مليشيا الحوثي تواصل اختطاف خبيرين تربويين والحكومة تندد    تطور مفاجئ.. فريق سعودي يقدم عرضا ضخما لضم مبابي    اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    الصين: بعد 76 عاما من النكبة لا يزال ظلم شعب فلسطين يتفاقم    صيد ثمين بقبضة القوات الأمنية في تعز.. وإفشال مخطط إيراني خطير    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    بريطانيا تخصص 139 مليون جنيه استرليني لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن مميز    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    وداعاً للروتين.. مرحباً بالراحة: بطاقة ذكية تُسهل معاملات موظفي وزارة العدل!    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    يوفنتوس مصمم على التعاقد مع ريكاردو كالافيوري    العليمي يصل المنامة للمشاركة في القمة العربية    الاتحاد الأوربي يعلن تطور عسكري جديد في البحر الأحمر: العمليات تزداد قوة    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    كلوب يسخر من واقعة المشادة مع صلاح    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    الخطر الحقيقي على الجنوب وقضيته يكمن في معاشيق    هيو جيو كيم تتوج بلقب الفردي وكانغ تظفر بكأس الفرق في سلسلة فرق أرامكو للجولف    ولي العهد السعودي يصدر أمرا بتعيين "الشيهانة بنت صالح العزاز" في هذا المنصب بعد إعفائها من أمانة مجلس الوزراء    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    «البلسم»تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية للكبار والأطفال    وصول شحنة وقود لكهرباء عدن.. وتقليص ساعات الانطفاء    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    عدن تنتفض ضد انقطاع الكهرباء... وموتى الحر يزدادون    صراع على الحياة: النائب احمد حاشد يواجه الحوثيين في معركة من أجل الحرية    شاهد:الحوثيون يرقصون على أنقاض دمت: جريمةٌ لا تُغتفر    "امتحانات تحت سيف الحرمان": أهالي المخا يطالبون بتوفير الكهرباء لطلابهم    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    ما معنى الانفصال:    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة الشبابية الشعبية اليمنية
نشر في الجمهورية يوم 17 - 05 - 2012


ظاهرة سياسية اجتماعية تاريخية، أم حالة عابرة؟
لن أدخل في نقاش نظري قاموسي حول ما يجري في اليمن هل هي ثورة، أم انتفاضة، هل هو احتجاج جماهيري سلمي، أم هي انتفاضة ثورية شعبية سلمية، أم إنها بدأت كانتفاضة وهي اليوم في سياق اكتمالها لشروط حالة الثورة ؟.
ولن أقول لكم أكثر مما قاله الأديب المسرحي الثائر ورئيس تشيكوسلفاكيا بعد الثورة، “بافل”، ما معناه..، “تستطيع الدبابات أن تسحق الورود، ولكنها لن تستطيع أن تلغي الربيع” فالثورة الشعبية في اليمن بدأت وحولت الشارع الصامت الخانع الراكع إلى مجتمع، وإلى ثورة حقيقية، ولن تتوقف مهما كانت العوائق الداخلية والخارجية، ومحاولات تكييفها لمصلحة القوى والبنى التقليدية القديمة ، أو محاولات سرقتها، أو تحويلها إلى نصف ثورة، ولا مفر من أن تعود السيادة إلى الشعب، وليس إلى العسكر، والمشيخ، وكهنوت الدين. فالشعب أراد الربيع، رغم كل محاولات سحق الورود في الطريق إلى الثورة.
