تصفيات اسيا للمونديال .. الاردن تتأهل للدور الحاسم    زيدان ... أفتقد التدريب    السعودية: غدا الجمعة غرة ذي الحجة والوقوف بعرفة في 15 يونيو    المنتخب الوطني الأول يتعادل مع البحرين في تصفيات آسيا وكأس العالم    الزكري ينال الماجستير بامتياز عن رسالته حول الاستدامة المالية وتأثيرها على أداء المنظمات    أول قائد في القوات العمانية يتحرك بعد انكشاف حالات تعذيب مؤلمة لشبان يمنيين في سلطنة عمان    عدن.. الورشة الخاصة باستراتيجية كبار السن توصي بإصدار قانون وصندوق لرعاية كبار السن    خبراء صحة: لا تتناول هذه الأطعمة مع بعض الأدوية    وزارة النقل توجه بنقل إيرادات الخطوط الجوية اليمنية إلى حساباتها المعتمدة في عدن والخارج مميز    تحت راية العلم اليمني.. عيدروس الزبيدي يرأس "اجتماعا استثنائيا" لمجلس الوزراء وتوجيهات رئاسية توجع الحوثيين    فرقاطة إيطالية تصد هجوماً للحوثيين استهدف السفن التجارية في البحر الأحمر مميز    دعت لإلغاء أوامر الإعدام فورا.. العفو الدولية: الحوثيون يستخدمون القضاء أداة للقمع السياسي    الزُبيدي يرأس اجتماعاً استثنائياً لمجلس الوزراء مميز    تحركات يمنية سعودية عالية المستوى وحدث هام ونوعي في مجلس التعاون الخليجي وقطر بشأن اليمن    الشرعية تؤكد تعذيب الجيش العماني لسبعة يمنيين!!    عودة نظام الرهائن.. مليشيا الحوثي تواصل الضغط على صحفي معارض باختطاف طفله    دول الخليج الغنية تستغني عن الديزل لتوليد الكهرباء ولصوص الشرعية يصرون على استخدامه    ضبط شحنة قطع غيار خاصة بالطائرات المسيرة في #منفذ_صرفيت    نصيحة للجنوبيين.. لا تسقطوا الانتقالي وتستبدلوا الحرية بالعبودية    الاتحاد الدولي لكرة الطائرة: يدعم مشاريع اللعبة في جميع أنحاء العالم    أكثر من 30 شهيدا جراء قصف الاحتلال مدرسة تؤوي نازحين وسط قطاع غزة    عن تجربتي مع الموت!    مشروع "مسام" ينتزع 1.406 ألغام خلال أسبوع زرعتها المليشيات الحوثية الارهابية    إعلان حوثي بشأن موعد استئناف الرحلات الجوية من مطار صنعاء إلى الأردن    الوحدة التنفيذية للاستيطان اليمني    لماذا الآن تفجير الصراع في حضرموت عبر "قوات درع الوطن"    محمد بن زايد.. رسائل من الشرق    جيسوس يفوز بجائزة الافضل في الدوري السعودي لشهر مايو    مأساة في تعز: غرفة النوم تتحول إلى فخ قاتل لعائلة    تحريك قوات درع الوطن في حضرموت يرفع منسوب التوتر بين الانتقالي الجنوبي والشرعية اليمنية    هل تُكسر إنجلترا نحس 56 عامًا؟ أم تُسيطر فرنسا على القارة العجوز؟ أم تُفاجئنا منتخبات أخرى؟ يورو 2024 يُقدم إجابات مثيرة!    رسالة رادعة: القصاص الشرعي رمياً بالرصاص لمدانين بجرائم قتل في عدن    نقابة المهن الفنية الطبية في تعز تدين الاعتداء على رئيسها وتدعو لمحاربة الفساد    محافظ عدن أحمد لملس يتفقد أوضاع الأسر المتضررة من انهيار مبنى في كريتر    "صخب الرصاص: معارك مستمرة تستعر في مواجهة الحوثي بأبين"    السعودية توجه رسالة وصفعة كبيرة للحوثيين بعد قيامها بأمر هام في البحر الأحمر    ليست صراع بنوك...