إنه العام السابع من ثورتنا المباركة وعبثا يتوحد القادة،لقد تركوا جرحاً غائراً في خاصرة الثورة،بسبب خلافاتهم المتكررة،لقد حولو الثورة إلى إنساناً يحتضر،لم يجرؤ أحدا منهم على الاقتراب منه،لم يجرؤ أحدا منهم على حمله إلى مستشفى،لم يفكر أحد بإلقاء القبض على خلافاتهم الهزيلة،بل على العكس من ذلك تماما،لقد هربو جميعا إلى تبريراتهم المعهودة، وذلك كله لأجل التهام العقول والأفكار،بل وصل بهم الحد إلى الغوص في مياه الجماهير كأسماء القرش،يا أسماك القرش اخرجوا من بحرنا ودعونا نتعايش نحن الاسماك الصغيرة،دعونا ننتصر لثورتنا واتركونا نرسم مستقبلنا بأنفسنا. الشعب كان أفضل منهم جميعاً،لقد انحنى على جسد الثورة،يؤانسها ويدافع عنها بشراسة واستبسال،يجب على القادة أن يعترفوا أنهم لم يعودو بشرا،بل صاروا كائنات مذعورة،يجب عليهم أيضا ان يعترفوا أن الشعب وحده كان سلوكه إنسانياً،لإنه برغم ليل التوترات الطويل الذي تعيشه القادة إلا أنه"إي الشعب" لازال يسمع أصوات الجثث المرمية في الساحات وهي تصرخ،لازال يسمع القتلى ينتحبون ويركضون في الشوارع ليلملموا أعضائهم المقطعة أثناء تعذيبهم،لازال يسمع صلوات المقاتلين الشرفاء،وصرير أسنان الجلادين....ويبقى الشعب وحده يعوم فوق بحر من الفولاذ يغلي..بحر العنف والتشريد والقتل الممنهج،ففي الجنوب لم يعد خلاف القادة خبرا،صار خبرا اعتياديا،وصار على عقلك أن يظل مرميا على أرصفة المهاترات عدة أيام كي يصير موتك خبراً...ولكن،لماذا أفتش عن القادة وخلافاتهم؟القادة مجرد قصة عنف اخرى،والخلافات محفورة في ذاكرة الشعب إلى الأبد. لقد انتصف نهار الثورة وعما قريب يسقط فوقنا ليل جديد حاملاً المزيد من الكوابيس...ولا يبقى غير الشعب يمارس طقوس دفن الأموات والاستماع الى معاناتها الاخيرة،بينما يستمر نزيف التوتر والخلاف لدى القادة،حتى ينتهي بنا المطاف الى ان نسقط غرقا في ذات البحر الشديد الغليان،لنختنق بأبخرته السامة...ولن يسجل القادة اي انتصارا تاريخيا سوى الانصات للشعب ساعة الاحتضار...!!فيا شعب الجنوب،يا من تسكبون دمكم سطورا وحروفا،تدخلوا ضد الاسلوب المقيت للقادة،لا ترضوا بأن تضيع دمائكم في سوق خلافاتهم ومهاتراتهم...لأن السيل قد بلغ الزبى ولم يعد بالإمكان أن نصبر اكثر،أو ان نتحمل أكثر،ويجب عليكم أن تعرفوا"أيها القادة" أنه إذا لم تتحدوا فإننا سوف نمارس معكم اسلوب اخر،سنمارس معكم الكراهية لا الحب،البؤس لا الفرح،الكبت لا المعرفة...وصحيح أن المئات من الضحايا سقطوا في غمار ثورتنا السلمية،إلا أن الناس كانو يموتون قبلها بالآلاف:كانوا يموتون قهرا وكمدا وجوعا وبؤساً وفقرا وغضبا وجهلا،كانوا يموتون بصمت..وكانت الشوارع تضم الافا من الأحياء الذين مات في داخلهم شيء أو انكسر وتحولت اجسادهم الى توابيت متحركة تخفي موتها السري.