شخصياً أجد نفسي قريباً من وصفها بأنها ثورة حقيقية، بل وثورة كاملة وشاملة حتى وإن لم تحقق أهدافها كاملة حتى الآن، وهي في تقديري ثورة لا قياساً إلى المعاني والمفاهيم الاصطلاحية القاموسية والتاريخية للثورة، بل هي ثورة في صورة مفردات ومعطيات ووقائع وحقائق التحولات الثورية الكبيرة التي بدأت تحدثها وتمارسها في الواقع. على كافة الأصعدة، الأيديولوجية، والسياسية، والاجتماعية والثقافية، فقد أحدثت الثورة خلخلة عميقة وجذرية في بنية منظومة الجهاز المفاهيمي القديم كله، زعزعت الراسخ والثابت، والأصيل في بنية المفاهيم والأفكار والقيم التقليدية يكفي أن نعود بالذاكرة فقط إلى ما قبل سنة ونصف، لنقرأ صورة بانورامية عن واقع حالة اليمن قبل الثورة وبعدها على كافة الأصعدة، هذا والثورة لم تستكمل بعد الكثير من أهدافها الاجتماعية والسياسية، والديمقراطية. وأهمها العدالة الاجتماعية، والمسألة الاقتصادية، والمواطنة، والدولة المدنية الحديثة التي يعارضها ويرفضها كهنوت الدين السياسي (التكفيريون) و(الجهاديون)، ويكفينا هنا القول إن هذه الثورة أسقطت أيديولوجية “طاعة ولي الأمر” وأكدت على فكرة الخروج الثوري الديمقراطي، ليس في صفوف الشعب، بل وفي داخل قطاع واسع من النخبة السلفية الجديدة التي تؤسس اليوم حزبها الخاص، وبما فيه اتجاه أو قطاع من السلفية التكفيرية والجهادية ضد المغايرين الأيديولوجيين في الداخل الوطني.
إن جوهر الخطأ الماثل في العقل السياسي عند البعض هو في التعاطي مع الثورة اليمنية والعربية الديمقراطية، وفق شروط مفاهيم الثورة العنفية والمسلحة القديمة ومطالبتها بإنجاز أهدافها دفعة واحدة، وتحقيق الثورة السلمية بضربة واحدة، متجاهلين أننا اليوم لسنا أمام حالة انقلابية عسكرية، ولا في حالة انقلاب سياسي إصلاحي فوقي من داخل النظام، بل أمام ثورة شبابية شعبية جديدة في شكلها ومضمونها، ثورة سياسية، اجتماعية، وطنية، ديمقراطية في طراز جديد، هي إضافة نوعية تاريخية لمعنى الثورة، ومن هنا أهميتها وقيمتها السياسية الوطنية، والقومية والإنسانية، ومن هنا كذلك ضخامة وخطورة الثورة المضادة، التي تواجهها هذه الثورات، داخلياً وخارجياً أي في صورة كثافة حجم المؤامرات التي تحاك ضد الثورة محلياً، وإقليمياً، ودولياً، خاصة ثورة الشباب والشعب في اليمن فقد اعترف الإقليم والعالم ..، بل ودعم معظم الثورات العربية في تونس، ومصر، وليبيا، وسوريا، باستثناء اليمن، والبحرين. وخاصة طبعاً اليمن. الذي لا يزال يتعامل معها الإقليم والعالم، كأزمة سياسية بين طرفي سلطة، ومعارضة وفي تجاهل كامل لثورة الشباب والشعب التي خرجت ولا تزال تخرج إلى الميادين والساحات، -وإن بأعداد أقل من لحظات الصعود الثوري- ولا تزال إعتصاماتها تغطي أكثر من ثماني عشرة محافظة من أثنتين وعشرين محافظة.. إن الثورة اليمنية لحظة فارقة ليس في التاريخ السياسي اليمني، بل وفي التاريخ السياسي العربي كله، فلم يكن أحد يتوقع ولا يتصور إمكانية قيام ثورة في اليمن ..، فالعقل السياسي الإستراتيجي التحليلي العالمي تنبأ بكل شيء واحتمل حدوث أي شيء شعبي في المنطقة العربية باستثناء اليمن لم تكن حاضرة في جدول أعماله التحليلي، رغم أنها حاضرة في استراتيجيته الأمنية العالمية تحت شعار مكافحة الإرهاب العالمي (القاعدة). وأنا شخصياً لم أكن كباحث وقارئ، ومتابع يمني أتصور وأتوقع أن يأخذ الاحتجاج الثوري هذا المدى، ويتقدم في فعله الثوري على الوضع الثوري في كثير من الأقطار العربية التي شهدت بلدانها ثورات أسقطت رؤوس النظام وما تزال العملية الثورية فيها جارية في حالة صراعية ثورية مستمرة (مصر). وفي اليمن ما تزال وستظل الثورة أفقاً سياسياً شعبياً مفتوحاً على كل الاحتمالات، إلا احتمال العودة للمربع الأول، في صورة إعادة انتاج النظام القديم، كما يحلم البعض.
