فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة خطوة على طريق التغيير الجذري
نشر في الجمهورية يوم 26 - 05 - 2012

اليوم نحن في المحطة السياسية التاريخية الثالثة- بعد نشأة الأحزاب، وقيام ثورة 26 سبتمبر، وثورة 14 أكتوبر- وهي دون شك استمرار شعبي ثوري لمسيرة كفاح الشعب اليمني من أجل الحرية، والاستقلال، والعدالة، على أن هذه اللحظة السياسية الفارقة تاريخياً، تتميز عن غيرها جميعاً، بأنها لحظة ثورية جماهيرية حقيقية، زعيمها الأعظم هو الشعب، وبدون قيادة حزبية، أو إيديولوجية مسبقة تؤطر فعلها الثوري،..، هي أول ثورة يدخل فيها الشعب كله المسرح السياسي الثوري، يتحول معها الشارع، إلى شعب، لحظة يضيق فيها المجال الاجتماعي التقليدي، لصالح الفضاء السياسي الحديث. ثورة يتحرك فيها الغالبية العظمى من الشعب، بأهداف ، ومطالب سياسية، ديمقراطية، جذرية، يلخصها شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” و(ارحل)، سقطت، وأسقطت معها جميع محاذير الخطاب التقليدي من كلمة ومفردة “السياسة”، ومن كلمة “الثورة” وعبارة “التغيير الثوري” التي كانت مرذوله، ومذمومة، وتحولت اليوم إلى “ تميمة” و“تعويذة” تعني الحياة الجديدة، ودور الإنسان في التاريخ، حيث لا معنى للتاريخ بدون دور الإنسان فيه، فالتاريخ مرتبط بالدور السياسي التحويلي للإنسان، وهو ما تقوم به ثورة الشباب والشعب اليوم في اليمن، فلم يكن احد يتوقع مشاركة الإنسان اليمني في صنع الثورة وبهذه الطريقة المذهلة والمحيرة، حتى لمن يعيشون في قلب هذا الفعل السياسي الثوري. وهذه هي الإضافة النوعية الفارقة للشعب اليمني.وهي اللحظة الثورية الثالثة في زمن العولمة الرأسمالية الوحشية، بعد جمود سياسي تاريخي طويل.
في الماضي القريب، كانت العلاقة بين السياسي، والتاريخي، والاجتماعي اليمني، في أسوأ حالاتها، بقي خلالها الدين، والتراث التاريخي، أدوات ووسائل إيديولوجية، وسياسية، لخدمة (الدولة/ السلطة) وتاريخ الفتاوى الإيديولوجية الدينية من قبل قدوم، المتوكل على الله إسماعيل، وحتى قدومه، وصولاً إلى الفتاوى المعاصرة التي رفعت ضد الحزب الاشتراكي، والجنوب، في حرب 1994م وما بعد ذلك من فتاوى مستمرة ولم تتوقف ضد المعارضين([1]) ...، كله تاريخ يكشف كيف وظف السياسي الرسمي الأيديولوجية السياسية الدينية، والحضور التاريخي لثقافة الفتوى ضد المغايرين والمختلفين، مما أدى إلى اغتيالهم بأسم الدين (جار الله عمر نموذجاً) ومئات المكفرين من المفكرين، والمثقفين، والمبدعين، وهي سياسة رسمية انتهجها النظام، والحاكم، الذي حول الوطن، والتاريخ، إلى مفردة ملحقة بإسمه، حقا “لقد استغرق الحاكم العربي في اسمه الوطن ، والتاريخ، والدولة، والسلطة والثروة، استغراقا عجيباً، ومفجعا، ولذلك فإنه ما ان يغيب عن المشهد السياسي حتى تحل الكارثة بهذه البلدان”[(2)] حيث السياسي، والتاريخي يرتبطان بالحاكم، وبالسلطة، والسلطان...، ولم تسلم الثورة الشبابية الشعبية من استهداف الفتاوى الإيديولوجية الدينية تحت غطاء شعار “ طاعة ولي الأمر” فقد أصدر وعاظ السلاطين – حسب تعبير د.علي الوردي- فتاوى تحرم الثورة، وتكفر من يقوم بها أو يدعو لها أو يشارك فيها، من مخزن إيديولوجية الفتوى في السعودية، إلى رجال الفتوى الرسميين في اليمن..، ولكنها وصلت متأخرة، بعد ان شهد الواقع اليمني حالة انقسام كلية، عمودية، وافقية، جرى معها، اصطفاف واسع لصالح الثورة، تمكنت معه الثورة من تفكيك أجزاء من البنية السياسية والأيدلوجية الرسمية، التي تعيش حالة اضطراب، وانهيار وشيك، ومن إحداث شرخ عميق في بنية الحضور التاريخي لصالح التغيير، والثورة.
