الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شعار واحدية الثورة اليمنية
نشر في الجمهورية يوم 08 - 05 - 2012


مفهوم ايديولوجي شمولي
في البداية من المهم التمييز بين مفهومي، أو فكرتي الانتماء، والولاء، في صلب عنوان هذه الفقرة، فالإنتماء نعني به هنا، الانتماء إلى الهوية اليمنية الكلية الكبرى الجامعة (الشعب , واليمن) على اعتبار أن الوطن، والدولة/ السلطة قد تعرضتا إلى التقسيم والتجزيء، والتشطير إلى أكثر من قسم سياسي في مراحل التاريخ المختلفة ..
، أما الولاء فيحمل هنا دلالة ومعنى أصغر وأقل من مسألة الانتماء، وغالباً ما يعني ويقصد بالولاء، الولاء للحزب، أو للنظام السياسي، أو ولاء لحاكم، أو ولاء لقبيلة، أو منطقة، وقد نجد في بعض المسائل والوقائع تداخلاً بين مفهومي الانتماء، والولاء، مثل الانتماء للمذهب، أو الدين، والقبيلة، كما هو في بعض مراحل التاريخ كما سبقت الإشارة خاصة في مراحل التاريخ المأزومة التي لم يحسم فيها سؤال ومسألة الهوية الوطنية للشعب، حيث يتغلب الانتماء المذهبي أو الديني أو حتى القبلي، على غيرها من الانتماءات، ولكننا وجدنا من المناسب هنا اعتماد هذا التوصيف المفهومي والتحليلي للتفريق بين بعدي أو مفهومي الانتماء، والولاء، ولذلك وجب التنويه. فالانتماء لليمن، وإلى الشعب (التاريخ والجغرافيا) بصرف النظر عن مراحل تخثر الجغرافيا، وانقسامها على بعضها بعض سياسياً، وسلطوياً، في هذه المرحلة أو تلك، كما حدث في تاريخ اليمن القديم، والإسلامي، والوسيط، والحديث، وحتى المعاصر، تشطير، وتجزؤ بين الدويلات، والممالك، وبين الأتراك في الاحتلالين الأول 1538 - 1635م والثاني 1872 – 1918م، وبين الإمامة، والسلاطين، والدويلات المختلفة، والإنجليز مع 1839م، ولكن بقي عبر التاريخ الانتماء لليمن، وللشعب واحداً، في حضوره التاريخي، وفي خصوصياته، وهو الأصل العظيم والكبير الجامع الذي يوحدنا جميعاً (اليمن)، فقد توزعنا سياسياً، وتاريخياً إلى عشرات الدويلات القبلية، والمذهبية (الزيدية، والشافعية، والاسماعيلية، والفاطمية، الأيوبية السنية، والحنفية العثمانية)، وإلى دويلات العائلات (القعيطي، والكثيري، والعبدلي، والفضلي، وقبلها جميعاً الرسولي، والصليحي ..الخ). وبقي اسم اليمن، والانتماء إليه هو الجامع المشترك لنا جميعاً، على عكس بعض الدول التي تحللت، أو انقسمت على ذاتها وانتمائها، بعد أن صنعت وأوجدت لها تسميات انتمائية جديدة مثل بلاد الشام، الذي توزعته انتماءات وطنية وشعوبية مختلفة كما يشير إلى ذلك د. عبد العزيز المقالح[(1)]، إذ علينا أن نتفق في هذه الفقرة على هذا المبدأ، وعلى هذا التوصيف المفهومي الذي اعتمدته في التفريق بين الانتماء، والولاء، حتى لا ندخل في جدل عقيم حول المفهوم، المهم أن اليمن هي الحاضرة في قلب التاريخ، فحضورها هو الطاغي، وهو المستبد بغيرها من الهويات والانتماءات الصغيرة، وهو المجسد والمعبرعن هوية جميع أبناء هذه المنطقة، المحددة جغرافيا بجنوب الجزيرة العربية. فامرؤ القيس الشاعر الجاهلي، الكندي الحضرمي، اليمني, يقول شعراً
«تطاول الليل علينا دمون، دمون إنا معشر يمانون وأنا لأهلنا محبون»
وقول الشاعر عبد يغوث :
هوايا مع الركب اليمانيين مصعدٌ
عجبت لمسراها وأنَّى تخلصت
وقوله:
وتضحك مني شيخة عبشميهٌ
جنيب وجثماني بمكة موثق
إليَّ وباب السجن دوني مغلق
كأن لم تر غيري أسيراً يمانيا
وكذلك قول الشاعر / عمرو بن ابي ربيعة
تقول عيسي وقد أمت ركائبها لحجا ولاحت ذرى الأعلام من عدن
أغأية الأرض ياهذا تريد بنا فقلت كلا ولكن منتهى اليمن
وقول جرير..