خبير اقتصادي يكشف مايجري بين البنك المركزي بعدن وبنوك صنعاء    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 36586 شهيدا و 83074 جريحا    السفير اليمني يزور المنتخب قبل مواجهة البحرين    في وداع محارب شجاع أسمه شرف قاسم مميز    الوزير الزعوري يدعو المنظمات الدولية لدعم الحكومة في تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لكبار السن    تقرير أممي: أكثر من 6 ملايين شخص في اليمن بحاجة لخدمات المأوى هذا العام مميز    مدير منفذ الوديعة يعلن استكمال تفويج الحجاج براً بكل يسر وسهولة    عصابات فارس مناع تعبث بالآثار في إب لتهريبها للخارج    التأثيرات السلبية لقراءة كتب المستشرقين والمنحرفين    العشر الأوائل من ذي الحجة: أفضل أيام العبادة والعمل الصالح    إنهيار منزل من 3 طوابق على رؤوس ساكنيه بالعاصمة عدن    لم تستطع أداء الحج او العمرة ...اليك أعمال تعادل ثوابهما    ارتفاع حالات الكوليرا في اليمن إلى 59 ألف إصابة هذا العام: اليونيسيف تحذر    يكتبها عميد المصورين اليمنيين الاغبري    من جرائم الجبهة القومية ومحسن الشرجبي.. قتل الأديب العدني "فؤاد حاتم"    سلام الله على زمن تمنح فيه الأسماك إجازة عيد من قبل أبناء عدن    أغلبها بمناطق المليشيا.. الأمم المتحدة تعلن ارتفاع حالات الإصابة بالكوليرا في اليمن    وكالة المسافر للحج والعمرة والسياحة بحضرموت تفوج 141 حاجاً إلى بيت الله    وفاة ضابط في الجيش الوطني خلال استعداده لأداء صلاة الظهر    5 آلاف عبر مطار صنعاء.. وصول 14 ألف حاج يمني إلى السعودية    خراب    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار هادئ مع الشيخ عبدالمجيد الزنداني (2).. البعد «الزمكاني» في تصريحات الشيخ
نشر في الأهالي نت يوم 10 - 10 - 2013

قال لي أحد الزملاء المحبين للشيخ الزنداني لقد عهدتك موضوعيا في كل كتاباتك وأتمنى أن لا تنجر -بوعي أو بدون وعي- خارج سياق الموضوعية والبحث العلمي مصطفا مع أولئك الذين يتصيدون كلمات الشيخ الزنداني وبدلا من أن يفندوها أو حتى يكتفوا برفضها ويعتبرونها خطأ يبحثون عن دوافعه لهذا الحديث وأهدافه ولماذا قال ما قال في هذا التوقيت بالذات؟.... الخ، يا أخي الشيخ الزنداني قال: "إن آل البيت أو الهاشميون قد ظُلموا بعد ثورة 26 سبتمبر" وان هذا الظلم أو حتى شعورهم به هو أحد أسباب ظهور حركة الحوثي ومشكلة صعدة وهو ما قاله قبل الزنداني والعديد من الهاشميين وغير الهاشميين، أين المشكلة هنا: أما أن يكون ما قاله الزنداني صحيحا أو خاطئا، ومن حقكم كباحثين أن تتحققوا من صحة هذه المقولة أو عدمها، فإذا ثبت صحتها فالأولى بكم أن تعتذروا للشيخ الزنداني وتجهروا بكلمة الحق كما جهر بها وتنضموا إليه في المطالبة بإنصاف هؤلاء مثلما فعلتم وهو معكم مع أبناء الجنوب، وان ثبت انه لم يكن هناك مظالم فقولوا للشيخ لقد أخطأت ولعلك صدقت ما يقوله بعض الهاشميين ولا داعي لإثارة قضية غير موجودة.
