انفجار عنيف في خليج عدن وإعلان بريطاني بشأنه    الشيخ الزنداني رفيق الثوار وإمام الدعاة (بورتريه)    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    هيئة السلم المجتمعي بالمكلا تختتم دورة الإتصال والتواصل الاستراتيجي بنجاح    فيديو صادم: قتال شوارع وسط مدينة رداع على خلفية قضية ثأر وسط انفلات أمني كبير    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    امين عام الاشتراكي يهنئ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بنجاح مؤتمرهم العام مميز    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    الدور المربك في "مجلس القيادة" واستمرار الكوميديا السوداء    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    فينيسيوس يتوج بجائزة الافضل    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الإطاحة بشاب أطلق النار على مسؤول أمني في تعز وقاوم السلطات    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    الوجع كبير.. وزير يمني يكشف سبب تجاهل مليشيا الحوثي وفاة الشيخ الزنداني رغم تعزيتها في رحيل شخصيات أخرى    حقيقة وفاة ''عبده الجندي'' بصنعاء    رجال القبائل ينفذوا وقفات احتجاجية لمنع الحوثيين افتتاح مصنع للمبيدات المسرطنة في صنعاء    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    حضرموت هي الجنوب والجنوب حضرموت    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روح الثورة تتجدد
ما«الثورة» ولماذا أنطلقت في 26 سبتمبر 1962م ولماذا انفجرت في 11 فبراير 2011م وهل ثورة «فبراير» إمتداد لثورة سبتمبر..؟
نشر في الجمهورية يوم 26 - 09 - 2012

الثورة اسم تردد صداه في آذاننا، قرأنا عنه في مناهجنا المدرسية، شاهدناه صوراً رمادية عرضت في شاشات التلفزة ... ترعرعنا ونحن نسمع عن قصة ثورة، نعم كانت ثورة، وخمسون عاماً مرت على انطلاقها، ثورة 26 سبتمبر1962م خمسون عاماً مرت منذ أن كسر النخبة في اليمن حاجز الصمت والخوف، خمسون عاماً منذ أن قرر اليمنيون أن الوطن للجميع وليس لأسرة مالكة تتوارث الحكم وتتقاسم ثروات اليمن، خمسون عاما منذ أن شعر اليمنيون بحاجتهم إلى التغيير، خمسون عاماً منذ أن انطلقت شرارة التغيير، ومنذ تلك الفترة سار موكب اليمنيين في خطى متقلبة ومتفاوتة بين بناء وهدم، بين شعارات كبيرة يقابلها صدى ضئيل على واقع الحياة، وأصداء أخرى ظلت تتردد من دون أن تصل إلى واقع الحياة، مرت خلالها اليمن بالكثير من المتناقضات، بُنيت فيها المؤسسات العسكرية والتعليمية والاقتصادية والطبية، ولكنها لم تصل إلى غايتها التي رسمتها لها أهداف ثورة 26 سبتمبر 1962م التي نقرأها صبيحة كل يوم في ترويسة صحفنا الرسمية. . هذا يفرض علينا الكثير من التساؤلات التي نبحث لها عن إجابات لها بين الشباب والأكاديمين على حد سواء، بين شباب ثورة 11 فبراير والمهتمين بالتاريخ السياسي والاقتصادي.. ما الثورة، ولماذا انطلقت في 26 سبتمبر1962م، ولماذا تفجرت في 11 فبرير 2011م؟ وهل تعد ثورة 11فبراير2011م امتداداً لثورة 26 سبتمبر 1962م،ما أوجه التشابه والاختلاف بين صانعي الثورتين، وهل خاضها الثوار بقناعة أم من باب التقليد؟ هل نستطيع تقييم الثورتين عل كافة المستويات؟ وما صدى الثورتين على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وما الأبعاد الاقتصادية والثقافية للثورتين؟ تساؤلات كان لابد أن ننطلق بها إلى الشباب والأكاديميين في ساحة الحرية، لمعرفة رؤاهم حول اليمن بين ثورتي 26 سبتمبر 1962م، و11 فبراير 2011م.
الثورة في نظر الشباب والأكاديميين
ترى الأستاذة الناشطة بلقيس العبدلي أن الثورة فعل عفوي يقوم به الشعب لعدم رضاه عن السلطة لتغيير النظام الحاكم وإجراء تحديث شامل في المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما يلبي احتياجات المواطن (المحكوم).
كما يرى الناشط بليغ الشامي أن الثورة وسيلة للانتقال من حالة ووضعية سيئة إلى وضعية اخرى تتحقق فيها العدالة والمساواة، وبناء الأرض والإنسان.
ويرى الدكتور ياسين القباطي، أستاذ الأمراض الجلدية والذكورة المساعد جامعة تعز، رئيس المركز اليمني للعدالة الانتقالية أن الثورة هي نهضة المجتمع من سبات طال مداه لتغيير الوضع الذي فرض عليه طويلا بفعل قوى متضافرة لنهب ثروته ووقف تطوره ونموه هي العمل المجتمعي من أجل الحرية والنمو والتطور، وتحقيق دولة النظام والقانون، هي استجابة شعبية لقادة ملهمين كرسوا ذاتهم ووهبوا أنفسهم من أجل محاربة الظلم والفساد ووضعوا منهجاً لفلسفة الثورة وأهدافها اتفق عليه العموم، وعملوا من أجل تحقيقه.
الثورة مسيرة شعب قد تستمر عقوداً لتصحيح عقود من التاريخ، أفسد حكم الطغاة قبل قيامها كل أخلاقيات الشعوب، فكانت الثورة ضرورة للتصحيح واستمرار زخمها عبر العقود شرط لنجاحها.
ويرى الأستاذ فيصل سعيد فارع، مدير عام مؤسسة السعيد الباحث في الاقتصاد والعلوم السياسية أنه ليس هناك تعريف مانع قاطع للثورة يمكن العودة إليه في الأدب السياسي، لكن الثورة في أبسط تعريفاتها تعني عملية تغيير يتسم بالجذرية لواقع اقتصادي واجتماعي وسياسي قائم خلال أمد زمني معين ، فإذن القضية الجوهرية في عملية الثورة هي (التغيير) وإحداثه بما يعزز حالة انتقال مجتمعي متعدد الأوجه يشمل البنى المادية التحتية ويعزز بالتغييرات الحقوقية المختلفة.
ويضيف: وهكذا تصبح الثورة معرفة في ظني إلى حد كبير بما يفي باحتياجات التعريف، ولكنه بالتأكيد ليس قاطعاً مانعاً.
ما بين انطلاقة سبتمبر وانفجار فبراير
لماذا انطلقت شرارة الثورة في 26 سبتمبر 1962م، ولماذا تفجرت ثورة 11 فبراير 2011م؟
تقول الأستاذة الناشطة أروى وابل: لا شك أن الأسباب في قيام ثورة 26 سبتمبر هي نفسها في ثورة 11 فبراير مع فارق في مستوى الفساد والظلم وإغراق البلد ومن فيها في تعقيدات سياسية واقتصادية كذلك قدرة الأنظمة على التمسك والاستمرار في السيطرة على البلد ولو بصورة قذرة يتم فيها إغراق البلد في نزاعات وحروب واستهلاك لمقوماتها وقدراتها في هذا الصراع.
وعن أسباب انطلاق ثورة 26 سبتمبر تقول الناشطة بلقيس العبدلي: قامت ثورة 26 ضد الحكم الإمامي البائد، حكم الفرد الذي قام على تجهيل الشعب والسيطرة عليه وعلى ممتلكاته في يد أسرة واحدة فقامت لتقضي على الجهل والظلم والفقر والملكية والاستبداد، أما ثورة فبراير فتفجرت من أجل عدة أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية، فمن الناحية السياسية قامت من أجل استرداد الدولة من منظومة من الفاسدين الذين تقاسموا الحكم السياسي وحولوا البلاد الى إقطاعيات تترأسها أسرة واحدة وما حدث من انتهاكات في الحقوق والحريات تراكمت على مدى 33 عاماً لتصبح مجموعةً من القضايا الوطنية الشائكة التي صارت تهدد الأمن والاستقرار وتنذر بحروب مستمرة يشنها النظام ضد الشعب الأعزل، وكذا من أجل القضاء على مشروع التوريث الذي كان سيقضي تماماً على بقايا ملامح ثورة 26 ليعيدنا الى عهد الملكية.
