(بعد الاعتذار .... يفتى القاضي حمود الهتار ويتهم هادي بالانفصال ) الانسان كائن تاريخي , يعيش التاريخ كما تعيش الاسماك بالبحر , وليس بمقدوره ان يتملص من هذا القدر اللازب وذلك انه يتصل بكينونته الواعية بالعقل والراشد التي تميزه عن غيره من الكائنات الاخرى التي لا تعي الزمن وصيرورته المستمرة من الماضي والحاضر والمستقبل , مثل الحيوانات التي تعيش حياتها في حاضر مستمر , الانسان وحده مسكون بالذاكرة ثلاثية الابعاد : تذكر الماضي ووعي الحاضر وتخيل وتوقع المستقبل , تلك هي الوظائف الفطرية لما يسمى عقل وعي فكر ذكاء الانسان في وعي الزمان بوصفه تاريخ , بإبعاده الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل , وذلك في بنية عضوية تفاعلية متبادلة التأثير والتأثر انطلاقا من اللحظة الحاضرة , لحظة الوعي الفوري المباشر للناس في حياتهم الاجتماعية الواقعية , اذ كلما كان حاضر حياة الناس حاضرا معافيا سعيدا ومزدهرا كلما قل انهمامهم بالماضي وذكرياته وفي الوقت ذاته يزيد انشغالهم وتفكيرهم بالمستقبل والعكس صحيح , كلما كانت حياة الناس هنا والآن في حاضرهم المعيش حياة بؤس ونكد ونقص وعذاب كلما زاد انهماكهم بالماضي وتذكره بل ومنحه معاني ودلالات لا تاريخية اسطورية .
من هنا يجب علينا النظر الى معنى احتفاء شعب الجنوب المحتل بذكرى تأسيس جيشه الوطني الحديث بعد عقدين من تدميره وجعله أثر بعد عين او ذكرى تبحث عن أثر ودليل يعيد بناء الصورة رمزيا للجيش الذي كان مصدر قوته وفخره وعماد دولته الشمولية الحديثة , هكذا خرج اليوم مئات الالاف من الجنوبيات والجنوبيين في ساحة عروض جيشهم المغدور التي صارت تدعى ساحة الحرية خرجوا ولأول مرة تقريبا منذ غزوة التكفير والاجتياح الشمالي الغاشم للجنوب في 94 م وتدمير مؤسساته ونهبها عن بكرة ابيها واحتلال السيادة الجنوبية بالقوة العسكرية الفجة , بعد عقدين من الحرب والاحتلال ادرك الجنوبيون الخسارة الفادحة التي منيوا بها بتدمير جيشهم العظيم ! .
ان مهرجان اليوم الخاص بتذكار الجيش الجنوبي في ساحة العروض خور مكسر يحمل رمزية بالغة الدلالة لمن يجيد السيمائية , اقصد علم المعاني والرموز .
ان الاحتفال والذكرى والتمثيل الاستعراضي الرمزي في محاكاة وحدات جبش الجنوب الضارب بالزي والشارات والحركات التي كانت ذات يوم هنا حقيقية وصلبة وفاعلة وقوية وقادرة على المناورة والضرب والردع والحماية والاستعراض , هو اكثر بكثير مما فهمه القاضي الشمالي وزير العدل السابق حمود الهتار , الذي لم يستطيع اخفاء وكتم مشاعره الغاضبة من هذا المشهد الجماهيري الجنوبي السلمي الرائع في عاصمة الجنوب عدنالمحتلة وهو المشهود له اقصد القاضي بالحلم والمرونة والاعتدال فضلا عن كونه من اب الخضراء !! . لقد كتب انفعاله بصيغة مركبة من السخرية والغضب والاتهام والحكم والادانة وربما فتوى جديدة بعده من علماء اليمن ! .
اذ كتب بنبرة ساخرة تنم عن سوء فهم واحتقار تهانينا للرئيس ووزير الدفاع والوزراء بالعرض العسكري الانفصالي الذي يجرى الان في خور مكسر بعدن فهذا من منجزاتهم !!! ) .
هذا ما باح به ضمير ولسان القاضي حمود الهتار الذي كان يقال عنه انه اكثر اهل الشمال تعاطفا مع الجنوب وشعبه المقهور كتب ذلك الحكم الفتوى فيما حبر الاعتذار المزعوم لم يجف بعد !! .
ان هذه التغريدة الهتارية تنير المشهد كله وتفصح عن حقيقة الموقف الشمالي برمته , فها هو يخاطب الرئيس عبدربه منصور ووزير الدفاع والوزراء بلغة تهكمية وكأنهم عيال يشتغلون معه بالأجر اليومي بل ويهددهم فضلا عن كونه اعتبر ظهور بعض الجنوبيين في حوش بيتهم , في ميدانهم العام ساحتهم العامة خور مكسر وعاصمتهم عدن هذا الخروج السلمي التمثيلي اعتبره قاضي العدل الهتار جرم وأثم وحرام هو انفصال كما قال ! وكأن ساحة العروض وعدن حق ابوه او حوش بيته , راءيتم استهتار اكثر من هذا !!!.
بينما اراد شعب الجنوب في خروجه اليوم ارسال رسالة الى الشمال من عزيز قوم ذل , رسالة شعب كريم قهر مدفوعا بأمل ان يثير عطفهم ويلفت انتباههم الى حقيقة الجرم الذي ارتكبوه بحقه , تدمير مؤسسته العسكرية واغتنامها , فاذا بالرسالة لم تفهم ابدا لماذا ؟؟ لانهم لا يعترفون بان ثمة شيء اسمه شعب او جيش او ساحة او مدينة جنوبي او جنوبية .
كل ما ليس شمالي فهو باطل وكفر وانفصال . ولا بري في الجنوب حتى الحجار . وكل جنوبي متهم حتى تثبت ادانته . وها هو الهتار يوجه التهمة جهارا نهار للرئيس ووزير الدفاع الجنوبيين ومن في حكمهما بالانفصال !!!! .
الم اقل لكم بانهم سوف يضيقوا بهم ذرعا وليس ببعيد ذلك اليوم الذي تضطر صنعاء فيه الى طرد الدفعة الاخيرة من الجنوبيين وبذلك يسدل الستار على الحلم الذي تحول الى كابوس رهيب .