فلم تعد السياسة، جريمة، ولا الحزبية، خيانة كما في المادة “37” من دستور 1970م في ج.ع.ي، والتي استمرت حتى قيام دولة الوحدة، وماتزال مفاعيلها وآثارها السلبية قائمة في بنية الوعي السياسي والاجتماعي العام. لقد عادت بفعل الثورة...، السياسة، والأحزاب، والمجتمع، إلى ميدان الفعل السياسي الثوري، بعد طرد السياسة من المجال العام لقرون طويلة. فاليوم تصنع الثورة تاريخاً، وسياسة جديدين. تاريخ يصنع ويهندس في ساحات وميادين الحرية والتغيير بعد أن تحول الشارع الى مجتمع، والمجتمع، إلى مواطنين أحرار أو على طريق أن يكونوا مواطنين أحرار، إذا تمسكوا واستعصموا بإرادة التغيير، أننا أمام ثورة تعيد للسياسي، والتاريخي اعتبارهما. فالدين وهو أعمق شكل ومعنى مؤثر من أشكال الحضور التاريخي في اليمن، وفي كل المنطقة العربية، يحدث فيه تطور خطير وعميق، لصالح تحريره من السياسة، والسلطة، ومن هيمنة الإيديولوجية، وتخليصه من براثن الاستبداد، والتخلف، الذي حاول السياسي إلصاقها به.
إن من يقرأ الخريطة الاجتماعية السياسية للقوى المكونة للثورة يجدها ممثلة في القوى التالية:
1. شباب الثورة ، من الطلاب، والمتعلمين، المرتبطين بتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والانترنت، و“الفيس بوك”، “التويتر” و“اليوتيوب”، البريد الالكتروني، الخ إلى جانب الطبقة الوسطى وقطاعات واسعة من الشباب العاطلين عن العمل، الفقراء ، والمهمشين.
2. الأحزاب السياسية المعارضة التقليدية بجميع مستوياتها (قوميين، إسلاميين (سنة، وشيعة زيدية) ويساريين اشتراكيين، وليبراليين ممن وقفوا مع الثورة بعد قيامها على مراحل.
3. منظمات مجتمع مدني، وحقوقيين، ونقابات مهنية إبداعية، ( ادباء، كتاب، وصحفيين) ونقابات مهنية حركية( مهندسين، أطباء، صيادلة، محامين، وعمال).
4. المرأة وحضورها اللافت والكبير في قلب الثورة، واللائي دفعن ضريبة الدم على طريق الثورة وفي هذا المكون الأول والأساسي والاستراتيجي، نقرأ صورة الحياة والثورة، نقرأ صورة الجديد الذي يرهص بالمستقبل على قاعدة الشعب يريد إسقاط النظام.
قوى التحقت بالثورة، بعد مجزرة (جمعة الكرامة 18 مارس 2011م)، لأسباب مختلفة، وهي المكون الثاني، والثانوي وخرجت من قلب النظام نفسه، بعد أن أدركت أنه زائل، وأعلنت حمايتها للثورة، ويرى البعض أنها احتمت بالثورة، مكتفية بإسقاط رأس النظام مع بقائه كنظام، وهى تشكل جدلية الثورة الراهنة، ويتكون من المكونات التالية:
1. الجيش المنظم إلى الثورة بألويته العسكرية المختلفة.
2. برلمانيون وحزبيون من أعضاء الحزب الحاكم.
3. مشائخ قبائل مع مناطقهم.