أما من الناحية الاقتصادية فقد قامت كنتيجة طبيعية لما أضحى المواطن العادي يعانيه من تدهور معيشي، وفاقة، وترد في مستوى الخدمات العامة وانهيار في البنية التحتية وارتفاع مستمر في الأسعار ونهب للثروات من قبل مجموعة من المتنفذين مما أدى إلى تفاوت كبير في المستوى المعيشي بين أفراد المجتمع وعدم تكافؤ الفرص وانعدام العدالة الاجتماعية.
ومن الناحية الاجتماعية فقد كان سببها ما يشعر به المواطن من تردي الأوضاع الاجتماعية وانتشار الجريمة والعنف وعدم المساواة وانتهاك في حق المواطنة جعلت المواطن اليمني يعاني من التفكك والضعف في النسيج الاجتماعي ويُتهم بالإرهاب والجهل والتخلف لتُصنف اليمن في ذيل دول العالم الثالث.
وعن أسباب قيام ثورة 26سبتمبر تقول الأخت شفيقة القدسي: في ذلك الزمن كان العالم كله يقوم بثورات تحررية إما ضد الاستبداد وإما ضد الاستعمار، والشعب اليمني لم يكن بأقل من الشعوب حتى يظل ساكنا بلا ثورة، بل وثورات ، فقامت من ثم ثوراته ضد الظلم والاستبداد، وضد الاستعمار توقا للحياة في ظل دولة تضمن للإنسان حياة كريمة فمعاناة الشعوب تولّد الثورات ، وتلك مسلمة طبيعية.
وعن ثورة فبراير تقول: كما نعلم أن الثورات ناتجة عن معاناة وتراكمات ، وكان من الطبيعي أن تكون ثورة 11 فبراير، بل وأن تستمر، لأن المعاناة لا تزال، ولأن أهدافها ومطالبها لم تتحقق، وبالتأكيد أن أسباب الثورات تتشابه، ولكن الأسباب تتضاعف، فثورة فبراير شاملة ولها أسبابها، وهي أكبر بكثير من تلك التي قامت من أجلها ثورة سبتمبر، فطموحات الشعوب تتغير وتكبر بلا شك.
ويرى الدكتور صلاح المقطري -أستاذ الاقتصاد والتمويل المساعد بكلية التجارة ، جامعة صنعاء وعميد كلية 11 فبراير للعلوم السياسية بساحة الحرية، تعز أن أسباب قيام الثورات، تكاد تكون واحدة ، حيث تنشأ وتحدث نتيجة تركز السلطة في أيدي قلة مستبدة، تستحوذ على ثروة البلاد، ليصاحبها فساد السلطة، وتنشأ علاقة وثيقة بين ثقافة الفساد وأشكاله وثقافة الاقتصاد الريعي والنظام السياسي، ليفاقم من سوء توزيع الثروة، ويؤدي إلى انتشار الفقر والبطالة بين الفئة الاكبر في المجتمع. وهذا ما ينطبق تماما على أسباب انطلاق ثورتي 26 سبتمبر و 11 فبراير.
ويشير الدكتور معين عبدالملك - الأستاذ المساعد بكلية الهندسة-جامعة ذمار ،عضو الهيئة الاستشارية للمجلس التنسيقي لشباب ثورة التغيير (تنوع)- إلى الاختلاف بين الظروف التي سبقت قيام الثورتين ومن ثم الاسباب وراء قيامهما وإن كانت الثورة الثانية استردادية لقيم الجمهورية التي أٌهدرت خلال الثلاثة العقود الماضية ونتج عنها حكم عصبوي مركزي تسبب في تفجر الكثير من الصراعات والنزاعات وأضعف الهوية الوطنية لليمن الموحد.
فمثلا ثورة سبتمبر 1962م وما سبقها من مخاض فكري لطلائع النخب اليمنية التي قُدر لها أن تنال قسطا من التعليم و التنوير وسط مناخ رجعي أخرج اليمن كأقدم وحدة تاريخية وسياسية في المنطقة من حسابات الجغرافيا السياسية وارتباط هذه النخب بمفكري جنوب اليمن في عدن والتي كانت منارة ومتنفساً لكثير من الساسة و طلائع المثقفين اليمنيين بحثاً عن هوية اليمن التي شلها منطق عديم لحكم الأئمة رغم محاولة هذه النخب الاصطفاف وراء الإمام مع إصلاحات دستوريه قوبلت بنظرة قاصرة ومن ثم محاولات ثورتي 48 و 55 بعد مرارة تقلص حدود اليمن الجغرافية في نزاع 1934م و الذي أداره الإمام بمنطق ساذج أظهر مدى جهله بجغرافيا اليمن وعدم إدراكه للسياسة وحدود أمنه القومي أمام قوة ناشئة فتية لم تكن تمتلك نفس المقدرات، بل ولم تكن لها في تلك الفترة الثقل السياسي و العلاقات الخارجية التي تتمتع به المملكة اليمنية ،لذا فإن ثورة 1962م هي مخاض وطني سبقه أقدم محاولات للثورة في الوطن العربي وحوار فكري قادته مجموعة من الرعيل الأول لمثقفي اليمن بمختلف توجهاتهم السياسية كان هدفه الأول بناء نظام سياسي يجمع اليمن على أسس المشاركة و يعيد لليمن مكانتها التي فقدتها نتيجة نظام مقفل على نفسه قادم من أعماق الماضي ولا يمتلك أي رؤية للمستقبل.
ويرى الأستاذ فيصل سعيد فارع أن المقارنة تبدو بعيدة نسبياً، بعيدة بعد الزمن الحاكم لهذه الفترة، إذ يقول : نحن نتحدث عن ذكرى (يوبيلية) لثورة 26 سبتمبر، أي مرور خمسين عاما من الزمن وهي أكثر من جيل كما يقال، وبتعريف آخر يكون مرّ في سياق تاريخي متعدد في اليمن وخلالها مرّ أكثر من جيل ، وخلال هذه السنوات الخمسين منذ أن قامت الثورة الأم 26 سبتمبر حتى اللحظة التي قامت بها ثورة 11 فبراير المجيدة، بين هاتين المحطتين التاريخيتين وبينهما بالتأكيد محطات كثيرة من أبرزها ثورة 14 أكتوبر التي لها سمات وطابع آخر وتحديات من نوع آخر، كانت هناك تحديات مختلفة ، ولكن ثمة ما هو مشترك بينهما ، في ظني لا تزال كثير من عوامل الكبح التاريخية التي قامت ثورة سبتمبر للقضاء عليها كانت لا تزال قائمة عند قيام ثورة 11 فبراير المجيدة، بمعنى أن هذا هو ما يمثل المشترك أو القاسم المشترك الأعظم بين هذين الحدثين الثوريين اليمنيين، ومن ذلك مسائل الظلم الاجتماعي، مسألة حالة عدم التكافؤ بين أطراف المعادلة الوطنية، مسألة الحريات وعدم تحققها بقدر كاف، مسألة العدالة الاجتماعية وحتى التحديات المتصلة بإعادة بناء البنية الوطنية الوحدوية العامة باعتبارها أحد الأهداف المركزية التي كان اليمنيون يناظرون من أجلها منذ فترة مبكرة في تاريخنا المعاصر، لا تزال أيضاً تعاني من بعض صعوبات بعد تحقيق الوحدة اليمنية خلال الامتداد التاريخي ، وبالتالي فثمة كثير من أوجه التشابه والاشتراك بين هاتين المحطتين الفاصلتين في تاريخنا المعاصر ثورة 26 سبتمبر، وثورة 11 فبراير.
