* من مظاهر المبالغة في الخطاب السياسي والإعلامي للحراك الحديث عن إقصاء الجنوبيين وحرمانهم من الوظائف. * هناك مظالم واختلالات گثيرة وفادحة يعاني منها المواطنون في كل مناطق اليمن! * لا يمكن إزالة الفوارق بين المكونات الإنسانية في أي بلاد حتى لوكانت موحدة منذ مئات السنين! أعدها للنشر/ عبدالباسط الشميري في الدراسة التي أعدها الباحث ناصر يحيى نائب رئيس تحرير التقرير الاستراتيجي اليمني 2008م. والذي صدر عن المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية تناول فيها الكاتب مسألة الحراك في الجنوب وبطريقة سلسة وعميقة وبجرأة غير مسبوقة وبحيادية ووضوح لم يسبقه إليه أحد لهذا رأينا أن تكون القراءاتواضحة وصادقة وكما وردت والحقيقة إن الباحث أطلق عليها في البدء بالظاهرة التي شهدت تطورات مفاجئة في حجمها وانعكاساتها حتى صارت تشكل تحدياً للدولة اليمنية وقسم التقرير الظاهرة على النحو التالي - إشكاليات المصطلحات -اليمن والوحدة - جذور الحراك الجنوبي - الأسباب - خصائص الظاهرة - المواقف المحلية والإقليمية والدولية وأخيراً استشراف المستقبل. أولاً: إشكالية المصطلحات يشير الباحث في البدء إلى أن التسمية التي أطلقت على ما حدث من احتجاجات في بعض المحافظات الجنوبية ولأسباب عدة كانت جزءاً من المشكلة فرضته حساسية تاريخية معروفة في الأدبيات السياسية وفي الوجدان اليمني : الرسمي والشعبي وفجر مثل هذا هواجس ومخاوف حقيقية لدى النخبة الحاكمة وحتى لدى فئات شعبية عديدة وأقران صفة "الجنوب" بما يحدث في بعض المحافظات الجنوبية والشرقية يثير مخاوف عميقة لدى النخبة الحاكمة لأنه يعيد- من وجهة تقييمها - إنتاج "هوية وطنية خاصة" وانتماء لدولة "شطرية" بعد سنوات طويلة من قيام الوحدة اليمنية في عام 1990م ويشكل تحدياً للخطاب السياسي والإعلامي للحاكم في الوقت الذي كان يعتقد النظام أن مشروع الانفصال قد انهزم ونهائياً والتفاف الجماهير في المحافظات الجنوبية والشرقية حول مشروع الوحدة وظل النظام يرفض ما يحدث بأنه تعبير عن هوية جنوبية خاصة وترددت فئات سياسية في المعارضة في قبول التعاطي مع هذا الوصف الجغرافي للاحتجاجات خشية تأثير ذلك سلباً على وحدة النسيج الشعبي اليمني والهوية اليمنية الواحدة هذا رغم إقرار تلك الفئات بأن هناك مظالم واختلالات كثيرة وفادحة يعاني منها المواطنون في تلك المناطق كغيرهم من المواطنين في المناطق الأخرى نتيجة سوء إدارة البلاد واستفحال ممارسات الفساد وقد تعززت هذه المخاوف بقوة بعد أن ارتفعت أصوات عالية تدعوا صراحة "للانفصال" واستعادة "الهوية الجنوبية" الصخب والاحتجاجات الحقوقية الذي أثارته وسائل الإعلام وتعاطت معه وبقوة أتاح للسلطة التمسك بتقييماتها لحركة الاحتجاجات بأنها مؤامرات انفصالية تقف وراءها فئات من السياسيين والعسكريين السابقين الذين قادوا مشروع الانفصال في صيف 1994م أرادوا استغلال الأوضاع الصعبة والمعاناة الشعبية وركوب موجة الغضب والتذمر لتحقيق أحلامهم في إعادة الدولة "الجنوبية" السابقة ظناً منهم أنهم سيكونون حكامها وقادتها كما