مع حلول شهر رمضان الكريم من كل عام - أعاده الله بالخير والبركة - تتسابق الفضائيات العربية وقبل حلوله بأيام وأسابيع لعرض مفاتنها والكشف عن أثوابها التي ستزّين ملامحها خلال أيام وليالي هذا الشهر الفضيل.. ومن ضمن هذه الفضائيات فضائيتنا بالطبع. التي لايمكن لها أن تكون بعيدة عن هذه المعمعة التي يختلط فيها الحابل بالنابل، والفوازير بالحكايات.. وجميعها تختلف في أساليبها وأوقات عرضها وتتفق في أهدافها. وفي مقابل سباق الفضائيات هناك سباق آخر لشركات تليفونية وبيوت تجارية، وصحف ومجلات.. وكلها توظف برامجها وإمكاناتها باتجاه الاستفادة الفضلى والاستغلال الأمثل لهذا الشهر الكريم، وكأنه تحول في نظرها إلى شهر لتنمية الأرباح وإن اختلفت الوسائل وتعددت أساليب التنفيذ. قد يكون هذا الفعل وذلك التحول منطقياً في نظر هؤلاء جميعاً، في ظل الوضع المأساوي العام الذي تعيشه شعوبنا العربية والإسلامية، وأنا هنا أهنئهم وأبارك لهم ذلك.. ولكن هل في سباقهم المحموم هذا مايريده المشاهد والمتلقي عامة من شهر رمضان المبارك؟. ولماذا يتم تكثيف هذه العروض خلال هذا الشهر الفضيل الذي أحلناه إلى فوازير ومسابقات وحكايات يطغى على مضمونها وطابعها الخيال والأحلام العاجزة أكثر من ملامسة الواقع العربي بعموميته؟! لست هنا معنياً بالإجابة على تلك التساؤلات.. ولكن هدفي من ذكرها التذكير برمضان الخير والعبادة.. والانتصارات المتلاحقة، والتحول إلى فعل ينفع الأمة ويعيد أمجادها الضائعة، ويخلصها من الثرثرة الحالية التي أفقدتها القدرة على تجاوز الأزمات المتلاحقة، وجعلتها تستكين للآخر وتنام وتصحو على إيقاعات وأجراس كتب عليها الضعف والهوان. التذكير بالدروس العظيمة التي سجلها لنا رمضان في سنواته الأولى وحولناها إلى فوازير وألغاز.. وفوانيس سريعة الانطفاء!! رمضان هو التقويم والتغيير.. ولن يكون التقويم والتغيير بالبكاء على الأطلال وببرامج الفوازير وحكايات التنويم التي تجعل العقل طيلة ثلاثين يوماً خارج نطاق التغطية.. وبعيداً عن رمضان بشجونه ودلالاته ودروسه العظيمة. شعوب عربية وإسلامية يجمعها رمضان اليوم تحت منارة الشتات وقساوة الأفعال، ومسيرة الذل والخنوع.. ومسلسلات وبرامج التخدير المستمر التي تبعث في النفوس اليأس من التغيير، ومن شق الواقع الفاسد الذي كبلنا بالدموع والعبرات. رمضان يجمعنا اليوم بهزائمنا التي تطاردنا.. بنزوعات النفس الأمارة بالسوء التي تسكننا ونرفض أن تغادرنا... بل ونبحث عن من يعززها في قلوبنا أملاً في الوصول إلى النهاية التي لن نقوى بعدها على الوقوف مرة أخرى. رمضان يجمعنا اليوم والمؤامرات والتحديات تلاحقنا من كل حدب وصوب.. ومعها فقدنا القدرة على التفكير، والقدرة على الاستمرارية بعقول يقظة تدرك مايحاك ضدها ومايدبر من أمامها ومن خلفها.. رمضان اليوم هو ذاك منذ سنوات عدة وسيستمر سنوات وسنوات.. ولكن بربكم هل هذا هو رمضان الذي نريده أن يجمعنا؟!