امتداد الثورات وصانعوها في اليمن
هل تعد ثورة 11 فبراير2011م امتدادا لثورة 26 سبتمبر 1962م، ما اوجه التشابه والاختلاف بين صانعي الثورتين، وهل خاضها الثوار بقناعة أم من باب التقليد؟
يرى الكثير من الشباب أن ثورة فبراير ليست امتداداً لثورة سبتمبر ولهم مبراراتهم في ذلك ، إذ يقول الأستاذ فهيم المنيفي، رئيس منظمة عين للتنمية وحقوق الانسان .. أنا لا أعتبر ثورة 11فبراير امتدادا لثورة سبتمبر ولذلك فثورة 11 فبراير هي ثورة بكل المقاييس ومتميزة بكل معاني الامتياز – وإن كنا لا ننتقص من ثورة سبتمبر العظيمة – فثورة فبراير كانت ثورة شعب كان شرارتها هم الشباب ثم انخرط فيها كل فئات المجتمع من أحزاب وعسكريين وقبائل .......الخ.. وكان أهم ما يميزها أنها ثورة وعي لدى الجميع عكس ثورة سبتمبر والتي قادها نخبة من العسكر والمثقفين والأدباء ولذلك غالبية الشعب ما كان يدري ما الثورة وما المقصود منها وبالتالي اهدافها لم تحقق نتائجها بالشكل المطلوب.
كما يرى المهندس الناشط ريدان العريقي أن ثورة فبراير ليست امتدادا لثورة سبتمبر، لأن قيام ثورة الحادي عشر من فبراير احتاجت لنصف قرن أي لجيل جديد هو من فجرها وسيمضي مصرا لتحقيق كافة أهدافه.
وتوافقه الناشطة الأستاذة منى الزعيتري التي تقول: لا توجد ثورة امتدادا، لثورة ثورة فبراير قام بها شعب وثورة سبتمبر قام بها مجموعة من الضباط الأحرار.
وتقول الأخت آمال الشميري: ثورة 11 فبراير ليست امتداداً لثورة 26 سبتمبر وذلك لاختلاف العصر ومتغيراته السياسية والاجتماعية والثقافية وحتى تغيّر الأنظمة السياسية ومطالب واحتياجات الشعوب المنسجمة مع مطالب العصر.
كما أنني أستطيع أن أجزم أن معظم من خرجوا للمشاركة في الثورة السلمية في اليمن شاركوا عن قناعة وخاصة الشباب المستقل أو المنضويين تحت قيادة أحزابهم الهرمة التي وجهت الثورة نحو الأزمة كما يعرف كل من تابع أحداث الثورة في اليمن والسؤال هنا هل اليمن كانت بحاجة إلى ثورة تحدث تغييراً جذرياً في نظامه الشمولي الدكتاتوري ومكوناته السياسية القبلية والعائلية المتسلطة؟ الدولة التي أعلنت كل التقارير الدولية والإقليمية فشلها على كل المستويات دولة القبيلة التي انهار فيها كل شيء؛ الاقتصاد والنظام وحتى القيم الاجتماعية والإنسانية دولة اللا دولة ومع معاناة الشعب اليمني بكل مكوناته وخاصة الشباب من هذا النظام المستبد الفاشل كانت ضرورة التغيير ولكن لم يكن في اليمن قيادات حزبية أو اجتماعيه قادرة على اتخاذ قرار التغيير الثوري لأسباب يطول شرحها ، وكان من الطبيعي التأثر برياح التغيير في البلدان العربية المجاورة بناءً على طبيعة القواسم المشتركة في الأنظمة العربية الاستبدادية والمتغيرات الاجتماعية والثقافية و..... إلخ إذا الثورة بالنسبة لليمن كانت ضرورة تاريخية وليست تقليدا.
ويقول المحامي الناشط غازي السامعي: من وجهة نظري لا نستطيع القول بان الثورة الشبابية ثورة الحادي عشر من فبراير امتدادا لثورة السادس والعشرين من سبتمبر ولا نستطيع في المقابل أن نقول إنها جاءت بمعزل عنها، فالفعل الثوري متجذر بالفكر البشري وبطبيعة العلاقات القائمة ضمن المنظومة المجتمعية لذا نجد بأن البشرية تتجدد وتستمر ثوراتها منذ الأزل وحتى الفناء.
أما عن أوجه الشبه بين صانعي الثوريتن فهو أنهم شعروا بالظلم والتسلط وعدم المساواة وامتهان الكرامة البشرية فأدركوا أن الثورة هي المخرج لإحداث التغيير وأوجه الاختلاف في طريقة وآليات القيام بالثورتين.
كما أستطيع الجزم بأن الثوار قاموا بها بقناعة كاملة وليس من باب التقليد ولا أحد يستطيع تجاهل الاحتجاجات والمظاهرات التي حدثت في اليمن وتحديدا في المحافظات الجنوبية منذ العام 2007 م ومن ثم فإن المقدمة الاساسية لثورة الحادي عشر من فبراير كانت سابقة للربيع العربي.
ويرى المهندس جمال الأغبري أن ثورة 11 فبرير امتداداً لثورة 26 سبتمبر، وجاءت لتصحيح مسار الثورة ضد الحكم العائلي وما أفسده الحكم الشمولي الذي أضاع حق الثوار الفعليين الذين قاموا بثورة 26 سبتمبر، التي نسبت لأشخاص ومجاميع لم يكن لها أصلا وجود عند قيام تلك الثورة ، وجاءت ثورة فبراير لتعيد للثوار الذين ضحوا وجاهدوا ضد حكم الإمامة حقهم ، وإظهار الحقائق التي ظلل بها النظام العائلي الشعب طوال 33 سنة طوال فترة حكمه الفاسد الذي أسسه لحكم عائلي تحت مسمى جمهوري، وقد جاءت ثورة 11 فبراير من أجل الحصول على الحرية والحقوق الكاملة في المواطنة المتساوية أيضاً.
ويرى الدكتور ياسين عبد العليم أن سبتمبر ثورة أقرب إلى الانقلاب قادها عسكر وانضم اليها الشعب ونهبها المحتالون وتزعم بعد قيامها ممثلون عن الحكم البائد من سادة وقضاة ومشائخ أفرغوا ثورة سبتمبر من محتواها ولما حاول أحد القادة العسكريين إعادتها إلى خطها الصحيح تآمر عليه البعض فقتلوه وولوا مكانه رجلاً يخدمهم ويحافظ على الوضع المتخلف الذي كان يقوده حليفهم من أسرة حميد الدين 33 سنة، استمر الطاغية ينشر الجهل والظلم ويسلم مقاليد الدولة لمن لا يستحقها من عديمي الكفاءات والخبرات، مجرد بشر يحكمون لإنهم موالون له الذي قضى على كل ماهو جميل في اليمن فكانت ثورة 11 فبراير عملاق أنطلق من قمقم كان يظن أنه قد أحكم إغلاقه ، فأذهلته المفاجئة وصار تصرفه خبط عشواء ثورة 11 فبراير هي إنقاذ لثورة سبتمبر وليست امتداد لها.
وعما كانت فبراير امتداد لثورة سبتمبر أيضاً يقول الأخ فيصل سعيد فارع: هذه القضية ذات طابع إشكالي في الجانب المعرفي والنظري ، كون ثورة 26 سبتمبر اتسمت بطابع انقلابي إلى حد كبير قام به من كان يسمى بأعضاء الخلايا الثورية من الضباط الأحرار وبعض صغار التجار، وبعض النشطاء المدنيين حينها واختُزلت فعاليتهم كلها بتلكم الحركة العسكرية التي نشأت ب 26 سبتمبر وأُضفي عليها طابع الثورة، لكن ما حدث في 11 فبراير شكل آخر من أشكال الفعل الاجتماعي الواسع قادته فئات اجتماعية مختلفة وفي الطليعة منها فئة ليست اجتماعية طبقية، بل دعينا نقول فئة عمرية هي التي قادت هذا الثورة هي فئة ( الشباب) بتلاويين طيفهم الفكري والسياسي والاجتماعي المختلفة، هم الذي كانوا في قلب ثورة 11 فبراير، ومن مميزات هذه الثورة عن مميزات 26سبمبر هي أنها ليست لها اهداف معلنة بمعنى أنه صدر اليوم الثاني لبدء ثورة 26 سبتمبر بيان من مجلس قيادة الثورة كما قيل حينها يحدد أهدافها الستة، هذه الأهداف وجدت منها في 11 فبراير وتتحدث عن تلك القضايا التي تتحدث عن الحرية والعدالة، القضايا المركزية التي في جزء منها موجودة هنالك في 26 سبتمبر لكنها ليست محددة، ولذلك كان الحديث الآن عن مستوى إنجاز أهداف الثورة الأخيرة والأكثر ديناميكية، الثورة التي أعتبرها تاريخية ونوعية في تعبيراتها وفي شكل حضورها وفي القوى الفاعلة لها، الحديث عن أهداف محددة ، وعن مدى مستوى التقدم في إنجازها هذه مسألة ملتبسة ليست واضحة مثل ثورة 26 سبتمبر، لكن الحديث عن 11 فبراير حديث عن افق تغييري واسع النطاق.
