كتب/د.نبيل علي الشرجبي وسط صمت مريب من قبل الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة تفجرت الثورة الشبابية أحيانا لا تخلق الازمات أوضاعاً قد يستفيد منها النظام الحاكم والمعارضة بل إن بعض الأزمات تخلق ثورة يخسرها النظام السياسي وتخسرها المعارضة ربما هي الأولى التي يتم فيها خروج ملايين الشباب للشارع طواعية بدون دفع من أحد أو من أي جهة ولأول مرة يخرج الشباب ليس للهتاف لرئيس أو لزعيم أو لحزب إنما خرجوا من أجل مصالحهم التي تمت مصادرتها من قبل الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة. فقد كانت المفاجأة للحزب الحاكم والذي عمل طوال تاريخ حكمه على تأمين سلطته من أي انقلاب عليه من قبل المؤسسة العسكرية أو القوى التقليدية التي ارتبطت بالمؤسسة العسكرية أو النظام الحاكم فأتت الثورة من الجهة التي لا تصدق الجهة التي أهملت وتجاهلت حقوقها، فأتى الانقلابي الشبابي بدلا من الانقلاب العسكري التقليدي. وعلى الرغم من الحديث المبكر عن تحقيق أهداف ثورة الشباب يظل هناك حديث أهم الآن وهو حديث الخطر عن الثورة وحديث أسباب الثورة. إن كان هناك أخطار حقيقية على ثورة الشباب فهي عديدة وخاصة القوى التي سوف تفقد شرعية سيطرتها السابقة على الحياة اليمنية إلا أن الخطر الحاضر هو الخطر القادم من الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة واللذين يعتبران وسياستيهما من أسباب قيام الثورة الشبابية ومن ثم فإنه يجب الانتباه لأي صيغة يقدمها الطرفان، فهي صيغة لن يكون هدفها إلا إطالة عمرها وعمر الأزمة. أما عن أسباب قيام ثورة الشباب فهي متمثلة في سياسات الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة. فالحزب الحاكم رغم ادعاءاته المتكررة تحقيق النجاحات المختلفة وآخرها النجاح في تطبيق برنامج الرئيس اليمني إلا أنهم كذبوا في كل شيء، فالحزب الحاكم لم يقدم أي برنامج اجتماعي لليمنيين، فالبطالة في ازدياد والغلاء في ارتفاع مستمر وبشكل يومي وتدني الدخول وتدني قيمة العملة الوطنية أمام كل عملات العالم وأكثر من 80% من اليمنيين لا يملكون سكناً خاصاً بهم وغاب العدل تماما وسيطرت فئة محسوبة على الحاكم وأقربائه على مدخلات ومخرجات العملية التنموية والاجتماعية والسياسية والثقافية مع تحول المؤسسات التي يعملون بها إلى ما يشبه الوكر الذي يقتصر تقديم خدماته لزبائنه المقربين فقط والذين بدورهم يتحولون إلى متحكمين في تسيير وتنظيم كل عمليات تلك المؤسسات وتحديد السقف المسموح به وغير المسموح به، كما أنه يوجد تدني واضح في خدمات التعليم وغياب شبه كامل للخدمات الصحية بل إن اليمن اعتبرت واحدة من أسوأ وأسرع مناطق العالم في انتشار الأوبئة الخطيرة بفضل السماح لأقرباء الحاكم أو المحسوبين عليه بإدخال السموم والمبيدات المسرطنة واستخدامها في الأراضي اليمنية مع غياب أي نوع من الرقابة أو المحاسبة عليهم وعلى تجارتهم تلك بل إن الحزب الحاكم قام بإنشاء أكبر مؤسسة في اليمن وهي مؤسسة الفساد والتي كانت وما زالت مسئولة بشكل مباشر عن إفساد كافة أوجه الحياة اليمنية اجتماعيا وثقافيا وسياسيا وأسريا وقضائياً وعدلاً وتعليما...