أشك في أن (الخلطة الخمسية) التي ذاع سرّها مؤخراً كخلاصة اتفاق رئاسي يمني مع مكونات في منتجع موفنبيك –صنعاء- بعضها يدّعي تمثيل (شعب الجنوب) زوراً وبهتاناً ، وتدعمها إرادة خارجية سوف تفلح في إمضاء مفاعيلها على أرض الواقع ، ذلك لأني أقطع بأنها ستصاب بعين الكيّال الأعور ، الذي لا يخطئ الحَب المسوّس . يهرب الهاربون من خيار الانفصال وفك الارتباط إلى البحث عن بديل للفيدرالية بإقليمين شمالي وجنوبي بحجة (إريانية* / صالحية*) قديمة بأنها ستكون مقدمة للانفصال ، ويجهل هؤلاء أنها حجة سقطت بالتقادم ولم يعد لها من معنى ، فليس الانفصال خياراً ممكناً – وفق المنظور- ليتم الهروب من الفيدرالية بإقليمين شمالي وجنوبي ، ولا الهروب من هذا الخيار الذي لم يعد حلاً بحد ذاته هو السبيل لجعل الانفصال وفك الارتباط مستحيلا ، ولعل أبلغ تعبير عن هذه الحالة قول شاعرنا البصير البردوني رحمه الله :
أما زلتَ؟ شابت عيالُ العيالْ وأنت تلاحق وعد المِطالْ فلا أمكن الممكن المشتهى إليكَ ولا المستحيلُ استحالْ وكما لم يكن ذهاب (أحمد فريد الصريمة) كاسراً لمؤتمر الحوار الشمالي غير الشامل فلن يكون إياب (محمد علي أحمد) جابراً له ، فكلاهما لا يمثلان الجنوب وقضيته بقدر ما يمثلان أنفسهما ومن يلوذ بهما من أنفار ، وتكرار التعامل معهما من قبل السلطة هو تكرار لسياسة الرئيس السابق علي عبد الله صالح (الاستقطابية الاختزالية) وتكرار استناد الجنوبيين إليها وإلى غيرهما في إطار ما يسمى القيادات التاريخية ليس إلا تكرار لمآس كارثية استمرت منذ 67 وحتى اليوم ، وأحسب أن هذا ما كان يومئ إليه الرئيس علي ناصر محمد في مقابلته الأخيرة مع صحيفة الوسط بالرغم من أنه أحد المحسوبين على القيادات التاريخية .
ولئن صعُب حل الاستحالات آنفة الذكر فمن الأصعب الاستعانة عليها باستحالة أخرى تتمثل في التقسيم الفيدرالي الخماسي ، ذلك مشكوك فيه ولكن القطع يمكن أن يتوجه إلى إمكانية واحدة ووحيدة وليست وحدوية تتمثل في العودة إلى المبادرة (اليمنية) التي تعيد الاعتبار للحراك الجنوبي وترتب أوراق الثورة الشبابية في الشمال ، لا الاستناد إلى تلك (الخليجية ) التي تلفظهما ، والتي تجاهلت الحراك أصلاً وأجهضت انتفاضة الشباب فصلا ، فيما يمضي الحوار وفقاً على أساسها وبناء على برنامجها المزمن تماماً كما مضى قرار الاعتذار للجنوب وصعدة والذي تم تقديمه كما لو كان مقالاً صحفياً باسم (حكومة الوفاق) التي لم تكن طرفاً لا في الحرب على الجنوب ولا على صعدة بل أنّ في أعضائها من يحسبون على القضيتين إيجاباً لا سلباً .
حالة الاستغفال والاستعباط هي التي أوجدت هذه المعطيات المسرطنة و أحدثت كل هذه الاستحالات التي تدفع بعضهم للتفكير بتعويذة ( خمسة وخميسة ) التي قد تستتبع تهماً جاهزة جديدة لرافضها ال (انقسامي)، بعد أن استهلكت تهمة الانفصالية شمالا وتهمة الوحدوية جنوباً وستظهر في السياق العبيط اتهامات (عددية) كأن يقال أنت ثنائي وذاك ثلاثي وذيّاك سداسي ، وأما القاسم المشترك فهي أن الجميع انقسامي ووداعاً للوحدوي والانفصالي .. والجديد في الأمر أن أيّاً من مشاريع الحلول المفترض أن يتمخض عنها مؤتمر الحوار لن يكون بحاجة إلى غطاء سياسي لتمريره بقدر ما سيكون أحوج إلى طائرات من دون طيار أمريكية و (ياسماوات بلادي باركينا) – على حد أعنيه الفنان أيوب طارش عبسي – . لكزة : لن تنفع تعويذة (خمسة وخميسة) وما للحب المسوّس إلا الكيّال الأعور ذلك الذي سيظهر عندما يستنفذ المبصرون أبصارهم والعمي بصيرتهم .. فاعتبروا يا أولي الأبصار و البصائر ..!!
*(إريانية) نسبة إلى عبد الكريم الإرياني وليس إلى جمهورية إيران الإسلامية ، و* ( صالحية ) نسبة لعلي عبد الله صالح وليس صالحي وزير خارجية إيران السابق .