وفي هذا الموضوع يقول الدكتور عبد الله الذيفاني- الأستاذ الجامعي في جامعة تعز ورئيس المجلس الاهلي: أنا أتصور أن ثورة 26 سبتمبر هي ثورة انطلاق وثورة 11 فبراير هي ثورة تصويب واستمرار، تصويب مسار.
أما عن صانعي الثورتين فأنا أرى أن الأطياف التي شاركت في ثورة سبتمبر وفي ثورة أكتوبر أيضا هم أيضاً شباب، وهم من الرعيل السياسي، وحصل نوع من التنسيق أو العلاقة سمها علاقة ثورية، سمها علاقة احرار، سمها علاقة رغبة في التغيير بين جيل ناضل سياسيا وجيل جاء فجرها، جاء ينفذ، يعني العسكريون الذي نفذوا الثورة شكلوا طليعة شبابية نفذت طموحات شيوخ ومنظرين ، في التحام رائع لوحة تكررت في 11فبراير من حيث الفئات .أما في ثورة فبراير فلم تتضح ملامح القيادة هذا فرق جوهري بينهما ، في ثورة سبتمبر القيادة كانت معلنة رغم وجود غموض في تفاصيلها إلى الآن ، وكانت تعمل بسرية مطلقة لكنها كانت تعمل بصيغة تنظيمية في الجانب العسكري ، 11 فبراير لم يكن لها صيغة تنظيمية ولكنها ثورة انطلقت لتلبي حاجة ضرورية لابد أن يقوموا بها إن لم تكن في 11 فبراير كانت ستكون في غيره، لأن الظروف الذاتية والموضوعية كانت في مرحلة من النضج ، صحيح أنها لم تكتمل لكنها بلغت مرحلة كان لابد لها ان تسجل ثورة؟
تقييم ثورتي 26 سبتمبر و11 فبراير
هل نستطيع تقييم ثورتي 26 سبتمبر و11 فبراير على كافة المستويات وإن كان من الصعب تقييم الثانية كوننا في خضمها ، فهل يمكننا التكهن بهذا التقييم؟
في هذا الموضوع يرى المحامي الناشط توفيق الشعبي أن ثورة 11 فبراير هي الثورة الحقيقية التي انخرطت فيها كافة فئات الشعب بخلاف ثورة 26 التي كانت ثورة قام بها وفجرها مجموعة من الضباط والعسكريين ، ومن ثم استطاعت القوى المصلحية حرف مسارها بعد سنوات، أما ثورة فبراير لا يخفى على احد مدى الالتفاف والمشاركة الشعبية الواسعة فيها ولعل المشاركة الواسعة والفاعلة للمرأة تؤكد مدى ما نقوله من أن ثورة فبراير ثورة شعبية عميقة شعر الجميع بالحاجة إليها وضرورتها من كل النواحي ويمكن القول إنها بداية تحول حقيقي للمجتمع اليمني شمالا وجنوبا نحو الدولة واستنهاض للقدرات الكامنة في أعماق النفس البشرية والقيم الإنسانية لأجل الحرية والحياة الكريمة، فثورة فبراير أتت عظيمة بأدوات جديدة وتتبنى قيماً رائدة وعميقة تجسد طموح جميع اليمنيين بالحياة الحرة الكريمة أشعل شرارتها شباب طموح بريء لا علاقة له بحساب المصالح وصراعات القوى التي تحاول الاحتواء لهذه الجهود العظيمة وترجمتها وفقا لمصالحها ولن تتمكن بإذن الله.
لقد أحدثت ثورة فبراير ثورة في مستوى الفهم لدى مختلف الأطياف والفئات ووصلت اصداؤها إلى الأرياف والمناطق الحضرية والبدوية إلى القرى والمدن وبلغت كل أرجاء اليمن ووصل صداها الى العالم أجمع، ولا يمكن حاليا تقييم ثورة فبراير لأن الثورات لا تُقيم بزمن قصير ولكن بمدى التحولات التي تصنعها على المدى الطويل وما زلنا في أوج العمل الثوري وهنا أقصد العمل الذي يختلف عن الفعل.
ويقول المهندس ريدان العريقي: إن تقييمنا لثورة 26 سبتمبر يحتاج لمتسع من الوقت ولكن باختصار يمكن قياس نجاح الثورة من فشلها بمدى تحقيقها لأهدافها ولا يخفى على أحد بأنه وللأسف لم تحقق ثورة 26 سبتمبر حتى 10 %من أهدافها.
أما بالنسبة لثورة الحادي عشر من فبراير فحتى اللحظة هي تصارع على فرض وجودها كثورة شعبية وتحاول من خلال فعلها المستمر الطويل المدى أن تتحول إلى انتفاضة فهي تعاني من القوى المناهضة لها محليا وإقليميا ودوليا ،ولكنها بالرغم من ذلك أحدثت أثرًا ملموسا يدفع عجلة التغيير في كافة المناحي، وإن مضت ببطء إلا أنها ستمضي لا محالة بتضافر جهود أبنائها الشرفاء والأحرار، كما أنها غيّرت خارطة القوى السياسية، و فرزت المواقف وفرضت التجديد ، وإني لأرى أهم المكاسب التي ستحققها ثورتنا هو تغيير نظام الحكم من المركزية إلى اللامركزية الأمر الذي سيكسر احتكار السلطة وسيوجد شراكه حقيقية التي ستحقق في نهاية المطاف شراكه وطنيه في السلطة و الثروة
أما من الناحية السلبية فإن الثورة أخفقت في إنتاج قيادة حقيقية، بغض النظر عن الأسباب، كما أنها عجزت عن دحر الفاسدين ممن ينتمون لبعض مكوناتها أو من الذين فروا منها إليها.
ومع ذلك فثورتنا كسرت حاجز الخوف وأعلت صوت الحق ودفعت بعجلة التغيير وأحدثت حراكا في كافة مكونات المجتمع سياسيا ودينيا وعلى مستوى كافة الفئات والتركيبات العمرية.
وتقول الأخت شفيقة القدسي: لا يستطيع الإنسان أن يقيّم ثورة في عجالة لكن بإمكاننا أن نقول عن ثورة سبتمبر إنها لم تنجز – بفضل قوى الإفساد التي استولت على السلطة - أهدافها، ومن ثم لم يتحقق ذلك التواجد السياسي، وذلك يظهر جليا في غياب كيان الدولة التي من خلال تواجدها يصبح المجتمع حاضرا بثقافاته الراسخة والإيجابية، بما في ذلك الثقافة الدينية وهذا الحديث ذو شجون، وبالذات التقييم الديني فهو بحاجة للكثير من الوقت والجهد والتركيز.
أما ثورة فبراير فما تزال في بدايتها، لكنها بإذن الله وبالآمال التي يجب أن تظل في نفوسنا – ثورة الثورات – وستحقق كل أهدافها مهما طال الزمن وحينها سيقيّم المؤرخون فبراير وأخواتها من ثورات الربيع العربي.