الخ. وبسبب ممارسة تلك المؤسسة وتوغلها في كل مفاصل الحياة اليمنية قرر الشباب القيام بثورتهم. فمؤسسة الفساد تلك كانت مسئولة عن تغييب الأمن والأمان والاستقرار وأفسدت كل شيء سليم في اليمن أفسدت الاخلاق والقيم وقامت مؤسسات القضاء والأمن والجيش بحماية مؤسسة الفساد وتحولت تلك المؤسسات إلى مصدر إقلاق وابتزاز وظلم ونهب للمواطن اليمني الضعيف فقط كما أن مؤسسة الفساد أفسدت الإعلام وحولت الإعلام إلى أداة ليس لها هم إلا ملاحقة نجاحات كبار مسؤولي السلطة وأقربائهم ومحيطهم الوهمية وترسيخ ثقافة الإذعان والقبول بالأمر الواقع والتعصب للرأي الواحد وتقديس الحاكم وانتشار ثقافة النفاق السياسي والاجتماعي واكتفت بالشعارات بدلا من الإنجازات. كما أن مؤسسة الفساد أفسدت القيم فأصبح الكذاب مقرباً وصادقاً والسارق مسئولاً وحارساً والجاهل متحكماً وآمراً والقزم عملاقاً والخائن وطنياً والوطني خائناً.، ساهمت مؤسسة فساد الحزب الحاكم في انتشار ثقافة التخلف والنهب والتسلط والعنف وأصبح العنف عنوان ووسيلة كل من يقدر أن يمارسه، سواء تجاه الآخرين أو حتى تجاه الدولة نفسها وحل الكسل والإهمال محل العمل والاجتهاد وتأجل الإصلاح والتطوير، اختفى مبدأ الثواب وحل فقط مبدأ العقاب ضد المجموع الأكبر من البشر من أبناء هذا الوطن وتم تجميد معايير المنافسةوالكفاءة والنزاهة في شغل الوظيفة أو المناصب الدنيا حتى العليا وحلت محلها معايير النفاق السياسي والتملق والمهادنة والولاء والطاعة الكاملة للحزب الحاكم وأقربائه وهو أمر أدى إلى انقراض الطبقة الوسطى وظهور طبقة جديدة محسوبة على النظام الحاكم وأقربائه وأصدقائه وهي طبقة فاحشة الغنى، مسيطرة على المشروع العام والخاص اقتصاديا وسياسيا هو أمر أدى إلى تزايد في أعداد الطبقة المعدومة وتزايد البطالة وانتشار الفقر حتى وصل إلى حوالى 78%، منهم 45% تحت خط الفقر وقد سعت تلك المجموعة المحسوبة على السلطة إلى تمييز نفسها ثقافيا واجتماعيا وعلميا تجاه مختلف سلوكيات المجتمع اليمني، حيث انتشرت الدواوين والمنتديات والجمعيات ومراكز الدراسات والأبحاث والجامعات الخاصة بهم وبغرض احتكار عمليات الحراك لمختلف العمليات السياسية والاجتماعية والثقافية حتى يتم فرز جيل جاهل وسطحي لا هم له إلا منافقة تلك المجموعة وكذا فرز واقع يخدم مصالحهم ونفوذهم في المجتمع اليمني وخارجه وفرض رؤاهم ومشاريعهم على الغالبية حاضرا ومستقبلا وكان الامر الأخطر هو انتشار ثقافة التعليم الراقي لأبناء تلك المجموعة، حيث سعوا إلى تأسيس مدارس خاصة بهم واقتصار دخول تلك المدارس على أبنائهم فقط، حيث تصل تكلفة الطالب في السنة الواحدة في تلك المدارس للمراحل الأولى الابتدائية إلى ما يلامس مليوني ريال وهو مبلغ ربما يفوق ما يقوم بصرفه الموطن العادي على نفسه منذ ولادته حتى تخرجه من الجامعة.. والأدهى أنه في العقدين الاخيرين قد تم احتكار البعثات التعليمية إلى