استدرجوه من الضالع لسرقة سيارته .. مقتل مواطن على يد عصابة ورمي جثته في صنعاء    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    نقطة أمنية في عاصمة شبوة تعلن ضبط 60 كيلو حشيش    مركز الإنذار المبكر يحذر من استمرار تأثير المنخفض الجوي    مليار دولار التكلفة الأمريكية لإحباط هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    إنهم يسيئون لأنفسم ويخذلون شعبهم    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    طاقة نظيفة.. مستقبل واعد: محطة عدن الشمسية تشعل نور الأمل في هذا الموعد    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    الحكومة تطالب بتحرك دولي لوقف تجنيد الحوثي للأطفال تحت غطاء المراكز الصيفية    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    الدوري الاوروبي ... ميلان وليفربول يودعان البطولة    الدوري السعودي ... الشباب يكتسح ابها بخماسية    "لا حل إلا بالحسم العسكري"..مقرب من الرئيس الراحل "علي صالح" يحذر من مخيمات الحوثيين الصيفية ويدعو للحسم    "طاووس الجنان" و"خادمة صاحب الزمان"...دعوة زفاف لعائلة حوثية تُثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مافيها(صورة)    "ابتزاز سياسي واقتصادي للشرعية"...خبير اقتصادي يكشف سبب طباعة الحوثيين للعملات المزيفة    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    إصابة 3 أطفال بانفجار مقذوف شمالي الضالع    انطلاق أعمال الدورة ال33 للمؤتمر الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) لأفريقيا    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    لجنة الطوارئ بمأرب تباشر مهامها الميدانية لمواجهة مخاطر المنخفض الجوي    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة الى 33.970    مصرع وجرح عدد من العناصر الإرهابية على يد القوات الجنوبية بوادي عومران    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    سقوط 9 مدنيين في الحديدة بسبب الألغام ومخلفات الحرب خلال مارس الماضي مميز    الرئيس: مليشيا الحوثي تستخدم "قميص غزة" لخدمة إيران ودعم الحكومة سيوقف تهديداتها    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    إسقاط طائرة تجسس حوثية في شقرة بمحافظة أبين    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    دراسة: اقتصاد العالم سيخسر 20% بسبب التغيرات المناخية    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    أضرار مادية وخسائر بشرية بسبب الفيضانات شرقي اليمن وإغلاق مدينة بالكامل    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    ليلة للتاريخ من لونين.. وخيبة أمل كبيرة لهالاند    أهلي جدة: قرار رابطة الدوري السعودي تعسفي    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    اليمن: الكوارث الطبيعية تُصبح ظاهرة دورية في بعض المحافظات الساحلية، ووزير سابق يدعو لإنشاء صندوق طوارئ    مأساة إنسانية: صاعقة رعدية تُفجع عائلتين في تعز    على رأسهم مهدي المشاط ...ناشطة حوثية تدعو إلى كسر الصمت حول قضية السموم الزراعية في اليمن    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مظلومية «آل البيت» بين الامامة والجمهورية، حوار هادئ مع الشيخ الزنداني (3)
نشر في الأهالي نت يوم 27 - 10 - 2013

