لا شك أن كل سنة مضت من سنين الحرب، تركت أثرها السلبي في نفوس الناس، لذا لم تكن حصيلة ست سنوات من الحرب بالأمر اليسير، وليست بسنوات هينة على حياة ومستقبل الشعب والبلاد، لقد كانت انتكاسة مرعبة خلفت خسائرها الفادحة، ففي فضاء ست سنوات مضت من الحرب، تراكمت على الناس معاناة قاسية وصدمات محزنة، وكل تلك نحتت تبعاتها السيئة في أعماق نفوسهم، وما زالت تطوّق سبل عيشهم وتضيّق الخناق عليهم، فقد نشرت الفقر والجهل والمرض، فالدخل المادي للفرد في تناقص مستمر والخدمات الصحية والبنية التحتية في تهالك متواصل والأمن مضطرب، وتتقاذفه رياح الانقسامات، والوعي والتعليم غشته شبه غيبوبة، أما حضور الدولة فهو حضور صوري ليس إلا. في كل عام، وعند أقتراب شهر رمضان الفضيل تشهد الأسواق حركة كثيفة وزخم غير عادي، ولو أن الحرب الطويلة في بلادنا، قد خطفت جزءا من حماس ذلك التسوق، بعد أن أثبطت القدرة الشرائية لدى الناس، ولكن ظلت معظم الأُسر تتشبث بمظاهر وعادات شهر رمضان، بالرغم من الظروف المادية الصعبة التي تواجههم، إلا إنهم يحاولوا قدر الإمكان تدبّر احتياجات هذا الشهر الكريم بما يتيسر لهم من مال حتى يفوا بأهم ما تقتضيه حاجتهم من مستلزماته الضرورية، فقد ألف الناس تزيين موائدهم بالأواني الجديدة وتزويد أطباقهم بماكولات متميزة المذاق، والتي بعضها لم تشم مطابخهم رأئحته إلا في شهر رمضان المبارك. بقدر ما أختص الله سبحانه وتعالى هذا الشهر عن بقية شهور السنة، بعبادات مختلفة، وعلى رأسها الصيام الذي هو أحد أركان الإسلام، تظل لهذا الشهر في قلوب العباد فرحة ذات طابع مختلف، ربما لأن هذا الشهر يستأثر بمقام رفيع في قلوب المسلمين، ويحفز مشاعر العطف على الفقراء ومساعدتهم، كما له طقوس طيبة في النفوس تتفق مع العبادات والطاعات، وتضفي على أيامه ولياليه نكهة مميزة وروحانية فريدة. لا بد أن تمر على خاطر الناس، ولم يغب عن خيالهم، وعلى وجه الخصوص في محافظة عدن، صور الذكريات التي صادف وقعوها في مثل هذه الأيام من العام الماضي، واستمرت طوال شهر رمضان، فكانت تلك الصور محزنة ومربكة معا، فقد جاء حينها إعلان السلطة خبر مداهمة جائحة كورونا لبلادنا، مع تصريحات عن ارتفاع معدل أعداد الموتى عما هو معتاد، لينشر موجة هلع بين الناس وعلى إثره أتخذت بعض الإجراءات الاحترازية والتي لم تمثل أي صرامة بل طغت عليها المزاجية، فقد أغلقت المساجد في ذلك الشهر الفضيل أبوابها، بينما الشوارع والأسواق تكتظ بالبشر، وفي الوقت نفسه كانت منتشرة العديد من أمراض الحميات والملاريا، فاختلط الحابل بالنابل، ولم يعرف الناس حقيقية أسباب ازدياد عدد الوفيات، رغم أن نسبة الزيادة كانت بسيطة جدا ولا تنسجم مع ما تحدثه جائحة كورونا في بقية دول العالم، لا من قريب ولا من بعيد، فخلاصة القول أن ماحدث العام الماضي كان يكتنفه الكثير من الغموض. واليوم يتكرر نفس المشهد وتعلن الحكومة عن تفشي فيروس كورونا في البلاد مع أقتراب دخول الشهر الكريم، ولكن، وكما يبدو أن صدى هذا الخبر لم يحظى بالاهتمام الكبير عند غالبية الناس، فقد ضاع جزء كبير من حدّة أثره في النفوس في بحر عام واحد فقط.