الفرق بين القضايا العلمية والاجتماعية
قلت لزميلي، لو أن المؤتمر الذي دعي له الشيخ الزنداني -الذي نكن لشخصه كل الود والاحترام- كان يتعلق بآخر أبحاثه العلمية ومكتشفاته الطبية والعلاجية، ثم تحدث في المؤتمر عن اكتشافه العظيم في علاج مرض العصر "الإيدز" وعدد الذين قضوا أو شُفوا من استخدامهم لهذا العلاج!، واكتشافاته الأخرى في علاج بعض الأمراض المستعصية كالسرطان والسكري وحتى الأنفلونزا، لو كان الأمر على هذا النحو لما كان بوسعي أو وسع غيري إلا أن نفعل ما ذكرت نأخذ ما قاله الزنداني ثم نختبره بالمعايير العلمية والتجريبية المعروفة من خلال استعانتنا بالمختصين من أهل الطب والصيدلة والعلوم، ثم نترك لهم الحكم على مقولات الزنداني العلمية والتي لن تخرج عن كونها: إما صحيحة أو خاطئة، ذات قيمة أو غير ذات قيمة، مفيدة أو ضارة، وصاحبها في كل الأحوال لن يحرم من اجر الاجتهاد ومحاولة خدمة البشرية، ما لم يكن قد ألحق إضرارا بأحد لان الطبيب ضامن كما في شريعتنا الإسلامية، لكن الشيخ يا صديقي كان يتحدث عن صعدة وال البيت والمظالم التاريخية التي لحقتهم بعد ثورة سبتمبر وإعطاءهم خمس الخمس من ثروات اليمن بالإضافة إلى الجنوب ومؤتمر الحوار والدستور... الخ.
أي أنه كان يتحدث في صلب قضايا المجتمع والسياسة، وهنا وخلافا للقضايا العلمية وحتى الفلسفية أو الأدبية التي يمكن أن نحكم على صحتها أو بطلانها بمعايير المنطق والاستدلال والتجربة، بغض النظر عن هوية قائلها وزمنه وجغرافيته، فان قضايا الفكر والسياسة والمجتمع ينبغي أن تقرأ في إطار السياق الزماني والمكاني التي قيلت فيه وهو ما يسميه المفكر الإيراني علي شريعتي "جغرافية الكلمة"!
فالبعدين الزماني والمكاني ويمكن دمجهما في بعد واحد نسميه اختصارا البعد "الزمكاني" مهم جدا لفهم ومعرفة الكثير من أبعاد ودلالات القضايا الاجتماعية والدينية التي تطرحها النخب الدينية والسياسية اليوم، وإلا سنظل عاجزين عن إدراك مفهومها الواقعي ما دمنا نصر على انتزاعها من جسدها الحي أي بيئتها الاجتماعية وظرفها الزماني وضمير المرحلة التي ظهرت فيها وروحها، وكلها جزء لا ينفصل منها، وننظر إليها في صورة موضوع مستقل ومجرد وعلمي، فالقرينة الجغرافية والزمانية ينبغي أن تتدخل مباشرة في الحكم على القضايا الاجتماعية "لأنه أحيانا كما يقول المفكر الإسلامي الإيراني علي شريعتي" تكون قضية ما صحيحة في حد ذاتها ومنطقية ومعقولة وذات قيمة ويكون طرحها في أرضية معينة وفي زمان معين مرضا وانحرافا وتصير فسادا وكارثة، وعلى العكس تكون قضية ما خرافة في حد ذاتها ولا منطق لها وغير صحيحة من وجهة نظر الواقع الفلسفي والعلمي أو الفني والأدبي بل وتكون سيئة ومبتذلة، قد تكون في أرضية معينة وفي زمن معين عاملا ايجابيا بناءا"(1).