4. التجار الذين انضموا بصورة علنية ومباشرة، وغير علنية داعمين للثورة مالياً، وسياسياً.
5. رجال الدين.
إذا نحن أمام مشهد سياسي تاريخي جديد فيه تغيير في صورة الخارطة السياسية التاريخية اليمنية، هي إضافة ثورية شعبية ووطنية، تحسب لثورة الشباب والشعب، ما يعني ان اليمن المعاصر يشهد صياغة علاقة جديدة فيما بين السياسي، والتاريخي، لا نستطيع أن نتنبأ بمآلاتها السياسية بعد إسقاط النظام، أو الوصول إلى تسوية سياسية تاريخية معه، ما نستطيع أن نقوله ونعلنه بوضوح، أن ثورة الشباب والشعب أخرجت السياسي من وصاية العسكر،والقبيلة ، والدين السياسي، أو هي في طريقها إلى ذلك، كما أفرجت عن الحضور التاريخي من قبضة سجن السياسي الاستبدادي..، وبالنتيجة فككت ثورة الشباب والشعب، البنى الذاتية السياسية القديمة، كما ضربت بهذه الدرجة أو تلك، البنية الإيديولوجية التاريخية، في أكثر من موضع، وزعزعت القيم الثابتة المستقرة في العقل الباطن عند قطاع واسع من سكان المجتمع، وأهمها إسقاط قيمة “ ثقافة طاعة ولي الأمر” السنية، وتحويلها مفهوم “الخروج” الشيعية الزيدية إلى فكرة الثورة المشروعة، بعد ان أعطتها بعداً ثورياً، ووطنياً، وديمقراطياً، تحررياً ، واليوم يعلن “حزب الأمة” تحت التأسيس، الحزب السياسي للحوثيين، في صعدة، إسقاطه لفكرة حصر الإمامة، أو الرئاسة في “البطنين” من أولاد علي بن أبي طالب من فاطمة بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وجاء في مشروع النظام الأساسي والمنطلقات للحزب) “بناء الدولة المدنية الحديثة القائمة على النظام الجمهوري التعددي، ووفق صيغة النظام البرلماني الشوروي الخاضع لمبدأ التداول السلمي للسلطة، وان الحزب يرفض المناطقية، والعنصرية، والمذهبية، والقبلية.. ومع المواطنة المتساوية كما جاء في كلمة رئيس اللجنة التحضيرية، وهو تقدم فكري وسياسي جديد يتساوق وينتظم في سياق خطاب ثورة الشباب والشعب([2])، واليوم تطرح الثورة علاقة حية وجديدة بالمرأة رغم بعض المعوقات الآتية من خطاب، وممارسات بعض الجماعات السياسية الدينية المتشددة..، المهم أن المرأة كسرت حاجز العادات والتقاليد المريضة والبالية التي لا صلة لها بالإسلام، والدين، وخرجت إلى الشارع مشاركة، وفاعلة بكل قوة، وكثافة في الفعل السياسي الثوري، ما يعني استعادة المرأة لاسمها، وصورتها، باعتبارها كائناً إنسانياً مؤثراً وفاعلاً في التاريخ السياسي والوطني، ومن المفارقات أن نرى المرأة المحجبة، والمنقبة خصوصاً، وهي تحمل صورة الثوري الأممي الاشتراكي جيفارا. بعد أن حاول بعض المتشددين السلفيين التكفيريين تحريم حمل صورة هذا القائد الثوري الإنساني الكبير بحجة أنه غير مسلم، فالمرأة اليوم تؤكد على حقها في العمل السياسي، وفي الولاية العامة (الرئاسة)، وهي حاضرة مناقشة ومحاورة، ومحاضرة في الساحات وميادين الحرية والتغيير في قلب الاعتصامات كلها. فأكثر من ثلاثمائة امرأة تحركن راجلات في “مسيرة الحياة” من تعز إلى صنعاء، أكثر من مائتين وخمسين كيلومتر ولأكثر من خمسة أيام متواصلة وفي صدارتهن الناشطة بشرى المقطري، ود. أروى عون، وغيرهما، وهي في تقديري خطوة عظيمة تحسب لثورة الشباب والشعب، ما يستدعي إعادة صياغة جديدة لعلاقة المرأة بنفسها، وبالرجل، وبالسياسة، وبالتاريخ، والمجتمع، هي قطعاً علاقة جديدة تتشكل بين السياسي، والتاريخي، والاجتماعي، يعود الفضل فيها لثورة الشباب والشعب.
