كانت الوحدة اليمنية حلم راود اليمنيون في صحوهم ومنامهم, وأنشودة رتلتها الأجيال لعقود من الزمن قبل أن تتحقق وحين تحققت, هلل لها الكثير وكبر ورقصوا ابتهاجًا بها وظن الكثير أن أيام البؤس والحرمان والكبت والقطيعة قد غادرت حياتهم وأن الأمل في الحياة الهانئة المستقرة قد ولت و أن الصراعات الحزبية والمناطقية قد باتت من الماضي . ولكن يا فرحة لم تتم, فبعد مرور اثنان وعشرون عاما من الوحدة لم يحصد الشعب اليمني في الجنوب والشمال إلا الشوك واستأثرت فئة قليلة بالثروة وسلبت ونهبت وفعلت الأفاعيل ووجد اليمنيون أنفسهم أمام محنة لا منحة؛ فهم اليوم يجدون أنفسهم على أعتاب مرحلة تأريخية حرجة وهم يرون أن حلمهم الجميل بالوحدة قد تحّول إلى كابوس يقض مضاجعهم, والحياة الهانئة التي تغنوا من أجلها ما هي إلا سرابًا كان يحسبه الضمئان ماء, فيا ترى ما الذي حدث حتى حشر اليمنيون في النفق المظلم ؟ إن الناضر إلى الأحداث اليوم بعين منصفة ونفس متجردة من الأهواء يصل إلى نتيجة مفادها أن الأيادي العابثة التي مزقت الأمال التي اكتست بها الوحدة وجردتها من كل جميل وجليل واستبدلت بذلك كله طبولا للحرب تنذربها أيامًا سوداء حالكة كانت من من وراء ما حدث من الكبوات, لكنها استطاعت أن تقنع الكثير من اليمنين هنا وهناك أن كل علة سببها الوحدة ولهذا تحولت الوحدة إلى تهمة وتحولت معها ألأمال إلى مآساة شعب وحكاية وطن كئيبًا كسيفًا أخفق في تجربة ظن العرب أنها فريدة في تأريخهم الملئ بالنكسات, لقد نجح المتنفذون من كل التيارات من النيل من وحدة القلوب فصار الشعب عدو الشعب في طول الوطن وعرضه, فزرعوا الحقد والكراهية بالتمييز العنصري والقبلي والمناطقي والفيئوي وهم يدركون تمامًا أنهم يدفعون باليمن أرضًا وإنسانًا إلى الهاوية, ليرتمي بكل يسر وسهول في أحضان الدول التي لها مطامع إقليمية ويرهنوا أمنه القومي للأطماع الأجنبية. إن اليمنيين اليوم مدعوون إلى الوقوف خلف مصالحهم وأمنهم ومستقبل أجيالهم بعيدًا عن الأهواء والمصالح الشخصية أو العائلية مالم فإنهم سيعرضون أنفسهم للمحاسبة أمام الله والناس والتاريخ .