والأمثلة على ذلك كثيرة في أحداث التاريخ القديم والحديث، تأمل مثلا إلى شعار ومقولة الخوارج الشهيرة "إن الحكم إلا لله" هل يمكن أن يعترض عليها أحد كعبارة مجردة عن ظرفها الزماني والمكاني؟ لكن عندما نقرأها في سياقها الزماني والمكاني ومآلاتها في الواقع العملي فسنجد أنها كانت بالفعل كما قال الإمام علي رضي الله عنه: "كلمة حق يراد بها باطل" ولاحظ هنا انه قال يراد بها بمعنى أن أصحاب المقولة أنفسهم ليس بالضرورة أنهم يريدون باطل، لكن إغفالهم لجغرافية الكلمة يجعلها تحقق الباطل على أيديهم أو أيدي غيرهم، وهو ما كان فقد قتل علي باسم هذا الشعار، وهكذا في كل القضايا والأفكار ذات الصلة بالبعد السياسي.
قرار البابا بتبرئة اليهود والاعتراف بمظلوميتهم!
وحتى نفهم خطورة قراءة الأحداث والأفكار ذات الصلة بالمجتمع والسياسة مجردة عن جغرافيتها التاريخية، يمكن أن نشير إلى قرار بابا المسيحية والكنائس الغربية عام 1960م بتبرئة اليهود من مقتل المسيح والاعتذار لهم عن ما لحقهم من اضطهاد من الغرب المسيحي، فكيف يفترض أن نقرأ نحن المسلمين -أو حتى المنصفين من غير المسلمين- هذه القضية؟ يتحدث علي شريعتي عن قراءته للحدث مجردا ثم قراءته مقترنا بجغرافيته التاريخية فيقول: "لقد كرهت دائما حقد المسيحيين المتعصب الوحشي على اليهود، بتهمة احتمال اشتراك عدد من اليهود في قتل المسيح، فيعتبر جنس كامل قاتلا للمسيح، وتعرض كل الأجيال طوال التاريخ للتعذيب والأذى غير الإنساني، ثم الانشغال على مدى ألفي عام بالمذابح الوحشية ضد اليهود، وزرع الحقد ضد اليهود في قلوب الأطفال المسيحيين على هذا الاتهام، وتشكيل الحركات اللاإنسانية المضادة للسامية، هذه الفكرة البلهاء الوحشية، كنت مثل كل المفكرين والإنسانيين أتمنى أن يحكم الكنيسة أحد الباباوات المستنيرين ويمحو هذه الوصمة القذرة الخرافية عن ذيل الديانة المسيحية ويبرئ جنسا من عواقب اتهاماتهم به أفراد منه منذ حوالي ألفي عام.
وتحقق هذا الأمل فالبابا المستنير عقد جلسة رسمية مع كرادلة العالم في روما، وأشترك أعظم أقطاب الدين المسيحي من المذاهب المسيحية الأخرى لأول مرة، ولم يعتبر العرق اليهودي متهما في قتل المسيح بذنب اشتراك عدد من اليهود فيه، ليس هذا فحسب، بل أعلن رسميا أن هذا النفر لم يشترك أصلا في قتله، قرار ثوري وإنساني، مجلس المسيحية بحث في ملف قضية قتل عيسى الذي قدم منذ ألفي عام وبرأ الجنس اليهودي، لكني حين أسمع كلمة الحق هذه من فم البابا يبوس الثاني عشر سنة 1960م في إطار جغرافية: فلسطين -إسرائيل -الصهيونية -العرب -الاستعمار، والإسلام والمسيحية واليهود وبيت المقدس وقناة السويس، وعبدالناصر وبن جوريون، وأمريكا والفاتيكان وتل أبيب والشرق والغرب، والرأسمالية والاشتراكية والعالم الثالث والثورات التحررية المضادة للاستعمار.