إن القول السابق لا يعني إطلاقاً أن شروط وعوامل الثورة ومقدماتها لم تكن جاهزة وقائمة في بنية الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي اليمني، بل هي حقيقة قائمة منذ أكثر من نيف وعقد من الزمن ولكن الشروط الذاتية والسياسية، الموضوعية هي التي حدث اختمارها وإنجازها بصورة سريعة مع شرارة ثورة البو عزيزي في تونس، وخالد سعيد قبلها في مصر، وإلى أن انفجرت في صورة ثورة الشعب كله في تونس أواخر ديسمبر 2010م وفي 25 يناير 2011م في مصر ..، ثم انتقال اشتعال شرارة الثورة إلى اليمن، وليبيا، فإن معظم النار من مستصغر الشرر.
من المهم في البداية الاعتراف أن مسألة الخروج في تظاهرات جماهيرية حاشدة، واعتصامات مؤقتة في المحافظات الشمالية، وخاصة صنعاء، لم يكن ممكناً، بل هو أمر لا يمكن تخيل حدوثه، إلا إذا كان ضمن توجه سياسي رسمي، وجاءت الانتخابات الرئاسية والمحلية 20 سبتمبر 2006م لتفتح هذا الباب ولو مواربة، وبحذر وقلق، بعد أن قرر رئيس الجمهورية السابق، علي عبد الله صالح العدول عن عدم ترشيح نفسه، ودخول الانتخابات تحت ضغط الشارع كما كان الخطاب الرسمي يسوِّق ذلك، أي الذي رفض قراره بعدم الترشح لرئاسة الجمهورية، وبدأ النظام في التحشيد الجماهيري لانتخابه رئيساً للجمهورية، وبالمقابل رشحت المعارضة ولأول مرة في مقابله، فيصل بن شملان مرشحاً رئاسياً لها، وباسمها وهي الخطوة الأولى التي بدأ معها المجتمع في الشمال خاصة صنعاء والمناطق القبلية ينطلق ويدخل إلى ممارسة التظاهرات التحشيدية السلمية الكبيرة، لدعم ومساندة ترشيح فيصل بن شملان، والتي جرت بعضها في قلعة القبيلة الحاشدية عمران، وكذا في أمانة العاصمة صنعاء، وفي بعض مدن الجنوب (حضرموت، عدن، لحج وغيرها)، حيث فاقت العملية التحشيدية للجماهير التي قامت بها المعارضة كل التوقعات، وهي البروفة السياسية والجماهيرية الأولى في ممارسة الناس الحق في التظاهر والاعتصام المؤقت، بصورة جماهيرية كبيرة، والذي جرى تحت ضغط العملية الانتخابية التنافسية، التي أعد لها النظام وخرجت عن قواعد لعبته الخاصة التي أرادها منها، ولا تزال أخبار نتائج هذه العملية الانتخابية في علم الغيب ...، كما صرح مؤخراً اللواء على محسن قائد الفرقة الأولى مدرع قائد المنطقة الشمالية الغربية. المهم أن الناس بدأت تتعلم لعبة السياسة، ولعبة الحشد الجماهيري بالنزول إلى الشارع –خاصة في المناطق الشمالية القبلية- مرتبطاً بالعملية الانتخابية، وليس بصورة عفوية، وتلقائية وتعبيراً عن أهداف سياسية ووطنية عامة. على أن المقدمات الواقعية والفعلية للحراك الاجتماعي الجماهيري السلمي الواسع إنما بدأت خطواته الأولى، مع بداية تبلور ظاهرة القضية الجنوبية وبداية تعبيرها عن نفسها مع الاحتجاجات المدنية السلمية الواسعة في العديد من محافظات الجنوب انطلاقاً من محافظة الضالع (الحبيلين)، ثم توسعها وانتشارها كظاهرة احتجاجية مدنية جماهيرية سلمية إلى جميع محافظات ومديريات الجنوب كلها، حتى وصلت