أطلق التحالف العربي على حملته العسكرية في اليمن اسم "عاصفة الحزم" إشارةً منه إلى سرعة العملية في تحقيق أهدافها، الا أن الاسم بات مرادفاً للغطرسة والفشل. مضت ست سنوات منذ تدخل التحالف في اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية، مطلقين شعاراتهم التي قالت بأن الأمر سيستغرق بضعة أسابيع فقط لإجبار جماعة الحوثيين المسلحة على التراجع واعادة الحكومة المعترف بها دوليًا إلى السلطة.
يبدو أن خطة التحالف العربي قد انحرفت عن مسارها واستعرت الحرب في اليمن، لا سيما بعد أن زادت قوة الحوثيين وباتت معسكرات الحكومة الشرعية تنازع في الوقت الذي تحارب فيه لمنع الحوثيين من اجتياح محافظة مأرب الاستراتيجية والغنية بالنفط.
العاصفة الميتة
منذ ال من 25 مارس/آذار 2015، أعلنت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة انطلاق تحالفًا عربياً للتدخل عسكرياً في حرب اليمن. وذلك بعد إطاحة جماعة الحوثيين المسلحة، وحلفائها بالحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا في العاصمة صنعاء وتقدمها جنوبًا نحو محافظة عدن وتفرعها في محافظات عدة.
كان الهدف من العملية العسكرية التي أطلق عليها التحالف اسم "عاصفة الحزم" هو ردع الحوثيين بسرعة وإعادة الحكومة اليمنية إلى السلطة. وبعد ست سنوات من انطلاقها، تبدو أهداف التحالف بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى.
كانت الحرب خلال السنوات الخمس الماضية حقيقة ثابتة، ولكن الفاعلين المعنيين والديناميكيات المؤثرة تغيروا باستمرار إما نتيجة عملية ثابتة تدريجيًا أو بعد انعطافات دراماتيكية –وعنيفة في كثير من الأحيان– غيّرت قواعد اللعبة فجأة.
لم يدم عمر الحزم طويلًا، فلم تلبث حتى ماتت أو لعل التحالف العربي قد أنهى عمرها ليبدأ البحث عن مبرر جديد يستنفذ به عمر اليمنيين ويدخلهم بذلك نفق آخر من الصراع.
أمل غائب
من الحزم الى الأمل، تعطيل هذه والبدء بأخرى، وهكذا استمر التحالف العربي بإدارة المعركة اليمنية حسب ما تحتاجه المصلحة السعودية والإماراتية، فبعد إعلانهم لعاصفة الحزب، ذهبت دول التحالف بقيادة الرياض الى إعلان عملية إعادة الأمل التي لم تلبث حتى ماتت هي الأخرى، تاركةً خلفها سلسلة من الفشل والتمييع للقضية.
وفي السياق، جاء أعلن التحالف العربي لعملية ما أسماها بإعادة الأمل، بهدف سرعة استئناف العملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن رقم 2216، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وهو الذي لم يحدث منذ بداية الحرب في اليمن.
إعادة الأمل جاءت بحسب بيان للتحالف العربي آن ذاك لاستمرار حماية المدنيين، واستمرار مكافحة الإرهاب، مع تيسير إجلاء الرعايا الأجانب وتكثيف المساعدة الإغاثية والطبية للشعب اليمني في المناطق المتضررة وإفساح المجال للجهود الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية.
وعلى الرغم من أن معسكرات الحوثي ازدهرت أكثر من أي وقت مضى، الا أن عملية إعادة الأمل كانت بحسب التحالف العربي، بهد التصدي للتحركات والعمليات العسكرية للميليشيات الحوثية ومن تحالف معها، وعدم تمكينها من استخدام الأسلحة المنهوبة من المعسكرات أو المهربة من الخارج.
وتضمنت هدف إيجاد تعاون دولي، من خلال البناء على الجهود المستمرة للحلفاء، لمنع وصول الأسلحة جواً وبحراً إلى الميليشيات الحوثية من خلال المراقبة والتفتيش الدقيقين.
يبدو أن التحالف العربي يستخدم في الحرب اليمنية سياسة النفس الطويل لتمرير أجندته، وذلك من خلال إطالة أمد الحرب والعودة بين الحين والآخر لإطلاق عمليات عسكرية وهمية، تبرر وجوده وتفرح الناس بوهم التحرير.
السهم معطل
بعد الحزم والأمل، جاء الدور لتجشم السهم وربط النبال المبهرجة، وهكذا تواصلت إعلانات التحالف لمسمياته الدرامية والأشبه بلعب الأطفال، وبعد أن رتبت الإمارات للسيطرة على محافظة عدن والشريط الساحلي ومناطق جنوبية كانت قد أعدت وجهزت لها معسكرات مملشنة موالية لسياستها وتنفذ أجندتها.
جاء الوقت لإطلاق عملية السهم الذهبي، وفعلا نجحت معركة التحالف هذه المرة بتحرير محافظة عدن، الا أنها استبدلت الانقلاب الحوثي بمعسكرات جاهزة لتنفيذ انقلابها الخاص في وقت لاحق.
وبشكل متسارع، كانت عملية "السهم الذهبي" تحقق أهدافها الخارجية وتبني الأرضية التي ستحقق للنفوذ والأجندة الإماراتية، وهو ما أكدته الأيام التي فضحت عرقلة التحالف العربي لمعارك التحرير وإطلاقه لعمليات لا تكاد تبدأ حتى تموت، غير انها بدأت لتحقيق هدف إماراتي وانتهت بتمرير أجندة سعودية.
القوس الذهبي
وفي سياق تتابع الأحداث، بدأت منتصف ليل الخميس، عملية عسكرية واسعة أطلق عليها اسم "القوس الذهبي" ينفذها طارق صالح، قائد قوات ما يسمى "المقاومة الوطنية حراس الجمهورية"، والوية العمالقة الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، لإسقاط المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي شرقي مديرية حيس.
كشفت هذا، وسائل إعلام طارق، متحدثة عمَّا سمته "عملية القوس الذهبي"، وأنها جاءت بالتنسيق المباشر مع قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية، وتدشن أهداف" إعادة تموضع القوات المشتركة" في الساحل الغربي، عقب انسحابها المفاجئ من مديريات التحيتا والجاح والدريهمي وجبهات مدينة الحديدة.
ونقلت وكالة المخا الإخبارية التابعة لطارق، عن مصدر عسكري في قواته، قوله: إن العملية العسكرية التي أُطلق عليها اسم "القوس الذهبي"، بدأت تنفيذها قوات المقاومة الوطنية وقوات العمالقة الجنوبية، وتأتي تنفيذا لأهداف إعادة التموضع الذي تم مؤخرا بالانسحاب من الساحل الغربي.
مُدعيا أن "انسحاب القوات المشتركة من بعض جبهات الحديدة لم يكن تخاذلا او تفريطا، بل انسحابا تكتيكيا استطاع أن يجعل مليشيا الحوثي تأكل الطعم باعتقادها أن القوات انسحبت خوفا من مواجهتها، غير مدركة الخارطة الجديدة للمعركة والتي بدأ العمل على تنفيذها ليل اليوم الاربعاء".
لا نهاية تلوح في الأفق، ويبدو أن مخاض الست سنوات من الحرب لن تستدرج سوى سنوات أخرى، ولكن هذا ليس نهجاً مثمراً، فالأفضل هنا هو التعمق والتمعن في أحلك هذه التطورات وأكثرها سوادا، وكيف يتحكم التحالف العربي بمستقبل اليمني بإمساكه بواقعه العسكري والميداني.