لا أستطيع أن أخلص خناق فكري من مخالب هذا السؤال: هل مؤتمر الفاتيكان وفتوى البابا بتبرئة اليهود بلا ارتباط بما يجري الآن في فلسطين، وبالعلاقة الخاصة بين الغرب وإسرائيل، وبالتالي بين المسيحية واليهودية في مواجهة الإسلام وفلسطين؟"(2)
واقع الحوثيين اليوم: ظالمين أم مظلومين؟
أختتم فيلسوف الثورة الإيرانية مثاله السابق بالقول: "ومن هنا فهناك قاعدة: انه خلافا للفلسفة والعلوم ينبغي في المجتمع والسياسة أن لا نخدع بحقانية فكرة ما بل يجب أن نزنها بالظرف الاجتماعي، نفس ما عبر عنه الإمام علي الذي كان هو نفسه ضحية لهذه الحقائق المغرضة في هذه العبارة البسيطة جدا والكاملة في نفس الوقت "كلمة حق يراد بها باطل".
ومن هذا المنطلق ينبغي أن نقرا حديث الشيخ الزنداني عن مظلومية آل البيت، فالشيخ كان يتحدث عن مشكلة صعدة التي يسطر عليها الحوثيون الذين برروا انطلاقتهم بالظلم الذي تعرض له أهل البيت دعونا نعتبر أن أهل البيت قد ظلموا فعلا في صعدة بعد قيام ثورة سبتمبر1962 وأن الحروب الستة التي خاضوها مع الدولة خلال الفترة (2004 - 2010م) كانت ظلما لهم، وتعالوا ننظر واقع الحوثيون منذ انتهاء الحرب السادسة؟ لقد خرج الحوثيون من تلك الحروب وهم أكثر قوة ويمتلكون ترسانة أسلحة ضخمة بكافة أنواعها، وفور انطلاق ثورة الشباب في فبراير/شباط 2011، أعلن الحوثيون انضمامهم إليها، يحدوهم الأمل في الخروج من طوق العزلة المفروضة عليهم، وكسر الصورة النمطية عنهم لدى المجتمع كجماعة متمردة، لكسب مزيد من التأييد الشعبي داخليًّا.
وكذلك لكي لا يتركوا القوى الأخرى تنفرد بترتيب ما بعد مرحلة سقوط النظام، وقد رحبت قوى الثورة بانضمام الحوثيين للاعتصامات السلمية في ساحات وميادين الثورة الشبابية باعتبارها خطوة أولى ليتعلموا النضال السلمي ويتخلوا عن استخدام العنف الذي ميز حركتهم منذ نشأتها، بيد أن آمال الجميع تبخرت بعد أشهر من اندلاع الثورة، فحسابات الحوثيين على ما يبدو تغيرت بعد إعلان اللواء علي محسن الأحمر قائد المنطقة الشمالية الغربية قائد الفرقة الأولى المدرعة وأحد أبرز القيادات العسكرية ذات النفوذ الواسع في اليمن انضمامه إلى الثورة الشبابية السلمية وتعهده بحمايتها حتى تحقق أهدافها الوطنية المشروعة وذلك في 21 مارس 2011م وهو الشخص الذي كانوا يعتبرونه المسؤول الأول عن الحروب التي شُنَّت ضدهم، وكذلك بعد ظهور حزب الإصلاح (الإخوان المسلمون) وأبناء الشيخ الأحمر، المنافسين التقليديين لهم، كقوى رئيسية تقود الثورة وكوَرَثة محتملين للنظام الحاكم.