فالثورة اليوم أخرجت منظمات المجتمع المدني من حيز تقوقعها في الجلسات والغرف المغلقة إلى فضاء تشكّل مجتمع مدني حقيقي وواقعي، لم تكن تطمح به، وحولها من منظمات مجتمع مدني، إلى مجتمع مدني، أو قوة فاعلة من قوى المجتمع المدني، لأن هناك فارقاً بين منظمات المجتمع المدني، والمجتمع المدني. إن فعل وأثر الثورة يتجاوز الحيز السياسي، والتاريخي الراهن، إلى صياغة مشروع سياسي اجتماعي تاريخي بديل، هذا على الأقل ما يطرحه خطاب شباب الثورة المعلن في مواقع الاعتصام المختلفة، في وسائط الاتصال والتواصل المختلفة، من خلال صحافتهم الصادرة عن الساحات التي تربو على أكثر من عشر صحف([3])، ويمكننا اليوم القول إن المسافة بدأت تكبر وتتسع الفجوة بين السياسي المعارض الذي دخل التسوية السياسية بعد التوقيع على المبادرة في 23/11/2011م، ومشاركته في حكومة الوفاق الوطني، وبين قوى العملية الثورية الشبابية، -حزبيين، ومستقلين- حيث بدأنا نشهد في واقع الممارسة فجوة بين السياسي، وبين الثوري، بإصرار شباب الثورة على تصعيد مسيرات ثورية دائمة، وثورة على مؤسسات الفساد من داخلها، والإصرار على رفع شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، بدلاً من شعار الشعب يريد محاكمة الرئيس وأعوانه، وهو ما بدأ ينعكس سلباً على ساحات وميادين الاعتصام المختلفة، وتحديداً ساحة التغيير في صنعاء، الذي نتمنى أن يحل بطريقة تخدم الثورة، ولا تدخل قوى ومكونات الثورة في معارك جانبية مفتعلة، لن تخدم السياسي، ولا الثوري معاً. لقد خلقت الثورة “حالة من الحراك الإيجابي، والحيوية الفاعلة داخل منظومة الكيانات الحزبية والمدنية برمتها، ولا نستغرب إذا ما رأيتم عما قريب انتفاضات وتمردات، قواعد وكوادر الأحزاب السياسية ضد قياداتها العليا التي شاخت وهرمت”([4])، أو على الأقل أن هناك أقساماً عديدة منها لم تعد قادرة على الاستجابة الحية لتحديات الواقع والمرحلة.
إن الباحث، والمتابع الحصيف لما يجري في الثورات العربية، لا يلتفت كثيراً لفزّاعة الإسلاميين، ويقرأ ذلك الحضور بشكل سياسي، وواقعي، وبأفق تعددي، ديمقراطي تاريخي، ويرى أن أفق الثورة العربية واليمنية سيظل مفتوحاً ولن تحكمه عملية انتخابية وصندوق اقتراع لمرحلة، أو مرحلتين، فالمرحلة الانتقالية هي مرحلة مفتوحة بعد الثورة على التاريخ السياسي الآتي كله..