في رده على الحلقة الأولى قال الأستاذ محمد العمراني، مدير مكتب الشيخ الزنداني: " الشيخ الزنداني عندما قال إنه وقع شيء من الغمط على من ينتسب لآل البيت بعد الثورة فالشيخ قد عاصر هذه الأحداث وقد رأى بعض هذا الغمط بعينه، ولكن هذا لا يعني أنه لم تحدث مظالم من الملكيين والهاشميين وإلا لماذا قامت الثورة أصلا!؟" والرد على هذا تناولناها في الحلقة الثانية قبل أن نقرأ رد مدير المكتب، إذ نحن لم نعايش تلك الفترة التي عايشها الزنداني ولا نستبعد أن يكون قد حصل ما قاله الزنداني ولكن اعتراضنا على توقيت هذه الشهادة التي أدلى بها الزنداني وما علاقتها بما يحدث في صعدة والحوثيين اليوم، فضلا عن أن حديث أنصار الإمامة عن مظلومية آل البيت لم يتوقف منذ ظهرت حركة الحوثي، ولهذا لا غرابة إن وجدنا الحوثيين وأنصار الإمامة البائدة هم وحدهم دون غيرهم من فرحوا بحديث الشيخ الزنداني عن مظلومية آل البيت بعد الثورة وإن أظهروا خلاف ذلك، لقد حاولوا ايجاد مبرر أخلاقي لحركة التمرد الحوثية منذ بدء مواجهاتهم مع الدولة في 2004م فلم يجدوا غير التسويق لخرافة مظلومية آل البيت منذ قيام الثورة، لكنهم لم يستطيعوا إقناع أحد بهذه المظالم المزعومة فالجنوبيون مثلا عندما يقولون إنهم تعرضوا للظلم والاقصاء والتهميش بعد حرب صيف 1994م يأتون بآلاف الأدلة التي لا يستطيع أحد كائنا من كان انكارها: آلاف المطرودين من أعمالهم المحالين إلى التقاعد المبكر، حرمانهم من الترقيات، نهب الأراضي، حل المؤسسات العامة.. الخ، فهل يستطيع أحد أن يزعم أن جزءا يسيرا من هذا الظلم قد تعرض له الهاشميون بعد ثورة سبتمبر؟، لهذا فإن حديث الزنداني شهادة سيظلون يستدلون بها عقودا إن لم يكن قرونا من الزمن باعتبارها شهادة من خصم وعدو كما كانوا ولا زالوا رغم شهادته يعتبرونه والحق ما شهدت به الأعداء!.
ورغم أنعدد من الكتاب المنتمين لحركة الحوثي قد سخروا مع الساخرين من مقترحات الزنداني لكن شيئا لم يستطيعوا إخفاء فرحتهم به هو حديث الزنداني عن ظلم آل البيت بعد الثورة، فقد كتب عبد الكريم الخيواني في صفحته على الفيسبوك معترضا على مقترح الزنداني اعطاء آل البيت الخمس، مؤكدا أن اعتراف الزنداني بمظالم آل البيت في الشمال بعد الثورة يحسب له! هكذا ولأول مرة يعترف الخيواني بفضيلة للزنداني وهو الذي لم ير فيه صوابا طول عمره!، لكنه أبدى اعتراضه على الحلول التي قدمها وهي اعطاءهم الخمس لأن آل البيت لا يبحثون عن مكاسب شخصية وقد حكموا ولم يخصصوا لآل البيت الخمس حسب قوله، وما تحفظ عليه الخيواني أيده بشدة الدكتور المرتضى إبراهيم بن زيد المحطوري، مؤكداً أن رؤية الزنداني بادرة طيبة تُحمد له. وقال المحطوري -أحد أبرز مراجع الزيدية الهادوية في اليمن- في تصريح ل"اليمن اليوم": "لقد أصاب الشيخ عبدالمجيد الزنداني في ما قاله مائة في المائة، وشخصياً أحمد له هذا الموقف، ولن نجافي الصواب إذا ما قلنا بأنه -الزنداني- لا يحقد وأنه أجود من غيره، وقد أكد هذا في وقت سابق الوالد علي بن يحيى العماد" (1).
لهذا رأينا أن نتحدث بشيء من التفصيل على واقع الهاشميين في عهد الإمامة وفي عهد الجمهورية لنرى أي ظلم لحق الهاشميين في العهدين، وهذا ليس ردا على الشيخ الزنداني ولكنه رد على دعاة الإمامة الذين يدندنون منذ سنين بمظلومية آل البيت ويريدون اليوم استغلال إشارة الزنداني رغم أنه لا يعني ما يريدون ترسيخه في وعي الناس.
ظلم الإمامة للهاشميين
من الخطأ الفادح أن نسعى للمقارنة بين ما تعرض له الهاشميين أو آل البيت من غمط بعد الثورة وما قام به الإماميون من ظلم للشعب أثناء حكمهم ليس فقط لأنه "لا تزر وازرة وزر أخرى" وأن الظلم لا يبرره الظلم وانما لأن مثل هكذا كلام يوحي بأن الهاشميين هم من كانوا يحكمون قبل الثورة التي جاءت فقط لتنزع الحكم منهم وتعيده للقحطانيين، وهذا خلط وتشويه متعمد من قبل دعاة الإمامة للتقليل من عظمة الثورة الانسانية في 26 سبتمبر1962، والتقليل من جرائم نظام الإمامة الكهنوتي.
