمكن أن يصبح-بين عشيّة وضحاها-صديقاًمقرّباً،وكذا العكس فالصديق المقرب يمكن أن يتحول إلى ألد الخصوم في خلال غمضة عين ،كونها محكومة بالمصالح والمنافع وهذا ديدنها . والحاذق الحصيف هو الذي يظل مواكباً للأحداث ، متابعاً للمتغيرات وكل ما يجري من حوله ،يراقب- بعيون الصقر - كل شاردة وواردة فيها ، يحلل أدق تفاصيلها ويمحص حركاتها وسكناتها ، ومن ثم ينظر في محصلة نتائجها ، إن كانت سوف تصب في صالحه يسعى لتعزيزها وإن كانت ستعود عليه بالمخاطر ، فليستعد ويتأهب لمواجهة ذلك الخطر بالوسائل والسبل الممكنة. ذوبان الجليد وعودة العلاقات بين الجارتين المملكة وقطر ، فرضتها الظروف الذاتية والموضوعية والمتغيرات الإقليمية والدولية ، وما هو حاصل في المنطقة من بؤر مشتعلة تهدد الجميع بدون استثناء، وتأتي الزيارة التي قام بها-مؤخراً- وزير خارجية المملكة فيصل بن فرحان لقطر تتويجاً لذلك التقارب الفعلي في العلاقة بين الرياض والدوحة ، والتي- بكل تأكيد - لها ما بعدها ، خصوصاً وإن قطر لها علاقات وطيدة بإيران وتركيا ، إلى جانب أنها ممسكة- نوعاًما- بالحبل السرّي للتوأمين إخوان وأنصار اليمن وهذا له دور مؤثرفي إذابة كرةالثلج بينهما. نحن - في الحقيقة- ندعم ونبارك عودة المياه إلى مجاريها ، وتنقية الأجواء بين الجارين الخليجيين ، لكننا في نفس الوقت لانخفي أنّه ينتابنا نوع من التحسس والخوف السياسي، وهو شعور مشروع نظراً لما تكنه قطر من عداوة وحقد على الجنوب وقضيّته المصيريّة ، وهذا الشعور سيظل مرافق لنا إلى أن تجليه المراحل اللاحقة ، وينبغي على جهابذة السياسةفي الجنوب أخذ الحيطة والحذر، ومراقبة تغير المناخ السياسي الحاصل حولهم.