عندما تتمكن فكرة من شخص أو جماعة يصبح صاحبها في إطار السيطرة من قبل تلك الفكرة بحيث لا يسمع غير صوته ويصاب بعدم رغبة في سماع الصوت الآخر أو عدم محاولة الإصغاء لما يقوله الآخرون وربما في بعض الأحيان يصل الحال إلى العمل الحثيث للإطاحة بالصوت الآخر المخالف . من هنا يصبح الكاتب أو المفكر السياسي منشغلا بالحشد للتنادي للحملات التشويهية التي تنال من الخصم فإذا تم ذلك تداعت قوى وعناصر لا دخل لها بالفكر البناء وكل همها تسجيل مواقف تحسب لها عند الأطراف التي تنتفع من ذلك التنادي بشكل أو بآخر . فتبدأ عملية غربلة الأوراق القديمة والنبش في الأرشيف وحذف سطور ووضع خطين تحت سطور أخرى ، وهذا ما يفسر كيف أن بعض الشخصيات يتم الحديث عن ماضيها وأفعالها التي واكبت مرحلة ما أو كانت منها ردة فعل لموقف ما أو كانت لها ظروفها وملابساتها التي لن يتم تفسيرها بعد مرور فترة بصورة منصفة ، لكن يتم إخراجها وإبرازها لخدمة الحملات التشويهية للخصوم . كما تبدأ عملية تسفيه آراء الآخرين والطعن في النوايا دون دليل كأنهم قد اطلعوا على قلوبهم فوجدوها كاذبة ، ويفندون أراء الآخرين على حسب موافقتها لآرائهم من عدمه ، فهذا وطني وهذا عميل وهذا لن يجد ريح الجنة إذا مات ، فحتى أمور الآخرة لا تخفى عليهم . فمن هو المخول للتصويب أو عدمه في الآراء والأفعال ؟ طبعا لا أحد وصي على أحد ، ولا يوجد فكرة حكرا على أحد بحيث لا يتحدث عنها غير المسنودة لهم حصريا ولو تناولها غيرهم لا تقبل . ولا يوجد فكرة غير قابلة للنقاش فكل القضايا قابلة لوضعها على طاولة الحوار دون خطوط حمراء أو وضعها بين قوسين . لسبب بسيط أنها نتاج إنساني وليس نصا إلهيا مقدس . وفي الأخير أقول مهما نجح الشخص أو الجهة التي تأخذ على عاتقها الإطاحة بالمخالفين في سعيهم فلن يحسب عملهم في ميزان الفكر والعطاء ولا في ميزان الإنسانية ، لأن ذلك لا يخدم المجتمع ولا يضيف قيمة حقيقية للرصيد الإنساني . بل مع المدى يسهم في تحويل عملية الاختلاف الصحية إلى ظاهرة غير صحية بارتباط سلوكيات مشينة بها ومصاحبتها لممارسات خاطئة .