ويرى الدكتور معين عبدالملك أنه يمكن أن نقيم مدى الأثر الذي تركته الثورتان ، وإن كنا في خضم الثانية إلا أنه يجب إدراك أن ما حققته ثورة 2011 تجاوز أثره ما كان متوقعا في العمق الاجتماعي والسياسي، وإن لم يُنتج ذلك نظاما سياسيا ملبياً لرغبات الشباب لكنه اقتلع الألغام التي لما يكن هناك شك أن اليمن تعاني منها منذ سبع سنوات على الأقل – منذ بداية الحروب على صعدة والحراك الجنوبي - وتهدد هوية اليمن و بنيته السياسية و ذلك من دون الدخول في حرب واسعة، فبناء نظام سياسي بعد ثورة البرتغال مثلا تطلب تسع سنوات ،كما أن الكثير من الدول في أمريكا اللاتينية تتطلب خروجها من دوامة العسكرتاريا دساتير وتجارب امتدت لسنوات، وإذا أحسن اليمنيون تشخيص أخطاء الماضي ومعالجتها في إطار وثيقة الدستور القادم بكل تفاصيله بما يسمى الهندسة الدستورية سيكون للعملية السياسية القادمة دور في عملية التعافي الوطني التدريجي لنصل لوطن آمن مستقر ومزدهر.
ويرى الدكتور صلاح المقطري أن ثورتي 26 سبتمبر او 11 فبراير، لم تستطيعا إحداث تغيير يرتقي لما تصنعه الثورات الأخرى، فلم تستطع ثورة 26 سبتمبر إحداث تغييرات جذرية في بنية وتركيب المجتمع اليمني ،إلا في حدود ضيقة ، كما أنها لم تصنع أو تخلق نمطا سياسيا جديداً كلياً، حيث لم تتحول الدولة الى جمهورية حقيقية، فقط تم رفض ثقافة الحكم العائلي القائم على السلالية، ولم تقض على التأثير القبلي والديني على المجتمع والسياسة، وكذلك أحدثت تغييرا سياسيا واجتماعيا وثقافيا ودينيا لدى ابناء المناطق الوسطى، وقد يكون بسبب تأثر هؤلاء بالحياة المدنية في مستعمرة عدن.
بالرغم من أن كلا الثورتين سعت لتغيير الحياة السياسية والاجتماعية والدينية، وإن كان يصعب في الاخيرة التكهن بما ستحدثه من تغييرات في المستقبل، فلم تنته ارهاصاتها حيث لم يتم التحول الى شكل آخر فأسقطت نظاماً عائلياً، لينتقل إلى نظام ديمقراطي رحب، ليعبر عن الإرادة الشعبية، ففي ظل سيناريوهات مختلفة لا يمكن معرفة ملامحها في ظل وضع أقل ما يمكن القول عليه انه شديد التعقيد لانتقال السلطة يرعاه المجتمع الدولي والإقليمي، والذي يأمل، بحسب تصريحاته الإعلامية نقل البلاد وانتشاله الى وضع مدني ديمقراطي آمن لبلد تتجاذبه المخاطر، ولا ترغب هذه القوى بانزلاق اليمن ليصبح مصدر تهديد للأمن والسلم الدوليين. وما نخافه ان تنتكس “الثورة” وتنحرف عن أهدافها ومقاصد المبادرة الخليجية بسبب الهامش المتروك لقوى “الداخل” لإمكانية الصراع على السلطة والثروة.
صدى الثورات اليمنية على كافة المستويات
ما صدى ثورتي 26 سبتمبر 1962، وفبراير 2011م على المستوى المحلي والإقليمي والدولي؟
يرى الناشط بليغ الشامي أن الموقف المحلي والتفاف الشعب حول ثورة 26 سبتمبر كانت بعد القيام بالثورة بفترة ، أما في ثورة 11 فبراير التف الشعب حول الثورة كضرورة شعبية من أول يوم انطلقت فيها الثورة أما على المستويين الإقليمي والدولي لثورة سبتمبر فقد كان الموقف الإقليمي والدولي يتعامل بمعيارين موقف ضد الثورة من جهة، ومن جهة أخرى عندما أصبحت الثورة قائمة على أرض الواقع تعاملت مع القوى القبلية، ومكنتها من السيطرة على الحكم تحت شرعية الثورة التي أصبحت مقبولة بين أوساط الشعب، وهو نفس الموقف الذي تعاملت به مع ثورة 11 فبراير.
وهناك من يرى أن ثورة 26 سبتمبر لم يكن لها صدى مقارنة بثورة 11 فبراير كالناشطة أروى وابل التي تقول : ثورة 26 سبتمبر لم يكن لها صدى دولياً وإقليمياً وحتى محلياً لعدة أسباب:
أولاً : الجهل والأمية التي كان يغرق بها الشعب اليمني
ثانياً : نسبة المشاركة كانت محدودة فسُميت ثورة النخبة ، ولذلك كان من السهل في ذلك الوقت أن تأتي إشاعة بسيطة كإشاعة الدستور والدستوريين لتضحك على الشعب لتجعلهم ينقلبوا على الثورة.
ثالثاً : لم يكن لثورة سبتمبر صدى لا إقليمي ولا دولي حيث كانت اليمن بعيدة عن التأثر والتأثير وإنما كانت فريسة للآخر.
أما ثورة 11 فبراير فكما قال عنها كثير من المفكرين والمثقفين والناشطين إنها ثورة تستحق أن تُدرس للأجيال ولا يسع المجال لذكر الجوانب المشرقة فيها.
أما الناشطة بلقيس العبدلي فتقول : ربما لا يتسع المجال للمقارنة بين صدى الثورتين، لكن ما اريد قوله إن للثورتين صدى كبيراً والفرق أن 26 سبتمبر كانت تحوُّل من النظام الملكي الى الجمهوري، وباركتها القوى الإقليمية والدولية ولو شكليا ً.
اما ثورة 11 فبراير برغم كل ما حققته من صدى بالأخص في سلميتها ومشاركة الكثير من أطياف الشعب فيها بالأخص النساء إلا أن القوى الإقليمية تحاول فرض وصاية عليها والوقوف الى جانب النظام في تحويلها كأزمة وفرض حل لا يحقق ما خرج الناس من أجله خوفاً مما حققته من صدى ومنعاً لوصولها إلى دول الجوار وحفاظاً على مصالحها ومصالح الكثير من حلفائها سواء في النظام او في المعارضة وتشاركت ذلك مع حلفائها من القوى الدولية حتى اصبحت كل وسائل الإعلام المحلية والإقليمية تعمل على تصدير الصوت الذي يؤيد نهج فارضي الوصاية محاولة ً إخفاض صدى ثورة 11 فبراير ولكن هيهات.
ويرى المهندس الناشط ريدان العريقي أن صدى فعل الثورات يصل مداه بقدر الأثر الذي تحدثه في تغيير موازين القوى العالمية وبحسب أهمية الدولة على خارطة الصراع السياسي و الاقتصادي في العالم، ويقاس ذلك من خلال الرأي العام عبر المواقف الرسمية ووسائله الإعلامية وفي رأيي بأن صدى ثورتي السادس والعشرين من سبتمبر والحادي عشر من فبراير كان بنفس القدر فقد وجدتا تزامنا مع مد ثوري واسع في الشرق الأوسط الذي له من الأهمية ما يفرض أثرا في خارطة الصراع السياسي والاقتصادي بين القوى الكبرى في العالم.
وعلى الجانب الأكاديمي يرى الدكتور طاهر فرحان قاسم - أستاذ العلوم السياسية في جامعة تعز أن صدى ثورة 11 فبراير كان بمثابة البركان الذي تفجر في الداخل اليمني، وكان له صدى ليس في ذهنية الانسان المتحزب او الواعي فقط، بل وصل صداه إلى كل اذن يمني من العامل البسيط ومنه إلى أعلى المستويات ، لدرجة أن كثيراً من القطاعات الشعبية أخذت تلتحق بركب الثورة ، فنحن نلاحظ في ساحات الحرية والتغيير في الجمهورية اليمنية كثيراً من قطاعات المجتمع بكل فئاته المختلفة.. القبيلي المتسلح الذي كان ينام مع سلاحه ولا يتركه حتى وهو في غرفة نومه أصبحنا نراه في ساحات الحرية من دون سلاح، وكنا نسير في المسرات ونرى رجل القبيلة الذي كان متعصباً وإذا قتل فرد من أفراد قبيلته ينتقم بيده أصبح في المسيرات يصيح سلمية سلمية، وفرد من أفراد أسرته أو قبيلته يسقط شهيداً، ولا يرفع صوت الثأر.