مأساة الهاشميين المخالفين للأئمة بالمذهب
الحق الذي يشهد به التاريخ ويقره كل المنصفين أن الأئمة وإن حكموا باسم آل البيت لكن آل البيت كانوا فقط مجرد واجهة وشعار، إذ حصروا المسمى على أنفسهم، لقد طرح ابن الأمير سؤال: من هم آل البيت؟ ثم طرح الاجابات المختلفة التي تبدأ بأمة محمد وتنتهي بعلي وفاطمة ومن تناسل منهم فقط، ثم أخذ بالرأي الأخير الذي يتكئ عليه متعصبي الهادوية، وتساءل عن ذرية الحسن والحسين وكيف أنهم أصبحوا "لا يدخلون تحت عد العادين ولا حصر الحاصرين ولا يخلو منهم إقليم من أقاليم الدنيا"، وهم في كل بلد على مذهبه السائد ومعظمهم سنة والأقلية منهم فقط زيدية، فكيف يدعي هؤلاء أن مذهبهم هو مذهب أهل البيت، ومن خالفهم قالوا خالف أهل البيت أو العترة، حيث يقول: "فإن قلت إنما يريد القائل من قال خالفت أهل البيت أي الزيدية منهم، قلت: نعم. لكن هذه الإرادة باطلة لغة وشرعا وعقلا وعرفا، فأما أولا فمسمى أهل البيت كما قررنا أولاد الحسنين على أقل ما قيل والزيدية بعض منهم ولا يصح عقلا وشرعا ولا لغة قصر هذا المسمى على بعض أفراده إلا بدليل وليس إليه من سبيل، ويلزم أنه يقال لمن اتبع الشافعي من أهل البيت لست من أهل البيت ولغيره من الحنبلي والحنفي وهذا باطل قطعا، فإن أهل البيت لفظ ثبت مسماه بالنسب لا بالمذهب وإلا لزم أن يقال للزيدي من قبيلة همدان أنت من أهل بيت النبوة، وهذا مما لا يتفوه به لسان ولا يقول إنسان".
ثم يصل العلامة ابن الأمير إلى هذه الخلاصة: "هذا وما جعل أهل البيت إلا الزيدية فقط إلا نظير أن يقول القائل: ليس المراد بقوله تعالى (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم) (الأعراف: 26)، (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان) (الأعراف: 57) إلا أهل ذمار أو بني خليل من أهل همدان فإنه لا يقول بهذا من له أدنى مسكة من عقل ومعرفة بالشريعة واللغة" (2)، لكن الائمة استمروا بالتنكيل بمخالفيهم بحجة أنهم خالفوا أهل البيت دون تفرقة بين هاشميين وغير هاشميين وحتى لو كانوا من الزيدية الذين خالفوهم في بعض المسائل مثل المطرفية الذين نكل بهم الإمام عبدالله بن حمزة (المتوفى سنة 614ه) وقتل رجالهم وسبى نساءهم، إذ قد لا يعلم البعض أن ممن شملتهم المأساة هاشميين وعلويين بل ومن ذرية الهادي، نعم لقد هددهم عبدالله ابن حمزة بقتل رجالهم وسبى نساءهم إن هم استمروا في تأييد المطرفية أو التعاطف معهم وقد تحدث بنفسه عن ذلك فقال:"وكتبنا إلى أشرافهم (يقصد الهاشميين) الذين اقتدوا بهم (أي بالمطرفية) في الكفر وتابعوهم في الغي بأنكم إن تماديتم في مشايعة القوم، وأظهرنا الله عليكم إنا نسفك دماءكم، ونسبي ذراريكم وإن قربت أنسابكم منَّا، فإن أقرب الناس منَّا وأبعدهم في الحق سواء عندنا؛ فحفظوا الكتاب وأروه من يجوز عليه ناموسهم من العوام، فحمدنا الله تعالى على إظهار قولنا فيه، لأنه حكم نبوي يعتقده من اعتقد وجوب طاعتنا، قالوا: نسبي بنات الهادي. قلنا: نعم نسبيهنَّ لكفر أهلهنَّ، وحرمة إبراهيم وإسحاق ويعقوب وهارون، النبوة أعظم من حرمة الهادي عليه السلام بالإمامة، فلما كفر أولاد هؤلاء الأنبياء عليهم السلام حل لنا سبي ذراريهم ونسائهم، وإبراهيم