، ولا ينحصر بالمفهوم الزمني المحدد للمرحلة الانتقالية في المبادرة، والآلية المصاحبة لها، في سنتين، المهم أن لا يغيب عن أطراف المعادلة السياسية جميعاً (إسلاميين، وقوميين، واشتراكيين، وليبراليين) موقع الشباب في أية معادلة تسوية سياسية قادمة باعتبارهم هم من فجروا الثورة وهم قادتها الحقيقيون، فلم يعد اليوم بيد النظام القديم الكثير من الأوراق ليشتغل عليها ضد الثورة، خاصة إذا تمكنت الثورة، والعملية السياسية من الوصول بسلام إلى يوم 21 فبراير 2012م، وقد تمكنت، ونحن اليوم في القسم الثاني من المرحلة الانتقالية، لقد فقد النظام القدرة على القمع بالطريقة السابقة، وتراجعت دوافعه السياسية والأمنية لذلك، وهي مكلفة أمام الداخل، والخارج، خاصة بعد توقيع رأس النظام على المبادرة الخليجية الدولية، يوم 23 نوفمبر 2012م، وإجراء الانتخابات الرئاسية بنجاح في 21 فبراير 2012م، وخاصة بعد أن سقطت العديد من المحافظات سلمياً (شبوة، مأرب، الجوف، صعدة) -لولا الصراع المذهبي الإسلامي، السلفي/الإصلاحي/ الحوثي- وأكثر من نصف أمانة العاصمة، والباقي منها لم يعد النظام قادراً على التحكم بإدارتها، مع استمرار الاعتصام والاحتجاج المدني السلمي في أكثر من ثماني عشرة محافظة، وفي أكثر من خمسة وثلاثين ساحة، ففي مدينة تعز وحدها أثنى عشرة ساحة، “ولم تفشل مرة واحدة أية دعوة وجهها الثوار إلى مسيرة مليونية”([5])، -لولا سؤة الإقصاء والاحتكار والتهميش الحادثة في قلب ساحة التغيير في صنعاء تحديداً- مما يعني أن إزاحة السياسي القديم تتم بصورة تدريجية، وأن قدرته، على استدعاء الحضور التاريخي في خصوصياته السالبة، لم يعد كما كان.
فاليوم تحولت ساحات وميادين الاعتصام إلى مدرسة لتعلم وتعليم الديمقراطية، والتعددية، والقبول بالآخر، تتحول إلى بروفة لدولة مدنية محتملة، وإلى فعاليات فكرية وسياسية، وفنية (معارض فن تشكيلي، معارض صور فوتوغرافية) حفلات فنية مسرحية، وخطابية، حضور جاد للأغنية السياسية الجديدة، وندوات ومحاضرات متنوعة، وكتابة شعرية حداثية معبرة عن روح الثورة، دواوين شعرية جديدة خرجت من ساحات وميادين الاعتصام([6])، وصحافة شبابية إعلامية. حقاً نحن أمام ثورة في طريقها لتغيير، علاقة السياسي بالتاريخي، علاقة الحاكم بالمحكوم، لتحديد شكل ومضمون جديد لصورة الحاكم، ولدوره ومكانته في قلب المنظومة السياسية لتضع علاقة الحاكم ب“المؤسسة” في سياق تاريخي جديد، يتبع الحاكم فيها “المؤسسة”، ويشغل موقعه فيها لمدة محددة، دستورياً، حاكم يحكم من خلال المؤسسة ولا يمتلكها، وهو أحد أهداف ثورة الشباب الداعي لقيام دولة مدنية ديمقراطية حديثة، -على أنقاض مفاهيم، وممارسات دولة الخلافة المزعومة- كما تعلنها برامج الشباب، وصحافتهم الصادرة عنهم، حتى تخصيصهم جمعة أسموها “جمعة الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة” رغم اعتراضات بعض الإسلاميين المتشددين.