أصبحت الساحات مجتمعاً مصغراً يوجد فيه الرجل، المرأة، العسكري، الطالب ، الوزير، القائد العسكري، سواء كانت فئات اجتماعية او سياسية أو بما يسمى نخب سياسية، باختصار كان الصدى لثورة فبراير قويا جدا، فهناك في صنعاء مسيرات فاقت المليون اشتركت فيها كل فئات المجتمع بخلافاته الفكرية.
على المستوى الإقليمي كان لها أيضا صدى غير عادي، وكان هناك الاهتمام الإقليمي باليمن، لاعتقادهم أنه إذا قامت ثورات في عموم الوطن العربي، ففي اليمن لم يكن هناك توقع أن تكون هناك ثورة بهذا الشكل السلمي والحضاري ، كانوا يتوقعون أن المجتمع اليمني لن يخرج بهذا الشكل، لأنه شعب مسلح، يقال إن فيه أكثر من ستين مليون قطعة سلاح، فكيف لهذا المجتمع ان يثور ثورة سلمية أو ما يسمى ب ثورة ربيع عربي، هذه التساؤلات دفعت بهم ان يظلوا على تواصل بالثورة اليمنية بدليل ظهور كثير من المبادرات وكثير من التواصلات على مستوى النخب السياسية والفكرية وعلى مستوى المنظمات الإقليمية ، وظهر هناك تفاعل أسميه التفاعل المجتمعي الإقليمي كان تفاعلا إيجابياً، أما التفاعل السياسي وأحدده المجاور لليمن كمجلس التعاون الخليجي كان تفاعله انا أعتبره سلبيا، حجّم الثورة وقزّمها، لأن الثورة كانت من دون المبادرة الخليجية ستنطلق انطلاقة افضل مما هي في حالة المبادرة الخليجية.
أما الصدى الدولي ( المجتمعات العالمية ) فهي ترى أنه من حق المجتمع اليمني أن يثور ويغير في قياداته، وهذا ما لاحظته في كثير من منظمات المجتمع المدني العالمية التي تتبنى كثيراً من الرؤى التي يطلقها الثوار، مثل مناصرتهم لقضية محاكمة رموز النظام التي أجرمت في حق الشعب اليمني، هذا تفاعل مجتمعي إيجابي، بينما كان هناك انسياق للجانب السياسي لبعض الأنظمة العالمية وراء ما دار في الخليج، والمجتمع الخليجي في الأصل لا يريد تغييراً جذرياً في اليمن، وهم ساروا بالمسار نفسه بالذات الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت مؤيدة للمبادرة الخليجية، والمجتمع الاوروبي أيضاً، كمجتمع سياسي، كانوا مؤيدين للمبادرة الخليجية ، لكن كمنظمات مجتمع مدني كانوا يؤيدون أخذ المواطن اليمني لحقوقه كاملة سياسيا بعملية التغيير الحقيقي الكامل وليس الجزئي.
وعلى الجانب الآخر هناك فرق بين الثورات التي قامت في الستينيات وثورة الربيع العربي، الثورات التي قامت في الستينيات سواء كانت سبتمبر أو أيلول في مصر كانت ثورة نخب أما ثورات الربيع العربي فهي ثورات شعبية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لذلك ثورات النخب هذه كادت أن تكون مقصورة على مجاميع محددة، لم يكن هناك استهداف لتغيير بنى اجتماعية موروثة من نظام قديم لكن ثورة الربيع العربي على ما نلاحظ تهدف إلى تغييرات جذرية شاملة في كل البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، أي انها ترنو إلى تغيير مجتمعي حقيقي.
وكان لثورة سبتمبر كان صدى، حيث تآمر المجتمع الإقليمي عليها، لأنها كانت متوجهة لاقتلاع نظام أسري حقيقي ومع ذلك وبالرغم من اختلاف ما هو موجود في دول الخليج مع نظام الأئمة ، وعلى رأس هذه المنظومة السعودية كانت مختلفة مع نظام الإمام ، أو مع الإمام نفسه سواء سياسيا أو حدودياً على الأراضي أو على غيره.
الثورة ( ثورة سبتمبر) وقفت على قدميها بالرغم من استمرار التآمر عليها من الدول المحيطة و الأمر نفسه يجري الآن، كان هناك صدى تآمري أو خارجي يعني الدول كأنها تسمع للمتآمرين على اليمن ولا تسمع للثوار في اليمن، بدليل أنه حتى امريكا لم تقم بدعم فوري للثورة اليمنية ثورة 26 سبتمبر، وأعتقد أن السيناريو نفسه تكرر في ثورة 11 فبراير لكن بشكل أوسع الآن، وبتكالب كبير جداً حاولوا أن يظهروا للمجتمع اليمني أنهم معه ، لكنهم في الحقيقة هم ضد الثورة في اليمن، ضد كل تغيير حقيقي ، ضد كل تطلعات الشعب اليمني، لأن الثورة تهدف إلى تغيير جذري في الجوانب الاجتماعية و الثقافية والاقتصادية والسياسي.
وهو أمر غير مرغوب، لأن التغيير بهذا الشكل وإقامة ديمقراطية حقيقية غير مرغوبة من الأنظمة الموجودة حولنا، لأن إقامة ديمقراطية حقيقية معناه أنه سينتشر ريحها وصداها إلى الجوار وهذا ما لا ترغب فيه.
أما الدكتور عبد الله الذيفاني فقد حلل هذا الصدى بطريقة أكثر تفصيلاً، إذ يقول: إن صدى سبتمبر مازال موجودا إلى الآن، وصدى سبتمبر يكفي أنه تجدد في ثورة أكتوبر التي تنازلت بها المملكة المتحدة عن جوهرة التاج البريطاني (عدن) حملت عصاها ورحلت، يكفي أن ثورة سبتمبر أصّلت لحركة تحررية رأينا أثرها في عمان في التصالح الذي حدث بين السلطنة والمعارضة العمانية وشكلوا بعدها نظاماً موحداً، فحصلت لها تغذية فكان السلطان أكثر ذكاء من غيره، استطاع أن يصل مع المعارضة إلى اتفاق لبناء عمان، المعارضة تتنازل عن برنامجها، وهو يتنازل عن تشدده، ويعمل الطرفان من أجل بناء عمان، واتفقوا على ذلك، ومازال بعض الوزراء إلى الآن محسوبون على المعارضة، يكفي أثر سبتمبر إلى الآن بأنها شكلت علامة فارقة في منطقة الجزيرة والخليج في طبيعة العلاقات التي حدثت.
ولكن مشكلة ثورة سبتمبر أنها واجهت منذ البداية عصبة دولية متعددة الأجناس وليس محلية، من قاتل ثورة 26 سبتمبر ليس الملكيين فقط ، بل أسرة دولية متعددة الأجناس، وإيران وبريطانيا والباكستان، دول قاتلت الدولة اليمنية قتالاً حقيقياً، الأردن أيضا وغيرها من الدول ، عصبة الملكية وعصبة الرجعية وعصبة الرأسمالية ، كلها اتحدت ضد الثورة، لأن ثورة سبتمبر لو كانت نجحت بكل المقاييس التي كانت مخططاً لها، لكانت أحدثت انقلابا كبيرا في كل الجزيرة، لذلك أرادوا أن يحبطوها ، وهذا تأكيد على أن ثورة سبتمبر ثورة بكل المعاني، ثمان سنوات من القتال المرير ضد هذه الثورة والاستقرار لم يحدث إلا في سنة 1970 م، وفي هذه السنة بدأت تتشكل الأمور بشكل مختلف تحتاج لها إلى وقفة أخرى.