ياحبذا جبل الريان من جبل وحبذا ساكن الريان من كان
وحبذا نفحت من يمانيه تأتيك من قبل الريان أحيان
فالشعر القديم (الجاهلي), والاسلامي, والوسيط مليء بالكثير من هذه الأمثلة حول يمنية هذا الشعب واستمرار وحدة هذه التسمية وهذا الشعب , وذلك غيض من فيض.
وفي القرآن الكريم جاء الحديث عن سبأ ومملكتها الذي يعني اليمن، واليمنيين، في قوله تعالى: “إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء، ولها عرش عظيم” وقوله تعالى: “بلدة طيبة، ورب عفور” وقول رسوله العظيم محمد صلى الله عليه وسلم : “ترجع ثلثا بركة الدنيا إلى اليمن” حين كان حكامها طيبون، يحبون شعوبهم، وقول الرسول الكريم، في اليمنيين من أهل التهائم البسطاء، العلماء : “الإيمان يمان، والحكمة يمانية”.
والحضارات اليمنية القديمة الملوكية (سبأ، حضرموت، حمير، ومعين ...الخ) تعرف في كتب التاريخ بالحضارات اليمنية القديمة، وهنا تتجلى وتحضر القيمة والخصوصية الإيجابية للحضور التاريخي، الذي جعل من كلمة ومفردة اليمن حضوراً مستمراً في التاريخ، كما يحكى اليوم عن حضارة العراق القديمة (الرافدين، جلجامش، بابل ..) وكذا عن حضارة مصر القديمة (بين النهرين)، ويمكن أن يكون الحضور التاريخي لأسم اليمن هو الأكثر بروزاً، وسطوعاً، وتداولاً في التاريخ –إلى جانب ما سبقت الإشارة إليه- من غيرها من الدول القديمة.
وأنا هنا لا أدعي أن الواقع، والممارسة السياسية، تقولان أن الهوية اليمنية، أو الإنتماء إلى المعنى اليمني العام كهوية سياسية اجتماعية تاريخية، تجمع وتوحد أبناء هذا البلد، قد تمكنت من أن تشكل الإطار السياسي الوطني العام الجامع على مستوى الدولة/ السلطة، وفي المجتمع، بما يتجاوز نهائياً سقف الهويات، والمشاريع الصغيرة، -قبل الوطنية- (القبلية، والعشائرية، والمذهبية، والطائفية، والسلالية، المناطقية)، ولكني أزعم وأدعي أن الوعي التاريخي، وشعور الإنسان في هذه المساحة الجغرافية، لا يفكر حتى في خياله أنه غير يمني، بصرف النظر عن خطاب المكايدات السياسية التي يحكمها منطق رد الفعل، لأسباب سياسية آنية. سببها حرب 1994، وشعار الوحدة بالحرب والدم، مع قناعتي أن “ الوطنية اليمنية” لا يمكن أن تبنى بالحرب، ونحن في مطلع العقد الثاني من الألفية الثالثة. أن لا مبالاة مجموعة، أو جهة جغرافية، أو حزب سياسي، أو منظمة اجتماعية بالآم جماعة أخرى، تشاركها الوطن” أو فلنقل في متحد تسمية الدولة، يدل على أن “الوطن” و“الدولة” فكرتان تضفيهما السلطة القائمة على سلوكها السياسي، دون أن تكون إحدى هاتين الفكرتين وعياً طبيعياً يعبر عن نفسه تلقائياً في الوعي والسلوك السياسيين لمجموعة من البشر نطلق عليها صفة شعب أو أمة. إن هذا المنحى الذي يصدر عن أسبقية وجود الوطن ، أو الدولة يعطي الأولوية دائماً لأمرين : الوجود الأزلي للأمة، أو الشعب، والأولوية للدولة على المجتمع فالعرب أو الألمان أو الأتراك موجودون دائماً بما هم أمة ولم يصيروا كذلك بالتدريج في مراحل التطور والتكامل والاندماج عبر الزمن وهو المجال الوحيد لصناعة الهوية”([1]). وهنا تكمن الخطورة الحقيقية على مستقبل وحدة أي شعب، أو وطن، فالاستبداد الداخلي حين يصل إلى حد تمييز جماعة من الشعب على أخرى سواء كانت أقلية ، أو أكثرية بفعل قوة حصانة مميزة لها عن بقية فئات الشعب الأخرى، وبقوة قهر السلطة ، والمترافق مع إقصاء للآخر عن الشراكة والمشاركة في السلطة والثروة، وعنف حصري في إذلال الآخر في الممارسة كجماعة (مذهبية، أو مناطقية، أو أثنية) قطعاً لا يخلق شروط وجود شعب واحد، بل يؤسس لتمزق في الهوية الوطنية إلى هويات شعوبية، “تحت وطنية” ومن هنا حساسية ولا معنى الحديث عن شعار “واحدية الثورة اليمنية”، في واقع الإمعان في استمرار تمزيق وحدة الشعب الجارية منذ بعيد حرب 1994م ، الحرب التي دمرت بنية الوحدة الوطنية للشعب اليمني، وجعلت من البعض يتحدث بصوت عال من إنه ليس “يمني”، ويطالب بتقرير المصير.
