تفاجأت لتفاجئ الكثير من شباب الساحات، وأعني خاصة شباب الأحزاب، بتوقيع المعارضة على الصفقة الخليجية. كلنا بداخل اليمن وخارجها كنا نعلم خير العلم أن ذلك هو ما تلهث وراءه المعارضة منذ وضع تلك الصفقة على طاولة حوار الأزمة بين صالح ومعارضته. قد تكون المفاجأة في أن صالح قبل بتلك الصفقة، كونه الطرف الذي طالما ماطل الأشهر للتوقيع عليها بينما كان يسفك دم الشعب، أما المعارضة فكانت تجول أنحاء العالم مطالبة بمزيد من الضغط على صالح، ومروجة لفكرة أن لا حل آخر سوى هذه الصفقة لإخراج صالح عن الحكم.، شاكية وباكية أنها تحت ضغوط شديدة إقليميا ودوليا، بينما يقتص نظام صالح أرواح أبناء وبنات اليمن كل يوم. فلماذا فوجئ الشباب إذاً؟ ترى ما هي الاحتمالات لهكذا رد فعل؟
هل كان هناك حل آخر في رأي الشباب؟ هل نوقش هذا الحل مع المعارضة واستجابت إليه ثم رجعت وخلفت الوعد؟ أبداً لم يحدث. الشباب لم يقدم يوماً سناريو مغاير عن تلك الصفقة، وأكتفى برفضها بالساحات والخروج بالمظاهرات مع عامة الشعب بتوجيه وبركة قادة المعارضة في وجه رصاص وصواريخ عائلة صالح وأعوانها، وتقديم المئات من الضحايا. وربما هنا سر المفاجأة. ربما عندما رأى الشباب قادة المعارضة يشجعوا التظاهر ضد الصفقة الخليجية، وينادوا بالتصعيد الثوري من خلال المجلس الوطني - الذي ليس إلا وجه آخر للمعارضة بكل مواصفاتها ولا يمثل أبداً الثورة - ظن البعض أنهم قد عدلوا عن نيتهم في القبول بهكذا صفقة، فمن له أن يعلم بالنيات وكلنا سمعنا في مختلف وسائل الإعلام متحدثي المعارضة يؤكدون رفضهم للصفقة، وعدم إمكانيتهم لذلك الفعل بعد أن سفكت الدماء، بل ويؤكدون أن هكذا خطوة تعد إنتحار سياسي الخ الخ الخ. ربما صدق الشباب قادة أحزابه عندما رأى وسمع كل ذلك، ثم فوجئ أن كل ذلك ما كان إلا مراوغة على نهج السياسة الصالحية، تماما كاستخدام تلك المعارضة الساحات ليس لشرعية ثورية تقام عليها دولة جديدة بل كورقة ضغط تلزم بها منافسها على الحكم بالتنازل عن شيء من سلطته، بالتراضي معه. هذه هي المعارضة يا إخواني وأخواتي فلا تتفاجأوا.
على الشباب كله، بل على الشعب كله، أن يدرك أن هذه المعارضة هي وجه آخر لذلك النظام. وأقول ذلك بموضوعية تامة، فليس من الممكن أن ينتج مجتمع معارضة حزبية سياسية نزيهة في ظل نظام دكتاتوري في أي بلد كان. قد ينتج المجتمع أفراد نزه، يتم محاربتهم من كلا الطرفين حاكم ومعارضة، فالفساد قائم في البلاد كثقافة إدارية للحكم والمؤسسات والعامة والخاصة وإدارة الأعمال. فإن كان رئيس البلاد يستلم معونات خاصة من الخارج وعمولات على كل ما ينتجه البلاد، ما بالنا بالمعارضة بمختلف أطيافها التي كثير ما شاركت في تشكيل الحكومات وما بالنا برجال الأعمال الذين يتهافتون على بناء علاقات خاصة مع وجوه الحكم الصالحي، وما بالنا بأي موظف بسيط يرى الفساد الزيت المحرك للعمل المؤسسي.