وثورة فبراير ليست سهلة فقد جاءت في ظروف أشد تعقيداً ، وفي ظروف سياسية أكثر وضوحا، أكثر تعقيداً في مجرياتها ومكوناتها ، وأكثر وضوحاً في أطرافها، في سبتمبر كان الناس يعملون تحت الظل بحكم طبيعة المرحلة ، وثورية المرحلة والمد القومي العظيم الذي كان في تلك الفترة ، كان الناس قوميين عرباً من دون أن ينتموا لأحزاب قومية ، كان التنافس داخلهم من اجل الحرية والانطلاق كبير، لذلك كان أعداؤهم وخصومهم يلبسون ملابس مختلفة ، اما الآن فالجميع كشفوا عن أقنعتهم، وتعاملوا مع الثورة تعاملاً مباشراً.. ثورة 11 فبراير لها صداها ، وأنا لا أشبهها ببقية الثورات العربية، طبيعة ثورة اليمن ثورة مختلفة تماما، لأن المجتمع الذي يُسمى المجتمع الدولي ضد هذه الثورة ، بينما المجتمع الدولي مع تلك الثورات ، فهو مع ثورات ليبيا ومصر وسوريا، وذلك لأن اليمن تشكل علامة فارقة في العلاقات الدولية من حيث الموقع والتأثير، الموقع أولاً استراتيجي ويقع على أكثر من مسطح مائي ، يقع على المحيط ويقع على الخليج ويقع على البحر، وهو في منفذ خانق لكل حركة الخليج ، ولكل حركة البحر الاحمر، وهذان ممران مهمان جدا بالنسبة للمجتمع الدولي ، إذا اختنق هذا المنفذ تعطلت الكثير من مصالح العالم، ومن ثم هم حريصون على أن يظل هذا الموقع بأيديهم ، تأثيره السياسي على الخليج التي تعتبر المخزون الاستراتيجي ليس لدول الخليج، لكن المخزون الاستراتيجي للعالم اليوم ، لأمريكا وبريطانيا والدول الصناعية، الدول الصناعية تعول في مشروعها على هذه المنطقة ، منطقة الخليج والجزيرة)، ولا تعول على ما لديها من احتياطي.
على كل حال، الهجمة التي تواجهها ثورة فبراير أشد وأقسى من هجمة سبتمبر ، لأن في سبتمبر ركزت الهجمة في الجانب العسكري بصورة مباشرة مع أنها شملت جوانب كثيرة ، لكن الجانب العسكري كان أقوى، لكن المشكلة الآن هي الجانب الفكري، الآن يحدث تشظي في الهوية والانتماء في العقيدة، في النظرة إلى الوطن.
الأبعاد الثقافية والاقتصادية لثورتي 26 سبتمبر و11 فبراير
يرى الطبيب الناشط رمزي المعمري ومنسق اتحاد شباب 11 فبراير أن لثورة 26 سبتمبر على المستوى النظري مضموناً اقتصادياً يكشف عن طبيعته المتقدمة قياسا بظروف مجتمعه في لحظتها أحد أهدافها الستة ، والذي تضمنه بشكل جلي بُعد ثوري مباشر يستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية بإزالة الفوارق بين الطبقات ، وهو بهذه الصيغة حاكى المناخ الثوري القومي السائد في مرحلتها تلك والذي كانت الاشتراكية العربية وفق مدرستيها (البعثية والناصرية) ومحاولتيها(بشكل أدق) سمة تلك المرحلة من التاريخ العربي قبل ستين عاما من اليوم ، لكن الأثر العام لهذا الهدف – لا يكاد يعتبر تجربة ناجحة- وتلك مسألة يمكن أن ُتفهم مبرارات فشل تجربتها في اليمن ، بالنظر إلى أن الثورة فيه لم ترث مؤسسة للدولة ، ولم تكن تملك من القدرة الواقعية على تعديل قواعد وعلاقات وقيم مرحلتها الاستغلالية والمتخلفة أية قوة .
إن ثورة 26 سبتمبر في نهاية عقدها الأول ولأسباب كثيرة لم تتمكن من إنجاز ما هو أكثر من مجرد التهيئة المتواضعة للنظام الإداري بشكله الجنيني ، وخلال السبعينيات شهدت تحولا جديا فاعلا ونموذجيا في البناء والتنمية والتخطيط العام الاستراتيجي لمشروع نهضة اقتصادية واجتماعية وطنية رائدة سريعا ما تعرضت للانهيار عبر عملية اغتيال لمشروعها ابتدأت باغتيال الشهيد إبراهيم الحمدي ، ليعقب ذلك أوسع وأعمق عملية تدمير للمكاسب المتحققة في عهد الحمدي ، أفضت بالنهاية إلى واقع اقتصادي متخلف وفاسد ومستبد واستغلالي ، بدد الثروات ودمر الطاقات وعبث بالموارد كلها، ليورث البلد في نهاية المطاف مظهراً اقتصاديا لا يرقى لدرجة النظام ، هش واحتكاري غير إنتاجي وبلا ملامح .
وعن الأبعاد الثقافية استطاعت ثورة 26 سبتمبر أن تثمر محاولات سلطتها الوطنية - المعلومة ومحدودة العمر – وقواها الوطنية بعدا ثقافيا وسياسيا وفكريا واجتماعيا كان متواضعا تجلت مظاهره بالآتي:
•نشوء بنية للعمل السياسي منتظمة في أطر حزبية معتبرة ، أسست تالياً لمنظومة سياسية وحزبية واضحة الملامح والبرامج إلى حد مقبول .
•نشطت – بقدر نسبي- الحياة الثقافية في البلاد تمثلت بنشوء طليعة التكوين المؤسسي ، لنشهد صحافة شبه حرة ، ودور طباعة ونشر محدودة ، وأشكال أخرى من الفعاليات الثقافية تمثلت بنشوء الدواوين الثقافية ، والجمعيات والاتحادات والروابط الثقافية والاجتماعية استقرت أحوالها في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين على ما يشبه مشروع ابتدائي لمؤسسة، ولم تكن آثار كل ذلك عميقة على الوعي الشعبي والثقافية الوطنية بالعموم ، وإن كانت معقولة .
وعن الأبعاد الاقتصادية لثورة 11 فبراير يقول : موضوعياً لا يستطيع - وفق أي منهج - أي أحد منا الجزم فعلا بأن الثورة قد صنعت بعدا اقتصاديا أو حتى فتحت أفقا مبشرا جديدا أمامه فقط بالقياس إلى ان ذلك غير ممكن نظريا و عمليا احتسابه فيما الثورة لا تزال عند خط البداية ، وإن لم ندع ولا يستطيع أحد غيرنا أن يدعي أنها لم تعد قائمة وقادرة ، لكننا أيضا نجزم بأنها لا تزال في طور الصياغة النظرية لهذا المحور و(المحاولة موضوعيا كلها لا تزال حتى اللحظة غير استراتيجية )
أما الأبعاد الثقافية فقد كان لثورة 11 فبراير على مستوى الوعي حصرا تأثير جدي جلي ووازن عند الناس – وهي فتحت – ربما لأول مرة أمام هذا الوعي آفاقا حية ورحبة – نلحظ لذلك آثارا جلية في الخطاب الخاص النخبوي على تردده ...وفي الخطاب النخبوي العام الشعبي ربما بدرجة أكثر حيوية وحتى أعمق أحيانا من سابقه .
لقد صرنا – ربما – لأول مرة نسمع ونلمس تعاطيا وإن كان بطيئا وغير نوعي للعقل الجمعي متقدما نسبيا مع مفاهيم وقيم الحداثة والعصرنة( الديمقراطية ونظم الحكم – أشكال الدولة – منظومات الدولة المدنية) وعناوين أخرى ك( المواطنة والمساواة ومصفوفة الحقوق والحريات الإنسانية ، ومبادئ التمكين والشفافية ونظم الحوار)
لقد راكمت الثورة خلال العام والنصف الماضيين وعيا جديرا بالتفعيل والبناء عليه والرهان على قدراته ، وتلك واحدة من أكبر مهام النخبة الفكرية والسياسية والثورية في الحاضر والمستقبل.