خليل الرحمن جدنا، والأنبياء الذين ذكرناهم وولده أعمامنا، وسنة الله لا تحول ولا تبدل، قال سبحانه: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) [الأحزاب:62] (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) [فاطر:43] فتيقظ لما ذكرنا ذلك تجده كما قلنا. وهذه قبائل العرب التي سبيت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثرهم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام ومن عنصر محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد الأولين والآخرين لأنها قبائل ربيعة ومضر ابني نزار بن معد بن عدنان، وإليه ينتهي رسول اللهً، وأقرب من ذلك بنو أسد تلقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وعبس وذبيان وسائر غطفان تلقاه في مضر بن نزار، وربيعة تلقاه إلى نزار بن معد، فلم تعصمهم قرابتهم من السبي لما كفروا بالله. ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعتق قريشاً يوم الفتح وسماهم (الطلقاء) لملكهم المسلمون وسبوا ذراريهم، وعلى أن تسميتهم الطلقاء دلالة على الرق، والمسلمون ملكوا العباس رضي الله عنه يوم بدر بالأسر، وأطلقوه بالفداء، ومن كان من بني هاشم، وإنما هي تغليطات تجوز على أرباب الجهالات". (3).
ولا ندري هل نفذ عبد الله بن حمزه تهديده؟ أم إن الهاشميين تحاشوا جنون هذا الإمام ففعلوا ما أمرهم به ولو كانوا مكرهين هذا من حقهم، لكن ما هو ثابت أن الائمة عندما كانوا يغزون بلاد الشوافع بحجة أنهم كفار تأويل وجعلوا أراضيهم خراجية لم يميزوا بين هاشميين وغير هاشميين فقد جعلوا الجميع عندهم سواسية بالظلم!
مأساة الهاشميين الموافقين للائمة بالمذهب
لم تقتصر المأساة على الهاشميين المخالفين للائمة بالمذهب وانما شملت أيضا الهاشميين الذين كانوا هادوية وجارودية ويؤمنون بنفس ما يؤمن به الائمة، فقد كان كل إمام يخشى من الأسر الهاشمية المنافسة التي تؤمن بهذا المذهب ومبدأ الخروج، وقد نشبت حروب وصراعات دموية بين الأسر الهاشمية المتصارعة على الإمامة فحين نهض الإمام القاسم العياني (سنة 388ه /988م) يريد مخلصاً أن يطبق نظرية الامامة" كان بينه وبين (الورثة) أحفاد الهادي ما حال بينه وبين إرادته، ولما مات وقام بعده ابنه المهدي الحسين تصارع الأمراء (الفاطميون) فيما بينهم حتى التهم الجميع الملك (الصليحي). وحين قام الإمام أحمد بن سليمان (سنة 532ه / 1137م) ورأى من واجبه إحياء (النظرية) وتطبيقها قاسى من (الأشراف) الأقارب أكثر مما قاسى من الخصوم الأباعد. ولما تسلم الإمامة بتكليف من أهل عصره (سنة 583ه/ 1187م) عبدالله بن حمزة وهو من هو علماً وكفاءةً، لم يتمكن من تطبيق النظرية، ومع ما عاناه من صراع مع الأيوبيين وآل حاتم، فقد كان ما قاساه من (ابن الإمام) أحمد بن سليمان أحدّ وأنكى، وحاول يحيى بن المحسن بعد عبدالله بن حمزة أن ينهض لتطبيق النظرية لكن (الأمراء) وورثة النظرية من أولاد عبدالله بن حمزة تشبثوا بإرثهم بأكدى، ولما قام الإمام أحمد بن الحسين بأمر (الإمامة الهادوية) عارضه الأمراء الحمزيون وخذلوه وناصروا الملك المظفر حتى خرَّ الإمام صريعاً على يد الأمير أحمد بن عبدالله بن حمزة (سنة 656ه / 1259م)" (4).