كانوا من قبل وقد استمات كل طرف في التمسك بتقييمه لما حدث فالسلطة ومؤيدوها أصروا على أن ما يحدث لا علاقة له بثنائية "الجنوب - الشمال" لأن الوحدة السياسية قد ألغت ذلك التمايز الجهوي كما أن المجتمع اليمني قد شهد عملية اندماج وتمازج واختلاط اجتماعي وسياسي واقتصادي يصير الحديث معه عن تمايز جغرافي يفرق بين اليمنيين نوعاً من قلب الحقائق وإثارة النعرات القديمة التي صنعتها سياسات خاطئة للأنظمة اليمنية السابقة ومخططات تآمرية كان وراءها قوى استعمارية قديمة وفي المقابل تمسك أنصار الاحتجاجات أو الحراك بوصف حركتهم بأنها "جنوبية" لخصوصيات موضوعية وتاريخية فموضوعياً أعلنوا أن المحافظات "الجنوبية" قد تعرضت لاستباحة متعمدة من قبل متنفذين "شماليين" استولوا على إمكانيات مادية هائلة بطرق غير قانونية كما أن المجتمع "الجنوبي" تعرض لعمليات خلخلة وتمزيق بسبب سياسات استئصال كل ما كان قائماً فيه من تركة الدولة الجنوبية السابقة مع الإصرار على أن أبرز أسباب المعاناة التي يواجهها سكان تلك المناطق هو كونهم "جنوبيين" فقط أما تاريخياً فإن "الجنوب" قد فقد حصته المقررة وفق اتفاقية الوحدة لصالح "الشمال" الذي فرض ممثلوه رؤيتهم وطريقة حياتهم وطبائعهم وقوانينهم على "الجنوبيين". ويؤكد الباحث أن هناك جزءاً من الحق في حيثيات كل موقف اختلط بأشياء من الباطل لأغراض لا علاقة لها بالدفاع عن "الوحدة" أو بالدفاع عن حقوق الجنوب "الجنوبيين" فعملية الإندماج التي حدثت في البلاد بين أجزائها المختلفة حقيقة يصعب إنكارها لكن القول بأنها قد أزالت كل التمايزات والفوارق ليس دقيقاً إلى حد ما. فأولاً لا يمكن إزالة الفوارق بين المكونات الإنسانية في أي بلاد حتى لو كانت موحدة منذ مئات السنين فالطبائع البشرية والتجارب التاريخية والتباينات الاجتماعية والنفسية نتيجة اختلافات البيئة والمعتقدات الدينية أو المذهبية والأنماط الاقتصادية تكرس أنماطاً من الاختلافات بين الناس والمجتمعات المحلية التي يعيشون فيها ولا عيب في ذلك حسب وجهة نظر الباحث ولا يقدم في وحدة البلاد أو يشك في مقوماتها ويمكن ملاحظة هذه الحقيقة في كل بلد قريب أو بعيد فلا يمكن القول أبداً أن سكان الولاياتالمتحدة أو فرنسا أو الهند أو مصر أو السعودية يشكلون في كل بلد كتلة إنسانية متوحدة العادات والسلوكيات والطبائع. ثانياً: فإن الاختلافات والتمايزات موجودة داخل كل اليمن بين مجتمعات المدن والقرى والجبال والسهول والصحاري والوديان والسواحل وبين المحافظات نفسها التي كانت قبل الوحدة في إطار الجنوب أو الشمال. وربما كان من التمايزات ذات الدلالة أن الواقع اليمني شهد قبل الوحدة قيام مجتمعين مختلفين سياسياً وفكرياً بحكم اختلاف نوعية النظام السياسي القائم في كل منهما هو في مدى قوة هيمنة الدولة على مقدرات الأمور فقد كان النظام السياسي الحاكم في "الشمال" نظاماً رخواً غير عقائدي تنازعه الولايات القبلية والحزبية المتناحرة وورث مجتمعاً ما تزال تتحكم فيه الأشكال الاجتماعية التاريخية كالقبيلة والعشيرة والعائلة مما جعله أكثر استقلالاً عن الدولة