نعم الفساد متعمق في الثقافة الإدارية للبلاد، والمعارضة رضعت وترعرعت على منطق وفلسفة صالح، فأعادت إنتاج ثقافته وسياسته الصالحية. لا ريب في ذلك. كل ما حدث خلال العشرة الأشهر الماضية يؤكد ذلك. أنظروا إلى الأفعال وليس الكلام! فصالح يقول أنه لم يقتل أحد وأن الإرهابيون والمعارضة هم من يقتلوا الشعب، والمعارضة تقول هي مع الثورة ثم تتغاضى تماما عن أهدافها بحجج مختلفة منها أن تلك الأهداف غير ممكنة، ملقية اللوم على الشباب بأنه متحمس ولكن غير واقعي ولا يعرف السياسة بل تقول أن الشباب لم يحقق شيء بكل إعتصاماته وتقديم أرواحه بل. تقول المعارضة ما تقول وهي ماضية في صك الاتفاقات مع صالح. هل بذلك نعني أن المعارضة ستبقي على صالح، بالتأكيد لا. هي تريد الخلاص منه والإنفراد بالحكم عن طريق الإنتخابات مروجة بذلك أن البلاد قد دمقرطت. وفي خطتها للخلاص من صالح هي ما زالت تستخدم نفس الأدوات الصالحية. أبدا هذه المعارضة لم تكون ثورية يوما. هذه المعارضة منغمسة في ثقافة لا تسمح لها برؤية مطالب وأحلام الشباب، والدليل على ذلك تهميشها المستدام لهم. وإن كان من المحتمل أن تتلافى فضيحتها بأخذ بعض من الشباب وإشراكهم في العمل السياسي كي تهدئ الساحات مع التمسك بنهجها الإستراتيجي وعدم تغيير شيء فيه.
أدعو الشباب بكافة أطيافه أن يعمل للثورة ليس فقط بالإعتصام والمظاهرات بل أيضا عن طريق بناء دولة جديدة، ولن يتمكن من ذلك إلا إذا تخلى عن كل هوياته الحزبية والعائلية والإقليمية والمذهبية ليضع هويته اليمنية على أسس المواطنة أولاً. لقد أضعفت الإختلافات الساحات وكأن الهوية اليمنية والمواطنة وأهداف الثورة ليست موحد كاف يتحد حوله الشباب، واضع تلك الهوية وذلك المراد أولا قبل كل شيء.
لقد نجحت المعارضة في إغواء الشباب، وتجميدهم بحيث أنهم خلال العشرة أشهر لم يخرجوا بأي خارطة طريق لتحقيق أهدافهم ووكلوا عملهم السياسي لمن هو غير قادر ثقافيا وسياسيا على تحقيقها. فكيف يعطى القلم للأعمى. كما إن أحزاب المعارضة يمكن الضغط عليها إقليما ودوليا تماما كما يمكن الضغط على صالح، لكن لا أحد، لا أحد، يمكنه الضغط على الشباب والشعب اليمني. لقد نجحت المعارضة في إغواء الشباب، وإشعارهم أن لا حول لهم ولا قوة بدون دعم ومساندة المعارضة ماديا وسياسيا، ونسى الشباب أن الشعب اليمني يدعمهم بدمه بدون أي مقابل سوى المطالبة بولائهم لتحقيق دولة جديدة. لقد نجحت المعارضة في إغواء الشباب، وإقناعهم أنهم غير قادرين على العمل السياسي وأنهم ما زالوا شباب تنقصهم الخبرة كأن الثورات والتغيير يقوم بها المسنين، بل ولقنتهم بان السياسة مكر على العدو تماما كما كان قد لقنهم صالح خلال الثلاثة عقود الماضية. المكر صفة المكار ليس السياسي، والسياسي ليس مرادفها المكر والخداع، أبداً. تلك ليست إلا ثقافة صالحية تتوارثها أجياله فحذار ثم حذار من أن يتوارثها الشباب.
دور الشباب اليوم هم إعادة تثقيف قادته، بل أن يقود الشباب من يظنوا أنهم قادة وهم ليسوا قادرين إلا على إعادة إنتاج ما أنتجه صالح. على الشباب الإنتباه أيضا من من كان يدافع بالأمس عن النظام واليوم يعترف بالثورة بل وانه مع الشباب ضد المعارضة، وكذلك أن ينتبه مع من كان بالأمس مع المعارضة ضد الشباب والساحات واليوم ينتقد المشترك. المتقلبون كثير، ومن إنقلب عن الأمس سينقلب عن الغد، ضعوا ثقتكم في من دعم الساحات ودعم الثورة ضد النظام وأي جهة لم تؤمن بأهداف الثورة، وطالب بالتغيير السياسي والإقتصادي والإجتماعي. لا تعيدوا أخطاء الماضي ولا تتحالفوا مع الغير المخلص ضانين أن تلك سياسية الكبار، بل تلك سياسة الفساد، سياسية الماضي التي تثورون عليه. على الشباب أن يعمل الآن بالساحات يد بيد مع بقية الشعب ليضعوا خارطة طريق لتحقيق أهداف الثورة، وعدم الإنتظار لفشل هذه الحكومة. فلا تفرق هذه الحكومة عن التي قبلها بكثير. ومن كان نزيه وأختار المغامرة والإنضمام لهذه الحكومة فتلك مغامرته هو،الساحات بريئة منها ومن حساباتها.يبقى الشباب والشعب ثائر حتى تتحقق كل أهدافه.