مهزلة تعدد الائمة
لم تكن نتائج الصراعات المسلحة بين الأئمة -وفقا لمبدأ الخروج- تحسم في الغالب لصالح إمام واحد، ما دفع الفقه الهادوي للبحث عن مخارج وحلول ولكن لصالح الأئمة وليس لصالح الأمة، حيث أجاز الفقه السياسي للزيدية الهادوية -خلافا للمذاهب الإسلامية الأخرى- تعدد الأئمة وجواز قيام إمامين في وقت واحد! وهو ما أدى إلى تعدد الأئمة في اليمن، فقد أصبح بإمكان أي علوي فاطمي يتمكن من حشد مجموعة من الأنصار والسيطرة على منطقة معينة في اليمن أن يعلن نفسه إماما، وتاريخ اليمن السياسي ملئ بمثل هذه المهازل، لقد تحدث الشاعر الساخر الفقيه السيد أحمد شرف الدين المعروف بالقاره في قصيدته الشعبية الساخرة "بغية الظرفاء في سيرة الخلفاء" أواخر القرن الثالث عشر الهجري -التاسع عشر الميلادي- عن أسماء من دعوا لأنفسهم بالإمامة والمناطق التي أعلنوا إمامتهم فيها فقال:
والذي في "السر" كان إمام
قد نبع منها بغير كلام
ورجع يزجر بغير وحام
ونزق: لا إله إلا الله
و"ابن شمس الحور" في عربه
قد دعا حتى جته شحبه
وخرج منها إلى "الرحبه"
لا لشيء، لا إله إلا الله
والإمام "محسن" إمام عظيم
بالخلافة والشروط عليم
وهو في حصن "الغراس" مقيم
منتظر: لا إله إلا الله
وأمير المؤمنين "معيض"
قد فعل فيها طرق وفريض
شاربه قالوا طويل وعريض
"مجعلي"، لا إله إلا الله
و"دغيش" "المام" حق "شعوب"
في كلام جاير وشوع وزوب
والمراتب والخيول سنوب
عقل تيس: لا إله إلا الله
المشكلة أن هؤلاء الأئمة لم يعد فيهم أدنى المؤهلات لهذا المنصب بما في ذلك بعض القوة التي كان يتمتع بها أسلافهم، حيث يؤكد شاعرنا الساخر، أن هؤلاء الأئمة:
كلهم قاموا بغير ركب
من ملك رطلين نحاس ضرب
والوقيد قالوا "كبا" و"قصب"
وقشاش، لا إله إلا الله
واستمر الأمر كذلك في العصر الحديث فقد بدأ الإمام يحيى عهده بصراع مع الأسر الهاشمية المنافسة منهم أحد علماء صعدة الملقب (الضحياني) الذي دعا لنفسه بالإمامة معارضاً الإمام يحيى وتلقب بالهادي، ودخل معه في حروب دموية ومواجهات عسكرية استمرت عدة سنوات، وصراعاته مع بني الوزير معروفة وحين فشلت ثورة 48 أعدم الإمام أحمد العديد من الهاشميين الذين أيدوا الثورة وأباح صنعاء للقبائل وهم زيدية وكثير من أسرها هاشمية.