إن ضرب عملية الإندماج الاجتماعي الوطني المكرسة منذ حرب 1994م ، أوجدت وخلقت مشكلة حقيقية في معنى الانتماء الوطني، ولمعنى وحدة الشعب التاريخية، ليس بين الشمال ، والجنوب، وإنما داخل كل قسم في الشمال ، وفي الجنوب، وهو ما يجب إدراكه بعمق ، والإسراع في تقديم معالجات سياسية وطنية إستراتيجية جدية لها ، بدلاً من الهروب إلى الشعار الفارغ من المعنى، بالحديث عن “واحدية الثورة اليمنية” وهنا يمكن سؤال التحدي للإجابة على الإشكالية السياسية الوطنية التاريخية الراهنة اليوم. واستطيع القول أن حالة “الوطنية اليمنية” هي اليوم في أسوأ حالاتها ، وأسوأ بما لا يقاس من وضعها، ومستواها الذي كان قائماً قبل إعلان وحدة 22مايو 1990م ، وهو ما تفضحه الحقائق والوقائع الجارية في البلاد اليوم. وهنا يكمن سؤال البداية في الدخول إلى نقد مفهوم واحدية الثورة اليمنية ، بعد أن صارت الوقائع السياسية الحاصلة تناقض منطق التاريخ ، وعلاقة الشعب، بالجغرافيا، والتاريخ. وبهذا المعنى فإن موقفنا من التاريخ موضوعي، وعقلاني نقدي، وتاريخي “ لا يمكن اعتبار حضور التاريخ في حياة الشعوب عائقاً لتطورها وأخذها بأحدث الأساليب في السياسة، والتصنيع ..، ولكن تراكم التخلف هو الذي يجعل من حضور التاريخ ضاغطاً ومانعاً للتغيير والتطور، والشواهد على ذلك كثيرة، عن شعوب نجحت في المواءمة بين حضور التاريخ، وتجاوز التخلف، ويكفي النظر فقط إلى الصين، واليابان، والهند، حيث ما يزال التاريخ حاضراً بخرافاته، ولغاته، ودياناته، ومع ذلك لم يشكل التاريخ أدنى عائق “ [(1)] وذلك يعني أن المشكلة ليست في التاريخ في ذاته، ولا في الحضور التاريخي، ولكن في السياسات التي حولت التاريخ إلى أيديولوجية، وإلى ملك شخصي، وفي أنظمة استبدادية حولت بعض ما في حياة الناس، وفي التاريخ مثل : الدين، والمذهب، والطائفة، والقبيلة، والمنطقة إلى ركيزة سياسية وأيديولوجية للحفاظ على أنظمتها، بعد أن سعت إلى نمذجة، وتنميط التاريخ وفقاً لمصالحها الضيقة، وهي مشكلتنا اليوم مع التوجه الأيديولوجي الرسمي لتوظيف التاريخ، والحضور التاريخي، لترسيم كتابة أيديولوجية سياسية للتاريخ تخدم مصالح التوجه السياسي القائم. فالعتب هنا ليس على التاريخ، ولكن على النظام السياسي القبلي، الطائفي، والعائلي الوراثي، الذي نجد جذره الأيديولوجي ، السياسي في تراث إمامي تاريخي عميق الغور في التاريخ، وفي دولة قبلية، أو جمهورية مشيخية قبلية، ما تزال تتحكم بمفاصل السياسة، والسلطة، حتى اللحظة بهذه الدرجة أو تلك، والذي يحاول توظيف، الجمهورية، والثورة، والتاريخ، بما فيه ثورة الشباب والشعب الجارية، لضرب فكرة وقضية الثورة في العمق، بالحديث الرومانسي عن “ واحدية الثورة اليمنية “ –وفي ذلك يتفق علي عبدالله صالح والمشيخ القبلي- وفق توجههما لنمذجة وتنميط مسار الثورة اليمنية بمستوياتها المتعددة والمختلفة، ضمن قالب إيديولوجي سياسي تاريخي واحد، وتحت شعار “واحدية الثورة اليمنية “ وكأن تاريخ السياسة، والمجتمعات والثورة تحركوا، وساروا، في اتجاه واحد، وفي خط مستقيم. إن القول بواحدية الثورة هدفه طمس الوجه السياسي الثوري الواقعي للثورتين اليمنيتين في تجلياتهما