ولخشية الحوثيين من سيطرة هذه القوى الثلاث على النظام في مرحلة ما بعد صالح، ازدادوا تشبثا وإيمانا بقوتهم العسكرية التي اكتسبوها خلال حروبهم الست مع النظام، وبدءوا بالتحرك العسكري وفق إستراتيجية الضربات الخاطفة لتحقيق مكاسب سريعة وخلق واقع جديد على الأرض، منتهزين الإنهاك المتبادل لخصومهم: النظام والمعارضة، وظلوا يسابقون الزمن أثناء المفاوضات حول المبادرة الخليجية، للتوسع العسكري على الأرض في محاولة لكسب أوراق جديدة استعدادًا لمرحلة ما بعد صالح، وجعل وجودهم أمرا واقعا لا يكون أمام القوى الداخلية والخارجية المناوئة لهم سوى قبوله والتعامل معه. وكانوا يهدفون إلى أن يكونوا على المدى القصير القوة الأولى في تلك المناطق، وإرغام القوى السياسية على القبول بنظام المحاصصة كما هو حاصل في لبنان. وفي حال انهارت عرى الدولة يكونون قادرين على إعلان حكم ذاتي في المناطق التي يسيطرون عليها، لتشمل فيما بعد مناطق النفوذ التقليدية للمذهب الزيدي، ثم تكون مركز انطلاق فيما بعد للسيطرة على باقي المحافظات الشمالية في تكرار لنماذج تاريخية سابقة.
اعتداءات "المظلومين" على أبناء اليمن
هكذا بدأ "المظلومين" من آل البيت في صعدة، يتقمصون دور ظالمهم "النظام السابق" وبدأو يعلنون الجهاد ويغزون مناطق صعدة والمناطق المجاورة لها وهم يرددون الصرخة "الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود"!.
فبعد ثلاثة أيام فقط من إعلان اللواء علي محسن انضمامه للثورة سقطت محافظة صعدة بأيديهم في 24 مارس 2011، وقاموا على الفور بتعيين فارس مناع أحد كبار تجار السلاح المقرب منهم محافظا لصعدة بعد فرار المحافظ السابق إلى صنعاء، كما احكموا قبضتهم على كل مؤسسات الدولة في المحافظة وأقاموا فيها ما يشبه الحكم الذاتي، وصل إلى تغيير مناهج التعليم في المدارس الحكومية، ولم يتبق خارج سيطرتهم المذهبية والعسكرية سوى دار الحديث بدماج، حيث قاموا بفرض حصار خانق علي المعهد والمنطقة التي يقع فيها من يوم الخميس 22 ذو القعدة 1432ه حتى 27 محرم 1433ه، منعوا فيه دخول المواد الغذائية والأدوية ودخول الطلبة المستجدين، وخروج الحجاج للحج.
وقد حصلت عدة مواجهات بين الحوثيين والسلفيين سقط فيها عشرات القتلى ومئات الجرحى، ورغم رفع الحصار وتوقف المواجهات إلا أنها لا تزال تتكرر بين آونة وأخرى، لقد أشعل الحوثيون 11 حربا ضد المواطنين في محافظة صعدة، هي كالتالي: حرب آل الحماطي، باقم، بني عوير، حرب دماج وحصارها، رحبان وبيت مجلي، مديرية غمر منطقة علي ظافر، حرب ضد عياش في مديرية منبه، حرب مجز، حرب ضد ابن الأصنج، رازح حروب خاضوها ضد قبائل بني معين والنظير، والحرب على يحيى قروش وأصحابه.
وبعد تحقيقهم لهذا النجاح السريع والسهل في محافظة صعدة، اتجهت أنظارهم إلى محافظة الجوف المجاورة، ليخوضوا فيها ستة حروب على مناطق مختلفة من المحافظة، بهدف السيطرة على مراكز القوة فيها، قبل أن تتوقف باتفاق مرحلي.