إلى المدينة عدن المحاصرة بالمعسكرات، وهي الاحتجاجات السلمية الجماهيرية الواسعة التي ووجهت بالمعالجات الأمنية القاسية والوحشية، وتضامنت مع صداها بعض المحافظات الشمالية داعمة ومؤيدة لهذه الاحتجاجات ولمطالبها السياسية والحقوقية والوطنية. على أننا يجب أن نقر ونعترف أن هذه التظاهرات والاحتجاجات والمسيرات الكبرى بقيت ظاهرة جنوبية ولم تصل إلى مناطق الشمال إلا باعتبارها حالات سياسية شعبية تضامنية مع ما جرى وما يجري، وما يزال يجري في الجنوب إلى أن قامت الثورة الشبابية الشعبية، التي قلبت موازين القوى رأساً على عقب. وهي بداية أولى لتفكيك القبضة الأمنية والعسكرية على الجنوب والشمال معاً، وعبرت الحركة الاحتجاجية السلمية الجنوبية عن أن الوضع في اليمن كله قد وصل إلى نهاياته أو خواتيمه، وأن الكيل فاض بالناس عن القدرة على احتماله أو الصبر عليه، بعد أن تعددت مصادر القهر والعنف على كل المجتمع، من القهر الاقتصادي والاجتماعي، إلى ظاهرة احتكار السلطة والثروة بصورة لا سابق لها في التاريخ السياسي اليمني كله، وصولاً إلى قضية توريث الجمهورية للأبناء، بعد أن أصبحت المؤسسة العسكرية، والأمنية جميعها أجهزة عائلية بيد الأبناء، وأبناء الأخ، والأخوة، حصراً ولا يتسع المقام والمجال لبحث هذا الموضوع، فقد صار فاضحاً ومعلوماً ولا يستحق توضيحاً أو بياناً تفصيلياً.
إن ما جرى في اليمن اليوم هي ثورة سياسية اجتماعية شعبية ووطنية حقيقية وهي ظاهرة سياسية اجتماعية تاريخية وليست حالة عابرة، خاصة، والثورة تدخل عامها الثاني وهي مستمرة بنفس الوتيرة المتصاعدة وبنفس القوة والزخم وإن بحالة زخم أقل نتيجة مصاعب ذاتية تاريخية كامنة في قلب مكونات قوى الثورة، من الضروري تجاوزها حفاظاً على مستقبل الثورة. وبدلاً من أن يتحول طول فترة بقاء الشباب في الساحات وميادين الحرية والتغيير وفي أكثر من ثماني عشرة محافظة ومدينة، وفي أكثر من خمسة وثلاثين ساحة، في تعز وحدها كان يصل عدد الساحات إلى اثنتي عشرة ساحة. وما تزال الساحات وميادين الثورة قادرة على تجديد هذا الزخم في أية لحظة تستشعر فيه خطورة على مستقبل الثورة. فرغم طول البقاء في الساحات والميادين، فإن إصرار الشباب والشعب كله على الاستمرار يزداد ويقوى ويتوسع، رغم كل المحاولات الأمنية لشق صف قوى الثورة، وعلى رغم بعض التعارضات والاختلافات في قلب العملية الثورية وهي أمور طبيعية ومتوقعة، فإن زخم الثورة في تصاعد، ويقين الشباب بضرورة التغيير قد يهدأ أو يفتر أو يضعف في هذه اللحظة أو تلك، ولكنه لن يتبدل أو يتحول إلى حالة مضادة للثورة أو حالة سلبية عامة، بل إنه في تقديري سيتعزز ويترسخ، ويسقط على طريق التغيير الذين يبشرون بقدوم دولة الخلافة الدينية. وجميع الرهانات على تفكيك الثورة من داخلها، ومن خارجها. وما يجري في قلب ساحات وميادين الثورة من فعاليات سياسية وفكرية، وثقافية، وفنية، وأدبية ومسرحية، جميعها تؤكد أننا أمام حالة ثورية حقيقية، وأمام ثورة سياسية