صراع الاخوة
هل يعني ذلك أنه لم يسلم من أذى الإمامة سوى أسرة الإمام أخوته وأقاربه؟ حتى هؤلاء لم يسلموا فقد تقاتل أولاد الهادي وخاضوا حروبا مدمرة بدماء اليمنيين (هاشميين وغير هاشميين) خلال الفترة (325 - 329ه) وقد تحدث العلامة صارم الدين الوزير (المتوفي سنة 914ه): "ثم المختار بن الناصر وعمه الحسن بن الهادي، تعارضا، وخُربت بينهما (صعدة) القديمة خراباً مستمراً إلى الآن". أما الإمام أحمد فصراعاته مع إخوته بشأن ولاية العهد معروفة، فقد زج بأخيه سيف الإسلام إبراهيم في سجن حجة بعد فشل ثورة1948م التي كان معها ليموت أخيه مسموماً في السجن بدس من الإمام أحمد الذي قيل أيضا إنه تخلص من أخيه الثاني سيف الإسلام يحيى بن الإمام يحيى وقد كان يحيى هذا أخطر إخوته وأشرفهم نفساً، بنفس الطريقة تخلص منه بالسم، كما زجّ الإمام بأخويه إسماعيل وعلي في سجن حجة، وكان أخوه الحسن قد أعلن معارضته لولاية العهد على صفحة جريدة الإيمان الرسمية، فنفاه إلى أمريكا، وبعد فشل حركة 1955م التي حاولت تنصيب سيف الاسلام عبدالله إماما وأخيه العباس رئيسا للحكومة، تم اعتقال الإمام عبد الله في تعز، تم اعتقال أخيه العباس رئيس الحكومة التي لم تتشكل بعد في صنعاء وتم نقل عبد الله والعباس إلى حجة معتقل الإمام وسجنه، وكان العديد من أفراد الأسرة والمقربين والمراقبين يعتقدون أن الإمام أحمد سوف يكتفي بسجن أخويه مدة طويلة أو قصيرة أو يقوم بنفيهما خارج اليمن ولكن الإمام الطاغية والحاكم السفاح خيب كل التوقعات وقام بإعدام أخويه عبد الله والعباس بلا رحمة ولا شفقة ولا مراعاة للقربى وبذلك تأكد للجميع دموية الإمام أحمد وطغيانه وعشقه لسفك الدماء، وهذا الأمر ليس غريباً على نظام الإمامة وعصر الأئمة وصراعاتهم الوراثية، فكم قام أخ على أخيه وكم خرج ابن أخ على عمه وابن على أبيه في التاريخ الإمامي باليمن؟.
وقد علق ولي العهد البدر على إعدام عميه عبد الله والعباس متسائلاً:
هل يمكن للإنسان أن يقتل إخوته؟
فرد عليه أحمد محمد الشامي:
نعم سيدي وفي وسع الإمام أحمد وأمثاله أن يقتلوا حتى أبناءهم. ((5
الثورة لإنقاذ اليمن (الأرض والانسان)
لم يكن يتذكر الائمة اسطوانة الهاشميين وآل البيت إلا عندما كانوا يحسوا بالخطر الثوري محدقا عليهم كما فعل الإمام أحمد بعد عودته من روما، حيث تنامى إلى مسامعه أن قطاعات واسعة من الشعب بدأت تحلم بالثورة والحرية واسقاط نظام الإمامة وهو ما جعل الإمام أحمد يهدد ويتوعد قائلا: ماذا يريدونها، لا در درهم إن الإمامة لا يطوى لها علم".
وقد فطن الأحرار إلى هذه الالاعيب الامامية فكتب الشهيد الزبيري كتابه العظيم "الإمامة وخطرها على وحدة اليمن" وتحت عنوان "خطر الإمامة على الهاشميين" كتب أبو الأحرار يقول: "وقد يقال أو يتبادر إلى الأذهان لأول وهلة أن إلغاء الإمامة المذهبية إنما يكون على حساب الهاشميين وضد مصلحتهم ولكن هذا رأي خاطئ، فما من خطر يهدد الهاشميين في الحاضر والمستقبل كخطر الإمامة فكل إمام كان يأتي من عائلة هاشمية واحدة ويلوح له أن خصومه ومنافسيه إنما هم الرجال البارزون في العائلات الهاشمية الأخرى، فيتجه أول ما يتجه للتخلص منهم قبل غيرهم، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الشعب كله يشعر أن العائلات الهاشمية كأنها طبقة متميزة عن الشعب منفصلة عنه، كأنها ليست من الشعب في شيء، بل وكأنها أجنبية عنه دخيلة عليه، فإذا كان التمييز في عهود الجهل مقبولا للسلالات الممتازة فإنه سيكون في المستقبل خطرا كبيرا على هذه السلالات وباعثا على نفور الشعب منها وتعصبه ضدها ووصمة لها بالرجعية، وبالتالي ستصبح على مر الأجيال معزولة عن الشعب كأنها جالية فيه وليس جزء منه، وبعد ذلك لن توجد قوة على ظهر الأرض تستطيع أن تخضع الشعب إلى الأبد لأقلية ضئيلة، تلك هي النتيجة المحتومة المنتظرة لمضاعفات خطر الإمامة واحتفاظ السلالات الهاشمية بالتمييز على الشعب".