لم يقبل به الحوثيون إلا بعد أن تكبدوا خسائر فادحة، (تشير بعض المعلومات غير الرسمية إلى سقوط 700 قتيل من الحوثيين في معارك الجوف)، لكنهم مع ذلك لم يتوقفوا عن محاولات التوسع بالقوة العسكرية في محافظات أخرى، ففي محافظة حجة شنت جماعة الحوثي سبعة حروب في مناطق: عاهم والقرى المجاورة، مزرعة، سودين، المندلة من الجهة الشرقية، وادي غامس، مستبأ، وشحة، ثم انتقلت مليشيات الحوثي إلى محافظة عمران لتشعل فيها أربعة حروب، الأولى في مديرية حرف سفيان، والثانية في مدينة ريدة، والثالثة في المدان بمديرية الأهنوم، والرابعة في العصيمات.
ولولا المقاومة الشديدة التي وجدوها من القبائل في هذه المناطق، لكانت سقطت بأيديهم، ليصبح الحوثيون قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمهم في الحصول على منفذ بحري على شاطئ البحر الأحمر.
لقد رفض الحوثيون المبادرة الخليجية وما يترتب عليها لكنهم شاركوا في الحوار الوطني، واستطاعت جماعة الحوثي أن تحصل على عدد 35 مقعدا من مقاعد الحوار الوطني، وأصبحت جماعة الحوثي الوحيدة التي تمثل صعدة في مؤتمر الحوار الوطني، وتم استبعاد أبناء صعدة المتضررين من الحوثي في هذه اللجنة التي تعني باقتراح الحلول لقضية صعدة، كما استمرت معارك مليشيات الحوثي التوسعية في أكثر من منطقة وآخرها على الرضمة والعصيمات ودماج، لتكون جماعة الحوثي قد خاضت أكثر من 30 حربا ضد المواطنين -بعد الحروب الستة التي خاضتها ضد الدولة.
خلال فترة بسيطة لا تزيد عن عامين؛ وحسب تقرير صادر عن منظمة وثاق الحقوقية، فقد سقط خلال هذه الحروب الكثير من الضحايا الأبرياء، وتم تسجيل الكثير من الاعتداءات حيث بلغت أكثر من (4866) حالة اعتداء على المواطنين.
ثم ماذا بعد؟
التقى الحوثيون بالسفير السعودي وهناك أنباء عن اعتماد مخصص مالي كبير للحوثيين وإعادة رواتب المشائخ الموالين للحوثي والتي كانت المملكة قد أوقفتها في السنوات السابقة، وفي مثل هذه الأجواء يجمع الشيخ عبدالمجيد الزنداني العلماء والمشايخ في مؤتمر حافل يوم الخميس 26 سبتمبر لا ليتحدث بكلمة واحدة عن ذكرى "سبتمبر" وثورته الخالدة وشهدائه الأحرار، بل ليقول كلمةً جعلت محبيه يرددون بأسى وبصوت خافت "ليته سكت"! كلمة لم يجرؤ على القول بها أمام وسائل الإعلام حتى بدر الدين الحوثي نفسه! قال الزنداني بالحرف الواحد كما هو منشور على موقع "الصحوة نت"، "وعن المشاكل في صعدة أكد الزنداني أنها بسبب الظلم الذي حصل لآل البيت بعد ثورة 26 سبتمبر" ا.ه.
هنا نجد أنفسنا مضطرين لنخاطب الشيخ الزنداني: على رسلك يا شيخ ما هكذا تورد الإبل، حتى لو سلمنا جدلا بمظلومية آل البيت بعد الثورة وان هذه القضية باتت من المسلمات التي لا يختلف عنها اثنان، وأن الحوثيين هم ممثلي آل البيت وان حركتهم انما جاءت لرفع الظلم عنهم، فإن حديثك اليوم عن مظلومية آل البيت جاءت في غير زمانها ومكانها وأقل ما يمكن أن يقال عنها"كلمة حق يراد بها باطل"، ولكن عليك أن تعلم أن مقولتك إذا كانت "كلمة حق" فانك ستكون أول المدانين والمسئولين أمام الله والتاريخ عن هذه المظالم التاريخية التي لحقت بطائفة من الشعب كان الواجب الديني والوطني والأخلاقي يحتم عليك الدفاع عنها بحق الإسلام وبحق انتسابهم للنبي كما قلت مؤخرا، منذ بدأت هذه المظالم بعد ثورة سبتمبر أي قبل نصف قرن هو عمر مشوارك الدعوي والسياسي الذي بدأ مع قيام الثورة أي مع بدء الظلم ضد آل البيت!