الولاياتالمتحدةالامريكية والدول الأوروبية على أبناء تلك المجموعة وهو أمر أدى إلى حدوث حراك طبقي مدمر وانقسام مجتمعي خطير. وهو أيضا أمر أدى إلى ظهور رد فعل طبيعي تمثل في ثورة الشباب وليس ثورة معارضة كما ادعت أحزاب المعارضة ذلك الحق بل هي كانت في ذلك كالشيطان الأخرس. أما أحزاب المعارضة والتي ما زالت تتحكم فيها عقلية المؤامرة فكان فسادها وسياستها واحدة من أسباب ثورة الشباب، فالمعارضة اليمنية هي أشد فسادا واستبدادا وابتزازا وانغلاقا على الشباب بشكل خاص والمجتمع اليمني بشكل عام، فهي عندما كانت تشارك الحزب الحاكم السلطة شرعت وبررت ممارسات الحاكم ومارست سياسات الفساد والإفساد والإقصاء على غير أعضائها، أفسدت القضاء والعدل واستولت على المال العام ونهبت الأرض بغير وجه حق ووضعت لانصارها نظاماً للاستيلاء على المؤسسات واغتصاب المناصب الداخلية والخارجية من الآخرين استخدموا السلاح والتهديد والوعيد في وجه الآخرين، بل إن المعارضة حاربت بعضها البعض لترسيخ مصالحها فقط وأراد كل طرف أن يقضي على الطرف الآخر وبمختلف الوسائل غير الشرعية وما يبدو اليوم من تماسك وائتلاف بين أحزاب المعارضة إلا محاولة منهم لإنقاذ بعضهم من الانقراض، فجاءت ثورة الشباب كإنقاذ لهم من ذلك المصير وتأجلت صراعاتهم قليلا، فقد حاولت المعارضة أن تركب موجة الشباب والادعاء بفضل ما ليس لها، بل إن قيادييها حاولوا أن يتجاوزوا دور الشباب من خلال مبادرتهم الأخيرة مع الحزب الحاكم فأدركوا مرة أخرى أنهم أخطأوا وأدركوا كذلك فشل مشروعهم المشبوه وعادوا وانضموا إلى ثورة الشباب وتأييد مطالبهم إنها الانتهازية في أبشع صورها. إن المعارضة لا تريد أن تترك الساحة لمن هم أحق منهم بدعوة احتكارهم الحكمة والمعرفة حتى لو كان على حساب المستقبل، إنهم أدمنوا المناصب والكراسي والأموال والماضي والهزائم والانكسار. وهم دائما ما كانوا في السابق يتسارعوا للتصالح مع الحاكم على حساب جماهيرهم والآخرين، كما أنهم كثيرا ما دخلوا في صفقات مشبوهة مع النظام ضد حقوق الشباب وقاموا مع الحزب الحاكم بتزوير إرادة المجتمع ومنعوا إجراء أي حراك أو تغيير سياسي في الساحة اليمنية يستوعب الطاقات الشابة المؤهلة وتحكموا بمنافذ العملية السياسية وقاموا -وبالاشتراك مع الحزب الحاكم- بقذف الشباب إلى الشارع الذي احتضنهم فانفجر الشارع معهم في وجههم ووجه الحزب الحاكم على السواء. وأخيرا خيرا فعل الشباب عندما عبروا عن ما يرفضونه بأرقى طرق حضارية وبدون حرب أهلية او انقلاب عسكري وكذا بدون أن يطرحوا أي بديل سيساسي في الوقت الحالي لأنهم إن كانوا أقدموا على فعل ذلك أو التحول إلى حزب سياسي معارض ذي ايديولوجية مقيتة مثله مثل الحزب الحاكم أو أحزاب المعارضة فإنهم كانوا قد فقدوا أهمية ثورتهم وما تمكنوا من حماية أنفسهم بالشعب وجر كل الشعب إلى صفهم. كما أنهم بذلك التصرف قد استطاعوا أن يقدموا أنفسهم كبديل حقيقي للحزب الحاكم والمعارضة اللذين لم يكن لهما تأثير قوي على الشارع اليمني. *أستاذ مساعد علاقات دولية وأزمات