قبل عام رحل عنّا هشام باشراحيل، صاحب الكلمة الحرة، خسرناه بمواقفه لكنه بقي حاضر في ذاكرتنا بعد أن واجه كل التحديات والمتاعب والقمع والانتهاكات التي مارستها سلطات صنعاء بحقه حتى إغلاق صحيفته بقوة السلاح ومحاكمته الهزلية حتى بعد رحيله. لا زالت روحه وصلابته التي قل نظيرها وتفوقت على الرصاص تصدح الهامات في ذاكرة وطننا المثخن بالجراح بكفاحه المضني، سكب عرقه ليجعل من صحيفته صوتا لكل مظلوم، وساهم في ترسيخ الوعي بين الشعب عندما بدأت ثورة الاحتجاجات الجنوبية السلمية وأنار تطلعاتهم ومستقبلهم، فقد أسعدني الحظ بتعرفي به عندما أنضممت إلى أسرة تحرير "الأيام" كنت حينها متدرباً إلى أن بدأت احتك به وبأخيه الأستاذ تمام باشراحيل، مدير التحرير، كنت أحضر ندوات منتداه الأسبوعي لأحررها خبرا. وخلال تلك الفترة شعرت بالاعتزاز والفخر في انتمائي لمدرسته "الأيام". كان قامة شامخة وعلما في خدمة قضية شعبه بكسره حاجز الخوف والدفاع عن مطالبهم وخياراتهم ودوره كان بارزا في رفع المعاناة عن شعبه ضد ما يمارس ضدهم من قمع واضطهاد وتمييز، مرددا بقلمه بثقة وتصميم (انا معكم لأنكم أصحاب حق ولن اكون غير ذلك) وواضعا امكانيات صحيفته لخدمة الشعب، لم يبع صحيفته أو يحلم بالتكسب والارتزاق حتى لا تكون صفراء فاقدة مهنيتها، اتذكره كيف كان- قلبه ومكتبه وديوان منتداه مفتوحا لاستقبال العامة على مختلف فئاتهم ومستوياتهم، كنا نخاف عليه من بعض مرتادي منتداه من المتمترسين في مناصبهم المتلونين والفاسدين، تمنيت لو كان حيا ليراهم اليوم يتكلمون عن مظالم شعب مقهور وصابر، كانوا بالأمس يطعنون مواقفه. رحل عنا في ظل ظروف نحن أحوج ما نكون فيها لوجوده بيننا بعد أن دفع الكثير من حياته لكن شمعته المضاءة ظلت متوهجة تنير طريق استعادة الحرية والكرامة الذي رسمته دماء الشهداء. وكلما استعرضنا مواقفه وثباته وجدناها في اعناقنا واجبا حتى لا تسقط مبادئنا، لانه كان واحدا من أولئك الابطال الذين لم يبدلوا ما عاهدوا الله عليه وأدوا واجبهم كاملا، فعليه رحمة الله ورضوانه. * عدن الغد