الموضوعية، والسياسية التاريخية المتنوعة والمختلفة، لمنع إدراك طبيعة، ومضمون، وخصوصية كل ثورة، فقد قامت ثورة 14 أكتوبر 1963م لمقاومة الاستعمار البريطاني المحتل لجزء من وطننا اليمني في الجنوب، ومن خلال الكفاح السياسي، والمسلح الذي شارك فيه جميع أبناء اليمن في الجنوب والشمال وكانت الجبهة القومية هي رائدة الكفاح الوطني المسلح، مع غيرها من القوى الثورية المقاومة. وفي شمال اليمن كانت الثورة ضد الاستبداد الداخلي الإمامي من أجل إزالة حكم ثيوقراطي حكم البلاد تاريخياً باسم الدين، والمذهب، والحق السلالي “ والمهمات الموضوعية والسياسية، والبرنامجية، والمرحلية التاريخية، قطعاً تخلتف بين الوضعين والتجربتين والثورتين، مع أن هدفهما النهائي واحد (الحرية، والاستقلال، والعدالة، والكرامة الإنسانية) على طريق خلق اليمن الديمقراطي الموحد، كما رفعته شعاراً التجربتان. ولكن على قواعد وشروط كفاح ونضال مختلفة، وأشكال مقاومة متباينة، وبرامج سياسية متعارضة، وتحالفات واصطفافات مختلفة، محلياً، ووطنياً، وقومياً، (إقليمياً، ودولياً)، حضور التاريخ في كل منهما مختلف، وتعبيره عن نفسه تجاه الثورة يختلف، فقد كان حضور التاريخ في مقاومة الاستعمار يقف إلى صف الثورة ويخدمها، ويحفز الشعب أكثر على الكفاح، حيث كانت القبيلة، وكان الدين، والمعنى الوطني العام كله حاضراً في صف الثورة ولخدمتها، بينما في مواجهة الاستبداد الداخلي الإمامي انقسمت القبيلة، وانقسم الموقف السياسي الديني في ثورة 26 سبتمبر 1962م، كما كان هناك انقسام سياسي، طبقي حول مضمون الثورة ومستقبلها، وكان الحضور التاريخي في خصوصيته في ثورة 26 سبتمبر وتجاهها أكثر محافظة أو على الأقل حيادياً، وغير منحازٍ جذرياً لصف الثورة ..، ومن هنا أجد نفسي لست مع الترسيم الأيديولوجي لكتابة التاريخ، ولا مع التوجه السياسي الرسمي (مشايخ ، وعسكر، وكتبة رسميين) في الحديث عن شعار “ واحدية الثورة اليمنية»، لأن الهدف هنا ليس وحدة اليمن، في الثقافة، والتاريخ، ولكن وحدة النظام السياسي في شخص «القائد الرمز» و«القائد الضرورة” والتي هي امتداد لوحدة اليمن سياسياً، وأيديولوجياً، ضمن ثلاثية الفردية، والعصبية، والمركزية المقدسة، أي الوحدة التي حددتها المفاهيم، والأطر الأيديولوجية التاريخية للوحدة، في إطار الوحدات والاتحادات القبلية ، والعسكرية، والدينية، (الإقطاع العسكري) في الاتحادات والوحدات القديمة، وصولاً إلى مفهوم الوحدة الإمامي الذي يعني ضم وإلحاق، وفرع، وأصل، وهي وحدة توحد الوطن، والشعب، والبلاد، والتاريخ بالمذهب، وبالقبيلة، والمنطقة، والجهة، وصولاً إلى وحدة الجمهورية القبلية، في صورة الوحدة بالحرب والدم، حيث القائد الرمز، وحد البلاد عبر الفتوى الدينية، والحربية التكفيرية، وهو ما نقاسي ويلاتها حتى اللحظة في صعدة، وفي جنوب البلاد، وهي نتيجة لوعي زائف في تفكيرنا السياسي، لم يفرق بين وحدة الشعب الضرورية السياسية / الديمقراطية التاريخية، وبين وحدة النظام السياسي واستقراره في قبضة الحاكم المستبد في صورة ثلاثية الاستبداد التاريخية الفردية ، والعصبية، المركزية، المقدسة، حيث الزعيم القبلي العسكري ، الجمهوري، وحد السياسة، والشعب، والتاريخ في اسمه، وفي ظل نظام الجمهورية القبلية العسكرية، بعد أن غابت اليمن، وضاعت الوحدة، وتحولت الجمهورية إلى ملكية وراثية لولا ثورة الشباب والشعب القائمة في كل اليمن إن الكتبة الرسميين وعاظ السلاطين هم من يهندسون الكتابة الرسمية الأيديولوجية للتاريخ، وهم من يقفون خلف شعار “واحدية الثورة اليمنية” ولذلك يتدخل رئيس الجمهورية السابق شخصياً لرعاية ندوة كتاب تاريخ الثورة اليمنية التي من أهدافها تمرير شعار “واحدية الثورة اليمنية” التي أصدرت منها حتى الآن خمسة مجلدات، هدفها النهائي تمرير كتابة واحدية وأحادية للتاريخ اليمني على قاعدة الثورة الأصل، والثورة الأم، والثورة البنت، والثورة الفرع. المستمدة من تراث تاريخ الإمامة الاستبدادي الثيوقراطي، التي وقف على رأسها جميعاً صانع الثورة وقائدها، القائدة الضرورة، والقائد الرمز كما كان وما يزال يقوله الكتبة الرسميون، -الذي نتمنى أن لا يعاد انتاجها بعد ثورة الشباب والشعب مرة ثانية- وهي في العمق والجوهر ثقافة إمامية استبدادية لا تعترف بالنقد والتنوع، ولا تقر بالاختلاف، وتنظر إلى التعدد والتنوع نظرة ازدرائية، لأنها في الأصل لا تقبل بالآخر إلا تابعاً، ومذعناً وملحقاً، ورعوياً، وليس نداً أو شريكاً، وطرفاً فاعلاً في معادلة بناء الوطن ..، والاختلاف مع شعار واحدية الثورة اليمنية، هنا لا علاقة له بثقافة الانفصال، والتشطير، والتجزئة، أو المناطقية، ولا يعني رفض هذا الشعار الواحدي والآحادي، في نظرته للسياسة، وللثورتين، وللشعب، وللجمهورية، وللتاريخ، اتفاقا مع أيديولوجية استعمارية، أو إمامية ملكية، كما يقول الخطاب الرسمي، ففي كلمة افتتاح ندوة «الثورة اليمنية تحت شعار «واحدية الثورة، مقاومة الاحتلال، ونيل الاستقلال» يقول علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية السابق «إن على الرعيل الباقي من رجال الثورة أن يستغل هذا الوقت لكتابة تاريخ الثورة اليمنية الواحدة، سبتمبر، وأكتوبر، وهي ثورة واحدة في الحقيقة، وذلك يعني أنها ليست كما يدعي نفر من الناس بأنهما ثورتان تشطيريتان، أولئك عناصر من مخلفات الإمامة والاستعمار، ولازالت رواسب الماضي في رؤوسهم، والحقيقة أن هناك ترابطاً كاملاً لثورة سبتمبر وأكتوبر»[(1)]، وفي رأيي، أنهم لا يوثقون لتاريخ الثورة كما يزعمون، وإنما يكتبون تاريخاً ذاتياً خاصاً بهم داخل صفحات متن الثورة وتاريخها ويبرزون أدواراً لا أساس للقائد الرمز وللمشيخية القبلية معه، في قلب تاريخ الثورتين اليمنيتين في واحديتها التي يتوهمونها، ومن خلال الأيديولوجية السياسية التي يكتبون بها تاريخاً أحادياً وواحدياً للثورتين اليمنيتين، يقف في صدارته الزعيم الذي لا حضور تاريخي له لا في ثورة الشمال، ولا في ثورة الجنوب، وهذا الدمج القسري لتاريخ الثورتين اليمنيتين في صورته الواحدية، هدفه المباشر ومن أحد الوجوه البحث عن موقع، ودور، ومكانة للقائد الضرورة بصورة أساسية ومعه وإلى جانبه المشيخ القبلي، في قلب ما يسميه العقل السياسي الرسمي، واحديه الثورة اليمنية، لأنه في حالة الإقرار بتعدد وتنوع، وخصوصيات الثورتين كما هي في الواقع، والتاريخ، فإنه لا مكان لمن يبحثون لهم عن مكان.