اجتماعية فكرية تاريخية سواء حققت كامل أهدافها السياسية والوطنية التاريخية، أو توقفت عند البعض منها، فالثورة في تقديرنا ستبقى مستمرة ومفتوحة على كل احتمالات التحول والتغيير للامام، لقد حول شباب الثورة طول فترة البقاء في الساحات إلى عملية تربية مدنية وجمالية وفنية، وإلى عملية كفاحية مدنية تجري في شروط تحول معقدة وصعبة لا يمكن تصور تحدياتها الداخلية –خطاب التكفير والتطرف الديني وحروب مذهبية طائفية هنا أو هناك لعرقلة مسيرة الثورة- والخارجية – في محاولة تحويل الثورة إلى نصف ثورة-. ففي قلب ساحات الحرية والتغيير تجري محاولات جنينية لتشكل صورة مجتمع جديد بكل تعارضاته وتناقضاته، ولكنها تجري على قاعدة الحلم بمجتمع جديد مدني ديمقراطي تعددي حداثي، يكون المقدمة الفعلية لمشروع الدولة المدنية الدستورية الحديثة، التي صلى الشباب والشعب جميعاً من أجلها في “ جمعة من أجل الدولة المدنية الديمقراطية “ بتاريخ 15/7/2011م، حيث صلى اليمنيون في جميع ساحات التغيير والحرية تحت هذا الشعار، وهو دليل على أنه شعار كل الشعب بإستثناء قلة قليلة لا تزال مشدودة للدولة التقليدية، ودولة الخلافة. التي يبشروننا بقدومها كدولة دينية تحت اسم “الخلافة القادمة”([1]) وهو حقهم السياسي، وليس الديني، في أن يقولوا ما يشاؤون حول صورة الدولة المنتظرة، باعتباره خيارهم السياسي وليسوا باعتبارهم حراساً للدين.
وإذا علمنا حجم التآمر الداخلي، والإقليمي، والدولي على هذه الثورة لأدركنا أننا حقيقة أمام ثورة سياسية اجتماعية تاريخية كبيرة، فاقت بمشاهدها السياسية والعملية الواقعية كل التوقعات، بقدر ما أسقطت جميع الرهانات على خذلانها، وإحداث الانقسام والفرقة بصورة نهائية في قلب الثورة. ويكفي دليلاً على أنها ثورة، وثورة مستمرة قراءة معنى وحقيقة بداية “ ثورة المؤسسات “ أو الثورة على المؤسسات الفاسدة في قلب النظام القديم الآيل للسقوط، حيث تحركت الجماهير بعفوية وتلقائية نحو بؤر الفساد، في الجيش والأمن، والمؤسسات الإدارية والاقتصادية، والتعليمية والقضائية، المختلفة بحركة انتفاضات واحتجاجات جماهيرية واسعة طالت العشرات من المؤسسات، من شركة الطيران “ اليمنية “ التي كان يقف على رأسها أحد أقارب الرئيس، إلى المؤسسة الاقتصادية التي تحتوي معظم أصول أموال الدولة اليمنية وخزانتها المالية، والتي يترأسها صهر الرئيس، إلى التوجيه المعنوي وهي واحدة من المعاقل العسكرية والسياسية، والإعلامية، والاقتصادية والمالية التي كانت مرتبطة برئاسة الجمهورية مباشرة، بدأت الاحتجاجات ضد التوجيه المعنوي في طابور الصباح من قبل ضابط شاب هتف “ لا شاطر بعد اليوم “ يقصد رئيس التوجيه المعنوي العميد علي الشاطر الباحث (...) سيطر المحتجون على كامل مباني الإدارة، ومكتب لرئيس الجمهورية (...) وتشكيل حراسة من بين المنتفضين لحماية ممتلكات الإدارة من النهب (...) إلى جانب حصار جنود وضباط أمن صنعاء لمديرهم العميد طريق قائد أمن صنعاء، وحصار ثلاثمائة