ومن ثم أكثر قوة في مواجهتها وعلى العكس من ذلك كان النظام السياسي الحاكم في "الجنوب" نظاماً جديداً عقائدياً ورث مجتمعاً تعود الالتزام الحرفي بالقوانين والانقياد الكامل للدولة وارتبط بها خاصة في زمن العهد الاشتراكي في كل تفاصيل حياته وجعله ذلك أقل استقلالية عن الدولة وأكثر ضعفاً في مواجهتها. وقد أدت هاتان الطبيعيتان المتناقضتان إلى وجود تمايزات في بعض الجوانب النفسية والإدارية ومدى احترام القانون وممثليه وظهرت أثار بعضها وهذا هو المهم في اختلاف ردة الفعل لدى المجتمعات المحلية تجاه آثار التوحيد السياسي والاقتصادي وخاصة الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي واجهتها الدولة اليمنية الموحدة بعد شهرين من قيامها جراء أزمة احتلال العرق للكويت وآثارها السيئة التي أدت إلى عودة أكثر من مليون مغترب يمني من دول الخليج العربي وانقطاع مساعدات الدولة البترولية فقد وجد سكان المحافظات الجنوبية أنفسهم في مواجهة أزمة معيشية حادة وإدارة مرتبكة لشؤون الدولة الجديدة ونظام سياسي جديد يتبنى نهج الاقتصاد الحر وآليات السوق في تسيير أمور الاقتصاد وقد ترتب على ذلك أنهم ألقوا باللائمة والمسؤولية عن المصاعب التي يعانون منها على "دولة الوحدة" وعندما بدأت الخلافات السياسية تبرز بين الحكام حدث استغلال سياسي لمعاناة المواطنين بإلقاء مسؤولية ما حدث على الشماليين وقد تفاقمت المشكلة بعد حرب صيف 1994م بعد أن فشلت السلطة في أن تؤسس لحياة سياسية واقتصادية توفر الحد الأدنى من الشعور بالأمان والاستقرار والعدالة بين جميع سكان البلاد وليس سكان المحافظات الجنوبية فقط. الباحث ختم هذا الباب بالقول ليس صواباً المبالغة في الحديث عن التمايزات الاجتماعية والنفسية بين "الجنوب والشمال" فالتمايزات كانت وما تزال موجودة بين المجتمعات المحلية داخل "الجنوب" نفسه وهناك فوارق بينها لا يمكن إنكارها بقدر ما هناك تشابه بين بعض المجتمعات المحلية في الجنوب والشمال على حد سواء. فمثلاً تظل محافظة "شبوة" أقرب وأكثر تماهياً مع محافظة "مأرب" من محافظة "عدن" ومناطق مثل "يافع والضالع" أقرب وأكثر تماهياً مع مناطق مثل "البيضاء ورداع وقعطبة من حضرموت والمهرة " وكل المناطق الواقعة على جانبي الحدود الشطرية السابقة تمثل بيئة واحدة ومجتمعاً متشابهاً تربط بين سكانها روابط القرابة والعائلة الواحدة بل كان بعض المواطنين يمتلكون أراضي زراعية في الجهة الأخرى لمناطقهم وكانوا يتنقلون بحرية عبر الحدود الشطرية لقضاء مصالحهم وأداء أعمالهم. ومن مظاهر المبالغة في الخطاب السياسي والإعلامي للحراك الحديث عن إقصاء الجنوبيين وحرمانهم من الوظائف. . فلم يثبت أن هناك خطة متعمدة لذلك. . ولا يعقل أنه قد تم حرمان "الجنوبيين" من الوظائف العادية في الجهاز الإداري للدولة فهذا من الشطط في القول ولو حدث هذا الحرمان المتعمد فإن ردود الفعل الغاضبة ستكون أكبر بكثير مما حدث وشملت كل المواطنين في "الجنوب" مع أن المؤكد أن "الحراك الجنوبي" يلقى دعمه الرئيسي في مناطق معينة فقط ومن فئات معينة من المواطنين.