لابد لي من تكرار ما بدأت به مقالي الأول عن السيد محمد علي لقمان كي أضع الأمور في نصابها ولإعلان تضارب في المصالح يعتريني فان قال قائل بعدها أن شهادتي ي مجروحة في شخص الأستاذ لقمان لاعترفت بذلك من البداية دون جدل أو جدال قلت ما يلي:
"كان السيد محمد علي لقمان رجل فريد في نوعه . وقد كُتبت العديدُ من المقالات بل الكتب -في الواقع عنه-. ولا أظنني سأضيف الكثير إلى ما هو معروف عنه وليس غرضي هنا تمجيده ، فهو ليس في حاجه لذلك مني.
وأنا حين اكتب هذا المقال افعل ذلك- في المقام الأول - لنفسي كاحتفالية ذاتيه وتهنئة ذاتيه لشخصي باعتباري عدنيا جنوبيا عربيا فخورا بهذه الشخصية الواسعة الإنجاز واجزم انه اثر في حياتي مباشرة بطريقة إيجابية من خلال ما دعا إليه وحققه ."
يوصف الأستاذ محمد علي لقمان –العدني الجنوبي العربي- بأنه كان قائدا للتنوير في عدن بل في الجزيرة العربية كلها وقد انتبه إلى مسئوليته على التعليم على مستوى الجزيرة العربية وبين الرجال والنساء ولذا سمى جريدته التي أصدرها في 1940 "فتاه الجزيرة" ولم يسمها "فتاة عدن" أو "فتى الجزيرة" مثلا وفي أول إصدار للجريدة نوه في افتتاحيتها عن أمله أن تكون تلك الجريدة ( وهي الأولى على مستوى الجزيرة العربية على ما أظن) على تطلعاته أن تكون نبراسا ومنارا للعلم والفكر لكل شباب الجزيرة العربية.
دعوني أبين في هذا المقال ( الثاني من سلسله مقالات اكتبها عن السيد محمد علي لقمان) لماذا توصفيه "بالتنويري" هو في الحقيقة توصيف دقيق وصحيح له ولكن لابد قبل ذلك أن اعٌرف ماذا افهم – إنا شخصيا- من كلمه "التنوير" والى أي مدى ودرجه يمكن إسقاط هذا الوصف على استأذنا لقمان بالنظر إلى تعريف المفهوم والى الموسومين بهذا الوصف من غيره من العرب.
دعني ابدأ بتوضيح وتصويب لفهم شائع –أراه خاطئا- حول مكنونه التنوير الذي يشوبه عند البعض من العرب والمسلمين من س-خطئا- مسحه من شك وارتياب.
فكثيرون يساوون "التنوير" ب "التغريب" والعلمانية" و"محاربه الدين" وذلك قول لا يستقيم مع حال ما فعله وقام بت الأستاذ لقمان واستحق- كما سأبين لاحقا- توصيفه برائد التنوير ايجابيا الخلط في هذه المفاهيم والريبة في دلاله كلمه "التنوير" يأتي لسببين على الأقل أولهما يتعلق بمعنى هذه الكلمة وبداياتها في التاريخ والفلسفة الغربية وتحديدا في فرنساوبريطانيا بل أنها أسست للثورة الفرنسية – وحتى قيل –أن الدستور الأمريكي -في روحه- مقتبس من هذه الفلسفة وهذه الفلسفة – أو كما تسمى أيضا –العصر التنويري كانت في أوجها مع نهايات القرن السابع عشر وبدايات الثامن عشر وأساسها هو تغليب العلم والفكر على التقليد والتبعية وعدم خلط الدين والسياسة ولذا وجه الفلاسفة التنويرون وقتها ( وكان هذا أكثر وضوحا في فرنسا منه في بريطانيا ) انتقادا شديدا للكنيسة الكاثوليكية التي اعتبروها عائقا للتقدم والتطور الحضاري ومن أشهر الفلاسفة الذين نظروا عنها جون لوك الانجليزي وفولتير الفرنسي.
بمعنى آخر يربط كثير من الناس في العالم الإسلامي فكره التنوير بالعلمانية والإلحاد هنا يجب أن أتوقف لأنوه أن كثيرا من تنويري مصر هم في الأساس علماء دين أو أزهريين ومنهم الطهطاوي ومحمد عبده وجمال الدين الأفغاني.