لا يستطيع أحد أن ينكر واحدية الشعب اليمني في تعدده وتنوعه وخصوصياته الاجتماعية والسياسية والوطنية، وعلينا هنا الانتصار لقيمة الثورة اليمنية في تعددها وتنوعها، بعيداً عن عقلية واحدية التاريخ وواحدية الثورة، وواحدية القائد، وكأن التنوع والتعدد في مسارات التاريخ شر محض ..، ولا تفسير لذلك سوى هيمنة ثقافة النظر للتاريخ باعتباره مساراً خطياً مستقيماً، ثقافة الكل في واحد...، إن علينا الانتصار لقيمة الثورات اليمنية السياسية الديمقراطية جميعاً (سبتمبر ، أكتوبر ، وثورة الوحدة الجديدة بعقدها الاجتماعي السياسي الديمقراطي الجديد) في آفاقها الإنسانية المفتوحة، الانتصار للتاريخ الذي يحقق الحضور التاريخي لجهات اليمن قاطبة، في تعددها، وتنوعها، وخصوصياتها، بعيداً عن الأيديولوجية السياسية التي يحاول البعض استجلابها إلى منطق كتابة التاريخ اليمني اليوم، تحت شعار واحدية الثورة اليمنية.
----------------------------------
[(1)] د. عبدالعزيز المقالح من مقدمته لكتاب سمير العبدلي “الوحدة اليمنية والنظام الإقليمي العربي “ حيث يقول “ فإن اليمن “قد ظل هو الاسم الواحد , والرمز التاريخي الذي لن يتغير أو يتبدل , وان كل مواطن على امتدد هذه الساحة يرى نفسه مواطنا يمنيا ينتمي الى قطر عربي واحد اسمه “اليمن “ ولم يحدث له ماحدث لبعض الأقطار العربية التي تفتت فأصبح لكل جزء اسمه الإقليمي الذي ينتمي إليه مواطنوه كما هو الحال على سبيل المثال في بلاد الشام “ ص 8 مركز الدراسات والبحوث / صنعاء , ط ,2011م. فلم يقتصر الأمر مع سايكس بيكو حد تفتيت الدولة، والأمة، بل ووصل كما يرى د. عزمي بشارة إلى تمزيق العائلات “سورية، ولبنانية، وفلسطينية على حدود تقسيم سايكس – بيكو، فلقد “فرض على عائلات كاملة أن تتمزق ليس بين دولاً فحسب، بل بين انتماءات وطنية تفرض عليهم من دون مبرر سوى التقسيم الاستعماري(...) هويات صنعت أمام أعين الناس” د. عزمي بشارة ، مصدر سابق ، ص 184، واليوم نشهد المرحلة الثانية من سايكس بيكو ولكن على أساس تقسيم اقتصادي – سياسي جديد- كما يقول هيكل – وهو ما بدأ مع احتلال العراق 2003م ، وتقسيمه إلى مذاهب وطوائف ضمن فدرالية طائفية، ولا ندري إلى أين سنصل؟
[1](1) د. أبوبكر السقاف كتاب “دفاعاً عن الحرية والإنسان” ص 24 ، إعداد منصور هائل، إصدار منتدى الجاوي الثقافي رقم (1) ط أولى 2012م .

[(1)] د. عبدالعزيز المقالح من بحث له لم ينشر بعد احتفظ بنسخة منه , سمح د.المقالح بالاستشهاد به.
[(1)] علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية ندوة “الثورة اليمنية” الجزء الثالث ص 17 إصدار دائرة التوجيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.