عام مضى على رحيل فارس الكلمة و الصادح بقول الحق و الحقيقة ، من قاوم الطغاة البغاة بالكلمة الصادقة المجلجلة كهزيم الرعد، عام مضى على رحيل من انتصر للبسطاء والمظلومين ودافع عن الحريات و حقوق الإنسان و العدالة و الكرامة الإنسانية وحرية الرأي و الصحافة و الفكر و التعبير، عام مضى على رحيل من امتلك سلاح الإرادة و قوة الإيمان وانتصر للإرادة الحرة ورفض قلب الباطل حقاً، عام مضى على رحيل من وقف في وجه العصبية و الجهوية و الطائفية المقيتة، عام مضى على رحيل من وقف في وجه قوى التبودن و الرعاع و قبائل الجاهلية الأولى، عام مضى على رحيل من رفض التنازل و المساومة و المداهنة و المهادنة مع قوى الشر و الفساد والاستبداد وقطاع الطرق ممن كانوا يترصدون ويترقبون لمصادرة و إحراق أعداد من صحيفة الأيام و اعتدوا على ناشريها ومطابعها و الصحفيين و العاملين فيها بالرصاص الحارق و الخارق و مختلف صنوف الأسلحة، عام مضى على رحيل من ظل منافحاً عن حقوق البسطاء في هذا الوطن المكلوم, الجريح, الحزين, السليب, من خلال عرض قضاياهم من على صدر صحيفة الأيام الغراء. عام مضى على رحيل من قاوم أيادي الغدر والخيانة و الخديعة والإجرام ورفض اغتيال الحقيقة وتزييف الوعي، عام مضى على رحيل رجل الخير و البذل و العطاء و التضحية والفداء، رجل النخوة و النجدة و الإباء القامة الإعلامية و الصحفية الباسقة وعميد وربان الصحافة الجنوبية هشام محمد باشراحيل ناشر و رئيس تحرير صحيفة الأيام الشعلة والنبراس التي أضاءت سماء الوطن الحبيب قناديل وحروفا متوهجة وفي سبيل الدفاع عن قيم الحرية و الحق والخير و العدل، ففي 15 يونيو 2012م توقفت نبضات صاحب القلب الكبير الذي كان يحمل بداخله أملاً و حلماً في أحد مستشفيات العاصمة الألمانية برلين وفي يوم 17يونيو2012م تم مواراة جثمانه الطاهر الثرى في مسقط رأسه بمدينة كريتر عدن .
ولد الفقيد الراحل في الحاضرة و الحاضنة عدن في 16يونيو 1944م في كنف أسرة عدنية عريقة اشتهرت بامتهان العمل الصحفي والإعلامي فوالده هو الشخصية الاجتماعية والصحفية المعروفة مالك ومؤسس صحيفة الأيام العدنية المشهورة الراحل (محمد علي باشراحيل) رحمة الله تعالى عليه وفي عدن الحالمة وفي أجوائها الدافئة نشأ و ترعرع، أمضى فيها الصبا و اليافعة و الشباب والكهولة وحتى آخر لحظات حياته الحافلة بالعطاء، تلقى الفقيد تعليمه الابتدائي و المتوسط والثانوي في كليه عدن و من بين جدرانها نهل المعارف والعلوم وتفتقت مواهبه الأدبية و الثقافية ومن بين حارتها و أحيائها وشوارعها تشرب من العادات و التقاليد الأصيلة. عمل الفقيد مع والده الراحل محمد علي باشراحيل في صحيفة الأيام منذ انطلاقتها الأولى في 7 أغسطس 1958م, ثم غادر إلى لندن العام 1962م لتلقي دورات مكثفة في علوم الطباعة وصيانة المطابع ليتمكن بعدها من إصلاح المعدات والأجهزة الطباعية في صحيفة الأيام .