أليس من حق الناس أن يتساءلوا: أين كان الشيخ حفظه الله ولم سكت طوال خمسين عاما هي فترة مظلومية آل البيت في اليمن؟، بل كيف رضي ضميره الديني أن يتحالف ويؤيد الرئيس السابق وهو المسئول الأول عن ظلم آل البيت وفي أكثر أنواع الظلم الذي تعرضوا له وهي الحروب الستة، بل إنه عقد مؤتمرا لعلماء ومشايخ اليمن في 2009م، وحينها سألهم من منكم مع الحسم العسكري؟ فرفعوا أيديهم بالموافقة، وكان المفترض أن يتذكر مظلومية "آل البيت" ويقول لهم أخطأتهم! ما هكذا ينبغي أن نتعامل مع أبناء رسول الله! ولقد خطب الشيخ ذات جمعة في دار الرئاسة أمام رئيس الجمهورية أثناء حربه السادسة في صعدة وشبهه بالخليفة العادل عمر بن الخطاب! وكان الواجب الديني يحتم عليه أن يشبهه بيزيد قاتل ابن رسول الله كما كان يشبهه المظلومين من آل البيت في صعدة "الحوثيين"!
أما حديثه عن مظلوميتهم اليوم وقد أصبحوا ظالمين، فهذا يعني بالضرورة أن الشيخ لم يقف يوما مع المظلومين قط، فقد كان مع الرئيس السابق عندما كان ظالما والحوثيين مظلومين بشهادته اليوم، واعترف اليوم بمظلومية الحوثيين وطالب بإنصافهم بعد أن أصبحوا ظالمين، بشهادة الواقع وعشرات آلاف النازحين والضحايا في كل مكان، فهل ينتظر المظلومين من أبناء صعدة -ضحايا الحوثي- حتى يصبحوا ذات يوم ظالمين ليعترف شيخنا الفاضل بمظلوميتهم؟!
إن تأخير كلمة الحق عن وقتها خصوصا من قبل من يتصدروا للعلم والفتوى وقيادة الجماهير، هي مأساة وكارثة لا تساويها أو تتفوق عليها إلا قول هذه الكلمة في غير زمانها ومكانها، ذلك أن كلمة الحق عندما تطرح في غير سياقها تقتل نفسها، هذا إذا ما سلمنا جدلا بأن ما قاله الزنداني عن مظلومية الهاشميين أو آل البيت كما أسماهم الشيخ هي كلمة الحق لأنهم كانوا بالفعل مظلومين منذ ما بعد قيام النظام الجمهوري عام 1962م، أما إذا لم يكونوا كذلك فإننا لن نكون أمام "كلمة حق يراد بها باطل "وإنما أمام" كلمة باطل يراد بها باطل"!، فهل الثورة والنظام الجمهوري ظلما الهاشميين بالفعل أم أن الإمامة هي من ظلمتهم كما ظلمت غيرهم من اليمنيين؟ وما هي هذه المظالم التي يتحدث عنها دعاة وأنصار الإمامة منذ ظهور حركة الحوثيين ورددها الشيخ الزنداني في تصريحاته الأخيرة؟، هذا ما سنتناوله في الحلقة القادمة إن شاء الله..
-----
الهوامش:
1- د/ علي شريعتي، "العودة إلى الذات"، ترجمة د/ إبراهيم الدسوقي شتا، الزهراء للإعلام العربي. ص246.
2- المرجع السابق، ص265.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.