ويرى الدكتور صلاح المقطري أن الأبعاد الاقتصادية والثقافية للثورتين تقريبا واحدة، لتشابه أسباب قيامهما، حيث جاءتا لتقضيا على الفقر والتخلف ولتحسين مستوى المعيشة، وإلغاء الفوارق الطبقية والمعيشية بين أبناء اليمنيين، وإنشاء نظام اقتصادي قائم على الحرية الاقتصادية وفي وجود شراكة بين القطاع العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني، وتحقيق العدالة الاجتماعية ، لما يضمن التوزيع العادل للثروات، والتخلص من العلاقة المتلازمة بين ثقافة الفساد، المتمثل بآلية توزيع الريع كمصدر على المقربين من الفئات الحاكمة، وأشكاله، وثقافة الاقتصاد الريعي والنظام السياسي وضمان أمن الانسان اليمني اقتصاديا، وصون كرامته، وتغيير البنية الثقافية والسياسية والاجتماعية للبلد، والخروج من النفق المظلم، لإنقاذها من وضع دولة اتسمت بالفشل في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وحيث إن ثورة 26 سبتمبر جاءت أيضا لتقضي على الجهل المفروض على الشعب ، فإن ثورة 11 فبراير جاءت لإزالة سياسة التجهيل وإفراغ التعليم والثقافة من محتواهما. كما انهما هدفتا الى ازالة تركز السلطة والثروة في أيدي قلة (حكم عائلة)، لتسعيان لتحقيق عدالة توزيع الثروات، ومحاربة الموروث الثقافي والعادات السيئة. وحيث خلقت ثورة 26 سبتمبر وعياً سياسياً ثقافياً يمقت تسلط حكم العائلة والمناداة بالانعتاق من الحكم الاستبدادي، إلى رحاب الحكم الجمهوري، ورغم أنها هدفت الى إنشاء نظام ديمقراطي عادل الا انها لم تستطع ترسيخ هذا المبدأ وفق أنظمة انتخابية تعبر عن الارادة الشعبية، لاستيلاء “العسكر” على مقاليد الحكم ذي التوجه الفردي المستبد، مناقضا لما أُريد له بداية الامر بجعل الحكم مدنيا خالصا عبر تشكيل مجلس لإدارة البلاد، فإن ثورة 11 فبراير كانت أهدافها واضحة بالمطالبة بإزالة النظام الاستبدادي العائلي، والسعي إلى بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، عبر نظم حكم ونظام انتخابي يضمن مشاركة الجميع ويعبر تعبيرا حقيقيا عن الإرادة الشعبية ليكون الشعب مالك السلطات ومصدرها، ودستور قائم على فصل السلطات الثلاث قائم على اسس ومبادئ الحرية والعدالة والمساواة لضمان امن الانسان اليمني، يصون كرامته.
ويتحدث الأخ فيصل سعيد فارع عن الأبعاد الاقتصادية والثقافية لثورتي 26 سبتمبر و11 فبراير بطريقة أكثر تفصيلاً فيقول:
عندما ننظر لخمسين سنة مضت نجد أنها بالتأكيد أحدثت فرقاً ، ليس الفرق الذي كان يُطمح إليه ، و في ظني أن ثورة 26 سبتمبر لم تفض إلى أفق تغييري عميق في البنى الاقتصادية والاجتماعية نتيجة اعتبارات مختلفة ، ولكنها أحدثت بالقطع تغييراً ، ولكنها ليس الذي نرنو إليه ، ويمكن تلمس مستوى اختلاف في مستوى تطور البنية الاقتصادية مثلا ، ودور ومساهمة قطاعات الإنتاج الوطني ، مثلا قطاع الزراعة كان قطاعا رائدا وحافلا ، والقطاع المركزي في الاقتصاد الوطني تراجع مستوى أدائه كثيرا نتيجة حضور قطاعات الإنتاج الأخرى ، قطاع الصناعة بشقيها التحويلي والاستخراجي وقطاع الخدمات لكن كان هذا كله لا يمثل انتقالا إلا باتجاه آخر اقتصاد ذي طابع ريعي تحقق أكثر فأكثر في بلد كان يُطمح أن يخرج ويتحرر ليس من( الكبح ، والسياسات التي كان يفتقر إليها في العصر الإمامي) والتي جعلتنا من البلدان الأقل نمواً وكنا مضرب مثل في البلد والمملكة المتوكلية والجمهورية اليمنية ، ومازال يشار إلينا في ثورة 11 فبراير باعتبارنا بلدا من البلدان الأقل نمواً وبمؤشرات التنمية التي لم تعد كما كانت عليه عند 26 سبتمبر .
تُستخدم ذات المعايير، ولكن نحن إلى حد كبير نتراجع أكثر من دون أن نحرز تقدماً ، صار في تقدم نسبي ، ولكنه تقدم بمعنى أن الزمن أفضى إليه هذه الحركة ، اقتصاد ريعي حتى اللحظة ، اعتماد على الخارج بلد فيه طابع لا إنتاجي، عدم مساهمة قطاعاته ، الحضور لقطاع الزراعة تراجع إلى حد كبير مع أنه مازال يستوعب أكبر قوة عمل قرابة 75 % ، ولكن مستوى نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي اليمني صار متراجعا إلى حد كبير وإلى صالح قطاعات ( قطاع الخدمات ) و(تصنيفه في هذا البند متراجع )، وقطاع الصناعة الذي تقدم وتحسن وصار أداؤه مرتفعاً ، قطاع الصناعة الاستخراجية ، الهيدركربونات ، النفط والغاز ، لكن ليس هناك مساهمة جيدة ومرتفعة ومؤسسة لقطاع الصناعة التحويلية بمعانٍ ودلالات مختلفة.. نحن في بلد مسألة الاعتماد على الخارج فيه في الجانب الاقتصادي مسألة مرتفعة وأنا أخشى من هذا الاتجاه ، لأن الواقع يجعل الارتهان السياسي قائما أكثر فأكثر، وعلى الجبهة التعليمية ، نحن بالتأكيد حققنا انتقالة كبيرة جداً بما لا يقاس ، ولكن نوعية مخرج العملية التعليمية غاية في البؤس لا تبشر بخير ، وفي هذه الجهة بالتأكيد لم يعد الحديث عن خمس مدارس أو ست مدارس كما كان عليه الأمر عشية 26 سبتمبر، أما الآن نتحدث عن المئات أو الآلاف من المدارس وملايين الطلبة الخريجين بمستويات مختلفة ، لكن نوعية التعليم جد متواضعة ، نظام تعليمي يدعو للرثاء تجعلنا ايضا خارج السياق التاريخي الذي فيه أساس الثورة المعرفية والتكنولوجية التي نحن غائبين ومغربين عنها ، وبالمناسبة نحن بمعيار التنمية البشرية بلد يتراجع عاما بعد آخر وهو أمرُ يمكن إدراكه بفتح أي صفحة إلكترونية ومؤشرات التنمية البشرية واضحة ل 2011م وتقارير( undb )والمنظمات وحتى الجهات الرسمية اليمنية تشير إلى مدى فقر المسألة التعليمية وتراجع مستوى التحصيل رغم العدد الكبير من الناس المنخرطين في هذه المسألة يعني المقارنات في هذه تبدو صعبة بين اللحظة الراهنة وما كان عليه الحال يوم 26 سبتمبر 1962 م وبين 2011م ،المقارنة ستكون ظالمة حقيقة إلى حد كبير إن قارنا رقمياً ، لكن أنا أتحدث عن مستوى ونوعية الإنجاز الذي تحقق ، أقول بأنه تحقق ولكن بنوعية سيئة جدا في الاداء ، إذ أثمر فقراً متزايداً ، وتراجع في فرص الحصول على العمل ، مستوى توق الناس إلى أن يكونوا جزءاً من روح العصر لم تلاقيه أية إمكانية لتحققه ، لم تكن قضية الفقر هي الأساس في هذه المسالة، و قضايا الحريات أيضا ، أيضا أن لا تكون ثمة أفق مفتوح أمامك لإيجاد فرصة عمل ، وحالة إشباع الاحتياجات وإمكانات إنك ترتقي وتحقق أحلامك وأن تصبح جزءا من الإنسانية ، هذه جعلت من 11 فبراير تكسب مشروعية متعددة الأوجه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.