لقد كتب الزبيري هذا الكلام والإمامة لا تزال قائمة وجاثمة على أبناء الشعب اليمني، ولهذا نجده يتمني "لو أن العائلات الهاشمية فطنت إلى هذه الحقائق وتنبهت لدرء هذا الخطر وتزعم أحرارها مقاومة الفكرة الإمامية والمناداة بالجمهورية وإتاحة الفرصة المتساوية لكل أبناء الشعب كي يشتركوا في حق الحكم فإنها بذلك تنقذ وحدة الوطن وتوفر على البلاد كثيرا من الويلات" انتهى كلامه.. رحم الله أبو الأحرار، كأنه كان ينظر إلى المستقبل من وراء حجب الغيب المسدلة، لقد تحققت نبوءته ولا تزال تتحقق فما كان يتمناه من أن يتنبه الأحرار من الأسر الهاشمية لخطر الإمامة ويكونوا طليعة المقاومين لها والمنادين بالجمهورية تحقق، حيث كانوا كما تمنى وتوقع طلائع الأحرار الذين فجروا الثورة المباركة في 26 سبتمبر 1962م ودافعوا عنها حتى بعض الذين لم يصغوا إلى نصيحته ووقفوا ضد الجمهورية وحاربوها سبع سنوات عادوا إلى هذا الرأي بعد سنين، كما فعل العلامة الأديب أحمد بن محمد الشامي الذي كان وزير خارجية البدر أثناء الحرب الملكية الجمهورية وبعد المصالحة الوطنية عام 1970م أصبح عضوا في المجلس الجمهوري ثم استقر به المطاف في لندن متفرغا للكتابة والتأليف حول تاريخ اليمن والإمامة ليصل إلى رأي مفاده: أن الأصلح والأولى لبني هاشم هو الابتعاد نهائياً عن الولاية العامة، وقال: "ولعل من واجبي لا كمؤرخ بل كناصح يتحرى الصواب أن أفصح عن وجهة نظر اقتنعت بها منذ أمد بعيد وأشرت إليها مراراً في بعض كتبي وأشعاري، وفحواها أنه لا خير لمن حرمت عليهم الزكاة من آل البيت في (الولاية العامة)، بل الاستئثار بها واحتكارها". مؤكداً أنه توصل إلى هذه القناعة بعد دراسة لأسباب ومسببات المآسي والكوارث التي حلت بهم وباليمنيين خلال أحد عشر قرناً "(6). ولكن يبدو أن نصائحه كما هي نصائح الزبيري قد ذهبت أدراج الرياح، فها هي "الإمامة وخطرها على الهاشميين" تبدو ماثلة للعيان، كما ذهب وتوقع الزبيري في عنوان ومضمون كتابه القيم "الإمامة وخطرها على وحدة اليمن" قبل أكثر من55عاما..
الهوامش.
1 صحيفة اليمن اليوم العدد (469) ، الاثنين 30سبتمبر2013م، الموافق 24ذي القعدة 1434 ه ، ص3
2 المسائل المرضية للعلامة محمد بن إسماعيل الأمير، الطبعة الأولى 1429ه، ص17 19.
3 الرسالة الهادية بالأدلة البادية في تبيين أحكام أهل الردة للإمام المنصور بالله أمير المؤمنين عبدالله بن حمزة بن سليمان المجموع لمنصوري الجزء الثاني القسم الأول من إصدارات مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية ، عمان المملكة الأردنية الهاشمية، ص 56 57
4 أحمد محمد الشامي، تاريخ اليمن الفكري في العصر العباسي 1/121 122.
5 انظر تفاصيل صراع الائمة في كتاب: عبد الفتاح البتول، خيوط الظلام عصر الائمة الزيدية في اليمن
6 أحمد محمد الشامي، المرجع السابق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.