حقاً إن “اليمنيين اليوم من خلال ثورتهم يكتشفون أنفسهم، ويكتشفون بعضهم بعضاً، يبحثون عن ذواتهم وهويتهم السياسية والوطنية المصادرة... اليمنييون اليوم يكتبون تاريخهم الذاتي الخاص، كأفراد، وكشعب، وليس تاريخ الطغاة والأنظمة، والسلطات، يكتبون بالقول وبالفعل وبأنفسهم ما يعتقدونه هم، وما هو مقتنعين به، ولمصلحتهم”([7]) اليمنيون اليوم وعبر ثورتهم الجبارة يعيدون صياغة علاقتهم بالسياسي والتاريخي على قاعدة الدولة المدنية الدستورية الديمقراطية، طال الزمن أم قصر، هو حلمهم وهدفهم القريب والبعيد، وما عليهم سوى متابعة الخطى صوبه، رغم المصاعب والتحديات التي ستواجههم، فلن تكون مصاعب أقسى وأعنف مما واجهته الثورة منذ اللحظات الأولى لانطلاقتها، ولا أستطيع أن أكون في ختام هذه الورقة البحثية إلا مع التعبير المجازي، الواقعي الذي قاله المبدع عباس بيضون عن الثورة العربية “نحن الآن في المستقبل” منذ أكثر من عام، بدأ في تونس، وفي مصر وليبيا، واليمن، وسوريا. لقد تغيرت منذ ذلك الحين وجهة الزمن([8])، زمن جديد يتكور بين اعطاف تاريخنا الحاضر، ويرهص ويؤشر بقوة إلى المستقبل هل سنصل؟ كيف سنصل؟ متى سنصل؟ بأية كلفة تاريخية وإنسانية سنصل؟؟ لا أدري، المهم أننا بدأنا رحلتنا مع الثورة العربية إلى المستقبل.. رغم خطاب التكفير باسم الدين، ورغم خطاب نظرية المؤامرة المشكك في كل شيء دون سند سوى سند الحضور التاريخي الماضي بكل عفنه وروائحه الكريهة التي تطاردنا في كل مكان، وسند حالة الإحباط والانكسار التي يعيشها البعض، والأنكئ أنه دون بديل سوى الماضي وحضوره التاريخي بكل خصوصياته السالبة والعفنة...، نحن الآن في المستقبل.
[1](1) من تكفير عشرات المفكرين والمبدعين ، بداية من د. عبدالعزيز المقالح، والشاعر عبدالكريم الرازحي ، ود. حمود العودي، إلى تكفير جار الله عمر حتى اغتياله المشهدي في 28 ديسمبر 2002م ، حتى تكفير الناشطة السياسية المدنية في قلب الثورة الشبابية في تعز بشرى المقطري والتحريض عليها في المساجد العامة، وبالفتاوى السياسية الدينية ، وهي بروفات أيديولوجية دينية تريد ضرب العمق المدني ، والديمقراطي التحرري للثورة الشبابية الشعبية، بحجة خروجها على الثوابت، وهي فتاوى تأتي ممن يدعون أنهم يناهضون نظام علي عبدالله صالح، ولكن من نفس قاعدته السياسية والأيديولوجية المتخلفة، وهم نتاج أصيل لذلك النظام، وهم حماته بالفتوى تاريخياً.
[(2)] قادري أحمد حيدر كتاب “ دراسات فكرية وثقافية” ص177 إصدار اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ط أول 2009م.
[2](1) من وثائق الحزب وبيان إعلانه التي وزعت في المؤتمر تحت التأسيس لحزب الأمة.
[3](2) من أسماء الصحف الصادرة عن الساحة، ويصدرها شباب الثورة أنفسهم: (صحيفة التغيير، صحيفة الساحة، صحيفة المرابطون، صحيفة التحديث، الحرية، شباب الثورة، ساحة التغيير، صوت الثورة، المنسقية، الوعي الثوري، التيار، التوعية الثورية ، إرادة شعب، التحالف المدني... وغيرها).
[4](1) عبدالله سلام الحكيمي، صحيفة الوسط، صنعاء، الأربعاء 28/12/2011م، العدد رقم (363) مقابلة أجراها جمال عامر.
[5](1) علاء اللامي، صحيفة الثوري، صنعاء، الخميس 15/12/2011م، العدد رقم (2166).
[6] (2) هناك العديد من الدواوين الشعرية خرجت وإصدرت من قلب ساحة التغيير وميادين الحرية لا يحضرني منها سوى اسم ديوان الشاعر يحيى الحمادي بعنوان “ الخيمة” دواوين معبرة عن روح الثورة، والتغيير.
[7](1) قادري أحمد حيدر، صحيفة الوسط، صنعاء، الأربعاء تاريخ 26/11/2011م، العدد رقم (356) ص5، وهي الحلقة الثانية من موضوع عن توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام 2011م.
[8](2) الشاعر عباس بيضون، صحيفة السفير/ اللبنانية، تاريخ30/12/2011م، العدد رقم (12073).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.