اصابتني الحيرة عندما شاهدت امير دولة الكويت جابر الصباح الله يرحمه وهو يذرف الدموع عندما القاء خطابه امام الاممالمتحدة في عام 1990 م بعد غزو العراق للكويت . وقلت في نفسي ما سبب البكاء؟ هل هو ضعف وهوان ام قلة حيلة ام محاولة للحصول على التعاطف الدولي لقضيته؟؟ام ان الدموع خرجت غصباً عنه عندما شاهد الكويت وهي محتلة ؟؟ تكرر الموقف من رئيس وزراء اليمن باسندوه ومع تكرار البكاء لم نعد نفسر السبب الذي جعله يبكي حيث اتضح ان الرجل عاطفي اكثر من اللازم .
كذلك شاهدنا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في مؤتمر الخوار الوطني والعبرات تكاد تخنقه ويرفض ان تظهر دموعه امام الملا رغم ان صوته اظهر تلك الدموع الخفية .لعل التربية العسكرية الصارمة كان لها دور في الحفاظ على رباطة جأشه والتماسك حتى لا يلحق بفريق البكائين .
عدت بالذاكرة الى الوراء وغصت في اعماق التاريخ الاسلامي ...ذهبت الى الاندلس والى اخر حكامها (بنو الاحمر) عندما وقف على الهضبة المطلة على غرناطه اميرها ابي عبدالله محمد الثاني عشر ( الصغير )(هكذا سماه النصارى) بعد ان سلم مفاتيح مدينته غرناطة للفرنج للملك فردناند وايزابيلا ملوك قشتالة فبكاء وقالت امه عائشة بنت محمد بن الاحمر (عائشة الحرة)تلك المقولة التاريخية (ابكي كالنساء على ملك لم تحافظ عليه كالرجال). وبالمناسبة اخر من حكم الاندلس بنو الاحمر وهم من اليمن .
وقد سميت تلك الهضبة التي وقف عليها وهو ينظر الى غرناطة (زفرة العربي الاخيرة) لم نرى في شيوخ القبيلة إلا تلك الشخصية القوية التي تقف امام كل العواصف بقوة وعزيمة لا تلين ولهم هيبة وتقدير وهكذا تتدرج تلك النظرة من اسفل الهرم الى اعلاه حيث تكون الهيبة اكبر او هكذا نعتقد ونتخيل ان تلك الشخوص كائنات لا تحمل في قلوبها إلا القسوة والقوة ولا وجود لدمعة في محاجر عيونهم بل ان عيونهم قطع زجاجية تلمع وتشرر .
لذا بمجرد ان نرى دمعة تساقطت من عيونهم يتساقط معها ذلك الشعور القديم بالمهابة والقسوة لتتحول الى اشفاق ومن ثم الى ازدراء اذا اتصف ذلك الشخص بالقوة والبطش هبناه وقد نكرهه على تلك القسوة وعدم الرحمة التي لا يعرفها قلبه .
وفي نفس الوقت يسقط من عيوننا من نراه يبكي وهو في موقع لم يكن من الصح ان تنزل تلك الدموع ونقول يبكي كالنساء وكأن الدموع ليس لها مجرى إلا في عيون النساء، ولكن فرق بين العبرات والدموع فالأولى دموع حُبست في مجراها الداخلي ويقال حزن بدون بكاء او دمعة قبل ان تفيض والدموع تحررت ونزلت .
رغم ان اجمل بيت وصف قيل في الدموع وأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت ،،،، ورداً وعضت على العناب بالبرد وهي لثاني خلفاء الدولة الاموية الخليفة يزيد بن معاوية ان الحزن بشكل عام هو الشعور بالخسارة وتختلف قوة التحمل لذلك الحزن من شخص الى اخر حسب بيئته وتربيته الاسرية والمجتمع الذي يعيش فيه .
تعودنا ان نسمع خطيب مسجد يجهش بالبكاء عندما بقراء القراّن وهو بين يدي الخالق عز وجل فتلين القلوب وتدمع العيون فهذا كلام الله والقلوب الخاشعة من علامات المؤمن ولكن في الامور السياسية اجد مشقة كبيرة في قبولها او ايجاد المبررات والأعذار لها.