يعد الفقيد الراحل صاحب سيرة عطرة حافلة بالعطاء و البذل و التضحية و الفداء و المواقف البطولية الرائعة و المحطات المهمة و المميزة في سيرة حياته النضالية و العملية، كما عرف بمزاياه و سجاياه و مناقبه الحميدة عرف عنه البساطة و التواضع الجم و الأخلاق العالية ورحابة الصدر و رجاحة العقل و البشاشة والهمة العالية و الثبات في سبيل الدفاع عن قيم الحرية و الخير و العدل و الحق، لقد كان الفقيد الراحل حقاً وفياً لالتزاماته مخلصاً لوطنه، مدافعاً عن قضية شعبه حتى الرمق الأخير. الفقيد الغالي الثري في قيمه و مبادئه ستنحني لكم الهامات بألم وخشوع وإنا لنقول في ذكرى رحيلكم السنوية الأولى وإن غبت عنا جسدا فإنك باقٍ فينا فكراً و سلوكاً ومدرسة صحفية رائدة و يراعاً ذهبية قلما يوجد نظير لها على الساحة الوطنية، لقد تركت أيها الراحل مناقب وضاءة في إطار المسيرة الإنسانية والنضالية و الصحفية ستظل محفورة في الذاكرة و الوجدان وخالدة لدى الأجيال، لقد أعطيت أيها الراحل فأجزلت العطاء وعاهدت فأبررت الوفاء وكانت سيرتك وسريرتك نقية صافية، لقد كنت حقاً الشجاعة و المهابة والاستقامة، لقد عاش أبو (باشراحيل ومحمد وهاني) مرفوع الهامة عظيماً في حياته ومات واقفاً صلباً و طوداً شامخاً كما تموت الأبطال، عام مضى على رحيل فقيدنا الكبير وسنون مضت ومازالت صحيفة الأيام (النبراس) لسان حال كل المظلومين و المقهورين متوقفة ومحتجبة عن الصدور ومازالت مؤسسة الأيام الرائدة مؤصدة الأبواب جراء ما لحق بها من خراب و دمار على أيدي تجار الحروب و أمراء الفيد وقطاع الطرق حتى إشعار آخر في ظل صمت العابثين والقتلة، لقد تعرضت صحيفة الأيام إلى محاكمات باطلة وجائرة معدة سلفاً وتم إحراق و مصادرة أعدادها ومحاصرتها توجت بالاعتداءات المسلحة أكثر من مرة كان آخرها العام 2009م خلالها تم استخدام الرصاص الحارق و الخارق والقذائف الصاروخية ومختلف صنوف الأسلحة، لقد دفعت صحيفة الأيام صوت من لا صوت له (صوت كل الشع) ضريبة الموقف الشريف الذي انتهجته وسلكته، أليس لكل موقف شريف في هذا الزمن الاستثنائي ثمن باهظ ؟! وهكذا كان ثمن الحرف ثمن الكلمة الصادقة والمعبرة، أليس للحرية ثمن؟!
وهكذا كان ثمن الحرية المال و العرق و الدم والنفس، أيها الراحل نود إخطاركم بأنه قد تم اغلاق ملف قضية صحيفة الأيام الغراء وتحديداً في شهر مارس الفارط ومازال (أحمد عمر العبادي المرقشي ) حارس مبنى صحيفة الأيام يقبع في غياهب السجون وظلمات زنازين المحتل الغازي يعاني مرارة الظلم والطغيان والذي أضحت المطالبة بفكاكه من الأسر مطلباً شعبياً وسياسياً، وكما تعلمون محكوم عليه بالإعدام ظلماً وعدواناً ويعاني من الأمراض، حيث أصدر في 13 يناير 2013م عفو رئاسي برقم ( 329)، أعقبه عفو رئاسي آخر برقم (659) وفي 12 مارس 2013م صدر حكم من قبل جزائية عدن يغلق ملف قضية الأيام الجنائية و المدنية استناداً لما أطلق عليه العفو الرئاسي, بمعنى أن الجلاد الظالم يعفو عن الضحية، وكيف يطلق عليه عفوٌ و مازال المظلوم المرقشي يقبع داخل زنازين سلطة الاحتلال يواجه (حكم إعدام سياسي مع سبق الإصرار و الترصد), ولم تعوض مؤسسة الأيام جراء ما لحق بها من خسائر وأضرار مادية حتى اللحظة ومازالت صحيفة الأيام متوقفة عن الصدور والمؤسسة مؤصدة الأبواب, رحم الله أبا (باشراحيل) رحمة الأبرار فلقد كان نموذجاً ومناضلاً جسوراً لا يكل ولا يمل في مقارعة الظلم ومقاومة الباطل, لقد كان حقاً رجلاً من الطراز الرفيع والعيار الثقيل بكل ما تحمله الكلمات من معان .
أيها الشرفاء، أيها المناضلون، أيها الأوفياء، أيها الشهداء و الفقيدون على مذبح الحرية والاستقلال جميعاً لقد رحلتم في هذا الزمن الاستثنائي و تركتم فراغاً كبيراً في وقت نحن والوطن أحوج ما نكون إليكم وإلى أفكاركم السديدة و آرائكم النيرة ولكن كونوا على ثقة من أن إخوانكم وأبناءكم وأحفادكم وكل أحبتكم على امتداد البيت الجنوبي على دربكم وخطاكم لسائرون وعلى مبادئكم ونهجكم لماضون حتى تنتصر خيارات شعبنا.
الفقيد الغالي لكم السلام وعليكم السلام و إليكم السلام من أخيكم تمّام و الأبناء باشراحيل ومحمد وهاني ومن كافة أفراد الأسرة الكريمة ويقرؤكم السلام الزملاء والأصدقاء و المحبون ومني شخصياً كاتب هذه السطور المتواضعة.
وفي جنات الخلد مع الأنبياء و الرسل والصديقين والصالحين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.