جندي من شرطة النجدة يتظاهرون ويحرقون الإطارات في “ شارع تعزبصنعاء للمطالبة بإقالة القوسي، ومسلحون بلاطجة يهاجمونهم بالرصاص الحي (...) جنود وضباط مرور صنعاء منتفضون ويطردونه من الإدارة العامة (...) اعتصامات في مستشفى الثورة، والجمهوري (...) موظفو صندوق المعاقين، ووزارة التعليم الفني يطالبون بإقالة المدير، ونائب الوزير، والوكلاء (...) جنود القاعدة البحرية بعدن يحاصرون مكتب القائد (...) واحتجاجات عمالية تجتاح عدداً من المؤسسات والمرافق الحكومية”[(1)]، ضباط وجنود القاعدة الجوية ، والدفاع الجوي يغلقون المطار المدني ، والعسكري ، ويعتصمون بداخله مطالبين بإقالة أخ الرئيس محمد صالح الأحمر من قيادة القوة الجوية ، بعد أن نقلوا اعتصامهم إلى الساحة المواجهة لمنزل نائب رئيس الجمهورية لتحقيق مطلبهم ، حتى تحقيقه بإقالة الأخ غير الشقيق للرئيس، إن ميزة “ ثورة المؤسسات “ التي اتمنى أن تستمر بصور وطرائق مختلفة، هي أنها من داخل المؤسسات نفسها، ومن العاملين فيها والعارفين بدهاليز الفساد والنهب فيها وليس من خارجها، وهو ما يعني استكمال للعملية الثورية الجارية في البلد، ويوضح حجم الفساد والظلم والنهب الجاري لمؤسسات الدولة المختلفة، ومن أن الفساد حالة بنيوية هيكلية، وليست أزمة، أو أخطاء عابرة يمكن معالجتها بالترقيع وبحلول جزئية هنا وهناك، وهو ما يعطي الثورة اليمنية شرعية سياسية واجتماعية، ووطنية مضاعفة، ومن أننا أمام ثورة سياسية وطنية تاريخية وليس حالة عابرة. وهو كذلك ما يضع الرئيس التوافقي أمام مهمات سياسية ووطنية تاريخية عليه الإقدام عليها واتخاذها بقوة الإرادة السياسية والشعبية الممنوحة له، وهو ما يعطيه قوة سياسية ووطنية، وشعبية ودستورية، مضاعفة.
ويمكنني في ختام هذه الفقرة أن أشير إلى أن الثورة الشبابية الشعبية قد تجاوزت العديد من التحديات والمصاعب التي تصنعها الثورة المضادة من خلال جذور، وقوى، النظام السياسي الرسمي، على أن أخطر التحديات والمعوقات الحقيقية التي تواجه مكونات الثورة الشبابية والشعبية هي التالي : أولاً : ضعف الأحزاب السياسية التقليدية (قوميين، ليبرالييين، يساريين)، وغلبة الطابع الحركي السياسي الإسلامي، على المعارضة في صورة اللقاء المشترك، أو المجلس الوطني، والحضور السياسي التاريخي للقوى السياسية التقليدية في قلب المعارضة في صورة الجماعة السياسية الدينية (القسم المتشدد من حزب الإصلاح) الذي طغى حضوره على البرنامج السياسي العملي للمعارضة التقليدية، وهو ما نلمسه في غلبة البعد السياسي التفاوضي([2]) الأحادي الجانب، مع إهمال مقصود وواع ومنهجي للعملية الثورية الكفاحية في ميادين وساحات الحرية، التي ارتفع سقفها السياسي الثوري فوق سقف المعارضة التقليدية، -أقصد اللقاء المشترك بجميع مكوناته- حيث نشهد السعي الحثيث للمعارضة السياسية التقليدية لاحتواء الثورة أو تحجيمها وموضعتها على مقاس المعارضة السياسية التفاوضية (المبادرة، والآلية التنفيذية لمجلس الأمن).
والخطر الآخر أو الثاني : متمثل في القوى السياسية التقليدية كذلك التي التحقت بالثورة وساندتها : الألوية العسكرية، والمجاميع المشيخية القبلية، والجماعات الدينية وتحديداً (رجال فتوى التكفير، الزنداني والديلمي، وجماعتهما) وهي اليوم بحكم أفقها السياسي ما دون الإصلاحي في أحسن الأحوال ليست مع التغيير الثوري، ولا مع إسقاط النظام بكامل مفرداته، (أقصد مفاهيم وقيم ثيوقراطية، واستبدادية أي كان مصدرها، يسار، أو يمين) وهو ما يسبب إرباكات جدية وحقيقية للقوى الأساسية المحركة للثورة، صاحبة المصلحة الأولى في الثورة والتغيير، على قاعدة إسقاط النظام، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، كما نصت عليه مبادئ وأهداف وثيقة الأزهر الشريف، في بنودها كافة التي تضمنتها الوثيقة، وهو ما نلمس مؤشراته في بعض ما تشهده ساحة صنعاء- المنصة،، اللجنة التنظيمية، اللجنة الأمنية- على وجه الخصوص، وطريقة التعامل مع “مسيرة الحياة” القادمة من تعز، والشروط التي يحاول البعض من داخل ساحة التغيير في صنعاء فرضها على مسيرة الكرامة القادمة من الحديدة. وكذا الموقف السياسي السلبي في مسيرة الشباب من تعز إلى عدن، تحت ذرائع سياسية مختلفة، وهي إشكالية حقيقية ستواجهها قوى التغيير الثورية في قلب الثورة. وما دمنا في معرض وسياق المرور على بعض المعوقات الموضوعية، والذاتية، والتاريخية (الداخلية) للثورة، فإنه من المفيد بل ومن المهم الإشارة والتأكيد إلى أن التحاق بعض القيادات العسكرية، والمشيخية القبلية، وبعض رجال الدين من رموز مهندسي ثقافة طاعة ولي الأمر ولو كان ظالماً وفاسداً، وهم في غالبهم من زعماء التكفير الديني ضد الخصوم السياسيين ، إن هؤلاء جميعاً (العسكر، والمشيخة، ورجال الدين) لم يلتحقوا بالثورة حقيقة بسبب مجزرة جمعة الكرامة 18مارس 2011م) قدر ما كنت المجزرة سبباً عارضاً، لأن السبب الجوهري، الحقيقي، والعميق، كامن في أن قضية التمديد لرئيس الجمهورية التي اشتغلوا عليها جميعاً وكانوا من منظريها ومهندسيها، وجدوا أنفسهم في حالة صراع وتعارض، حين أراد الرئيس السابق تحويل التمديد إلى توريث للجمهورية والبلاد في الأبناء، وأبناء الأخ، والأخوة، حينها وجدوا أنفسهم في حالة صراع مع الرئيس السابق لأن السير باتجاه التوريث يعني إزاحتهم وتقليص حضورهم نهائياً من المشهد السياسي والاقتصادي (الغنيمة والفيد)، ولأنهم يرون في أنفسهم الأحق والأجدر تاريخياً لوراثة الجمهورية والبلاد، كما ورثوها سابقاً من الإمامة بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م. وعلى ذلك فإن التحاق بعض المجاميع العسكرية بالثورة قد لعب دوراً طيباً ومساعداً في حماية الثورة ، ولكنه بالمقابل احتمى بالثورة، وكسب له رصيداً في صفها، وكلنا ما يزال يتذكر محاولات الاغتيال المتكررة التي حاولت النيل من اللواء علي محسن الأحمر في إحداثيات صعدة الخطأ المقصودة للتخلص منه، إلى محاولات الاغتيال في صنعاء لأكثر من مرة، هذا أولاً، ثم إن التحاق هذه المجاميع بالثورة (بعض العسكر، والمشيخية القبلية، وبعض رجال الدين) ، قد ساهم في التخفيف من سقف الكلفة والتضحيات البشرية في سياق الثورة، ولكنه بالمقابل خفض سقف الثورة وأهدافها ومطالبها..