عام 1432ه الموافق 2011م هو عام انهيار الدكتاتوريات العربية والأنظمة القمعية وسقوط رموزها المتمثلة في الرؤساء الذين تسلقوا إلى سدة السلطة على حين غفلة وغرة من الشعوب، إنهم رويبضات وتحوت كما وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم خرجوا من قاع المجتمع وقفزوا إلى قمة الدولة ، ساعدهم على ذلك أمران أحدهما غفلة الشعوب ولهوها وعدم اكتراثها بمن يحكمها ، وغيابها أو غيبوبتها عن المطالبة بحقوقها وتفريطها في محاسبة حكامها ، مما كان سبباً في الاستخفاف بها من قبل تلك الرويبضات الذين تسموا بالزعماء أو الرؤساء فتفننوا في الاضطهاد والفساد والإفساد وأهلكوا الحرث والنسل و{بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار}.
والأمر الآخر هو أن تنصيبهم تم بموافقة من دول خارجية لها أطماعها وهيمنتها فَنَمو تحت رعايتها وفي أحضانها وقد أمدتهم تلك الدول بكل وسائل التمكين والهيمنة التي مكنتهم من إخضاع الشعوب وقهرها وإذلالها، وهؤلاء الطواغيت يشتمون تلك الدول علنا لخداع الشعوب وتضليلها وهم في الحقيقة خدم وأجراء عندهم، ينفذون ما يملى عليهم سراً وعلانية، بل ويسارعون فيهم ويقدمون لهم أكثر مما يطلبون.
استمر هذا الطغيان والجبروت ما يقرب من قرن من الزمن ، سادت فيها الغثائية وتطاول الأقزام، ثم إن الله تعالى أذن للضعفاء بأن يقووا ، واستدار الزمان ، فكما أن للزمان دورته الفلكية، فإن للأمم والشعوب دورتها التاريخية حين تتحول فيها من الضعف إلى القوة ، ومن التبعية إلى الاستقلال والقيادة ، سنة ربانية لا تتغير ولا تخضع للأهواء والأمزجة {وتلك الأيام نداولها بين الناس} ، جاء التغيير مفاجئا للجميع، مفاجئا للطواغيت الذين أحكموا خططهم ورتبوا أمرهم ، وأعدوا عدتهم وسيطروا على الأرض والإنسان ، وحسبوا أنهم قد امتلكوا كامل القوة {وظنوا أنهم قادرون عليها } فجاء أمر الله بغتة وبدون مقدمات ، وتحركت الشعوب هادرة مزمجرة لا تهدأ أو تستكين حتى يسقط النظام اللعين، بآلياته وأشخاصه فكان إعصار التغيير مقارباً لإعصار (تسونامي) في قوته وآثاره إذ جعل عاليها سافلها وكانت الثورة التي قاد شبابها شيوخها وتقدم ضعفاؤها على أقويائها ، وانتصر العُزَّل إلٍّا من العزيمة على المدججين بمختلف وأحدث الأسلحة ، وآتت هذه الثورات أكلها وحان قطف رؤوس الطواغيت وتهاوت عروشهم وسقط كبرياؤهم تحت أقدام الجماهير ، وحاءت نهايتهم متنوعة بعضهم كانت نهايته شنقاً ، وبعضهم نفياً وطردا ، وبعضهم حبساً ، وبعضهم قتلاً ، وبعضهم حرقاً ... تتنوع نهاياتهم كل بحسب جرمه، إننا نرى فعل الله تعالى بهؤلاء الطواغيت وكأنهم مشمولين بقانون العقوبات الربانية التي حلت بأسلافهم حيث قال الله سبحانه وهو يذكر لنا مصارع المتجبرين { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }(العنكبوت:40).
إن هؤلاء الطواغيت الذين سقطوا غير مأسوف عليهم كانوا يمثلون كوارث وعقبات في طريق نهوض الأمة واستعادة حريتها وكرامتها وعزتها ، لقد شلوا حركة الشعوب وأعاقوا انطلاقتها ، ولعل في ذهابهم وسقوطهم المدوي تكون الطريق قد عبدت لتسير الأمة عليها بخطى ثابتة نحو البناء الشامل للوصول إلى ذروة مجدها والرقي المستمر نحو المعالي. وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا *** وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام إن واجب الأمة وقد أدركت حجم المأساة لمّا حكمها الطغاة .. أن تكون يقظة مبصرة حذرة وقد تخلصت من التسلط والاستبداد بأن لا تسمح ثانية لظالم جاهل كاذب غشوم أن يقودها أو يتصدرها ، عليها أن لا تتنازل عن حقها في اختيار حكامها ومحاسبتهم إن جاروا وظلموا .... وأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتجاهد في ذات الله متعاونة على البر والتقوى معتصمة بحبل الله تعالى واقفة أمام الباطل والظلم صفا واحداَ كالبنيان المرصوص فتلك قوتها وبها فلاحها ونجاحها. إن نهاية عتاولة الطواغيت وانهيارهم وتساقطهم هذا العام حدث عظيم يجب أن يؤرخ به على عادة العرب حين كانت تربط تاريخها بالأحداث الكبار كعام الفيل الذي أهلك الله فيه أبرهة الحبشي الذي أراد أن يهدم الكعبة فأهلكه الله وأباد جيشه وجعلهم كعصف مأكول... وفي هذا العام 1432ه أهلك الله رؤوس الشياطين البشرية الذين هدموا كل مقومات الأمة ونشروا الفساد والخراب في كل أرجاء البلاد جدير بأن يسمى عام سقوط الطواغيت في تاريخنا العربي الحديث ، ويؤرخ به حتى لا تنسى الأمة أو تستنيم.