والغريب الملفت حقا أن الفيلسوف العربي المسلم ابن رشد –وهو فقيه المالكية- كان له تأثيرا واسعا على الفكر على أوروبا الغربية إلى الحد الذي وصُف فيه بأنه "الأب المؤسس للفكر العلماني في أوروبا الغربية"
ما أود إن أوصل عليه أن هناك سبل ممكنه للتنوير مع الحفظ على الدين وهذا هو المسلك الذي سلكه استأذنا محمد علي لقمان ولهو في ذلك مقولات واضحة سأسرد بعضها لاحقا.
وثانيهما أن احد عناصر التفكير التنويري هو اعتقاد البعض أن التنويريين ينحون إلى "تغريب" المجتمع وذلك خلطا للحقيقة فشتان بين الدعوة للتغريب وبين الحث على اقتباس أشياء ايجابيه مفيدة من الغرب وفي ذلك كتب السيد محمد علي لقمان ما يلي : " وأنى لنا أن نصل إلى ما وصلت إليه الأمم ألعظيمة في الغرب ونحن نفقد كل عناصر ألرقى : ألهمة القسوة والنشاط ألبدني والعقلي والقدوة ألصالحة والاتحاد والثقة بالنفس , ومعرفة الشر واجتنابه"" .
لاحظ أن كل هذه العناصر التي ذكرها الأستاذ لقمان والتي من شأنها- أن نحن طبقناها- أن توصلنا إلى ما وصل إليه الغربيون عناصر ايجابيه كلها وليس فيها دعوى لان نقلد الغرب في مالا يستقيم مع ديننا أو تقاليدنا بل العكس هو الصحيح وهو أن نصائحه تلك منسجمة مع الدين الإسلامي. بل –أكثر من ذلك- بالعكس من كونه تغريبيا كان السيد لقمان شديد الفخر بوطنه ومواطنيه ولغته العربية وكان له دورا مركزيا مؤثرا في تعريب الوظائف وتعريب كثيرا من المناهج الدراسية والترجمة من والى اللغة العربية.
للأستاذ محمد علي لقمان جوانب عده تعكس شخصيته التنويرية ومن ذلك فهمه الكامل لمجتمعه وتشخيصه الدقيق لمصادر ضعفه واقتراح الحلول لذلك وفي ذلك قال "كيف نرقى ونحن لا نفكر فيما يعود على بلادنا وعلى أنفسنا بالخير .. نقضى ألساعات ألطويلة في مبارز القات من غير فائدة نجنيها أو علم ننتفع به , نصرف ألذهب ألأحمر في ملاذ مضرة بدل إنفاقها على تعليم ألبنين والبنات وعلى إصلاح ألمساكن والعمارات. لا رقى بلا علم, ولا علم بلا إنفاق , ولا أنفاق بلا اقتصاد ولا اقتصاد بلا عمل مثمر مجد".
لاحظ انه –وفي 63 كلمه فقط – حط إصبعه على العلل في مجتمعه ولخصها في مضيعه الوقت والمال دون فائدة ترجى أو علم ينتفع به واقترح للنهوض المجتمعي حلولا عل رأسها أهمية التعليم ( وقد بين أن ذلك يجب يكون للبنين والبنات) وبناء المساكن وأكد أن الرقي في المجتمع لا يتأتى دون علم الذي بدوره يحتاج إلى أموالا مصدرها في المحصلة الأخيرة هو أداء العمل المثمر.
إذا استأذنا الجليل ركًز – وكان يركز على ذلك باستمرار – على ثلاث عناصر رأي أساسيه في بناء المجتمع – التعليم والعمل المجدي والابتعاد عن صرف المال في ما لا يفيد -وهذا –لعمري- أساس العمران والحضارات على مر التاريخ وللفيلسوف العربي ابن خلدون أقوالا رائعة في ذلك.
لو كان اكتفى السيد لقمان بنشر فلسفته في التنوير عبر التنظير فقط لكان ذلك امرأ يُشكر عليه كثيرا ولكنه قام بخطوات عمليه رسخت التفكير التنويري في المجتمع العدني. ومن تلك الخطوات خطواته الفاعلة التي اختارها بدقه وذكاء وفطنه للإسراع في التطور النهضوي في المجتمع ( وبالمناسبة كلها –في جوهرها- تثبت ارتباط دوره التنويري باعتزازه بعروبته وإسلامه" وسأتوسع في هذه الجزئية في الجزء الثالث من المقال والذي سأنشره بعد فتره قصيرة أن شاء الله