، وهنا تكمن الجدلية السياسية لمعنى ومضمون التحاق هذه القوى بالثورة، حماية ، وتعويقاً. ومن هنا أهمية توحد جميع مكونات الثورة الشبابية الشعبية – حزبيين ومستقلين- بمختلف أطيافها وألوانها، وتحشيد نفسها في إطار سياسي تنظيمي تعددي “تجمع سياسي ثوري” يستوعب جميع المكونات، والتشكيلات، واللجان، والمنظمات، والتيارات، وهي البداية السياسية والعملية للحفاظ على مستقبل الثورة بأقل الخسائر، وبأقصر وقت ممكن، وفي كل الأحوال نحن أمام ثورة سياسية إجتماعية وطنية تاريخية. وليس حالة عابرة.
إن محاولة تحويل ثورة الشباب والشعب إلى أزمة بين السلطة والمعارضة، وتصويرها حالة عابرة هي محاولة مراوغة للالتفاف على أسئلة الواقع الحية والمصادرة منذ قرون ، إن الثورة السياسية الشعبية اليمنية هي إجابة سياسية واقعية على فشل السياسات الاقتصادية الاجتماعية، وعلى الانسداد السياسي، وعلى سقوط المعالجات الأمنية للنظام في حل مشاكل البلاد، (صعدة، الجنوب) ...، وثورة الشباب والشعب جاءت لتؤكد فشل جميع حيل الحكم في فرض بقائه بالقوة والعنف، ومن هنا كانت الثورة التي هي أول بروفة سياسية تاريخية لإعادة الشعب إلى قلب التاريخ، وإلى قمة الحضور التاريخي في خصوصيته اليمنية الثورية الديمقراطية.
-------------------
[1] ) قبيل عدة أشهر قليلة أصدر الشيخ محمد الصادق المقلس كتاب تحت عنوان “ الخلافة القادمة” يكشف فيه مدى هيمنة العقل الماضوي الاستبدادي على منطق تفكيره، وفيه تقديم للكتاب من مجموعة من الأسماء منهم تقديم الشيخ الدكتور عبدالوهاب الديلمي.
[(1)] صحيفة الشارع، السبت/صنعاء/ 31/12/2001م.
[2](2) ليس في الإشارة التوصيفية السياسية لحزب التجمع اليمني للإصلاح في متن هذه الصفحة أي غمط لدوره في السياسة، والمجتمع، ولا تقليل لدوره ومكانته المايزة في الثورة، كما لا تنطوي الإشارة على أي تجاهل للتحولات السياسية الكبيرة في داخله (سياسياً، وأيديولوجياً، وتنظيمياً) باتجاه العمل السياسي المدني، وإلى الديمقراطية كخيار سياسي، ومغادرة حمولة الماضي تدريجياً، وإلى ثقافة العمل المشترك مع الآخرين، على قاعدة السياسة، وليس الدين، على أن الإشارة هنا فقط باعتبار دوره المركزي في اللقاء المشترك، وباعتبار كذلك علاقاته، وحساباته الإقليمية، والدولية، وهذا من حقه كحزب سياسي، وفي هذه النقطة تحديداً قد يكون هناك توجه سياسي عام لدى قيادات المشترك بتغليب العمل السياسي التفاوضي، على العمل الثوري في الساحات والذي جرى فرضه على الساحات بهذا الشكل أو الآخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.