ينعقد الأسبوع المقبل وتحديدا في 29 ابريل في العاصمة البريطانية لندن مؤتمرا للدول المانحة لإنقاذ وضع اليمن اقتصادياً.. ومن المتوقع أن يناقش المؤتمر مصادر التمويل وكيفية تنفيذ إصلاحات سياسية ومشاريع تنموية متوازية. ويرى مراقبون أن مؤتمر لندن قد يحبط نظام الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي إذا ما اشترط المانحين وفي مقدمتهم الخليجيين حل التجمع اليمني للإصلاح (الواجهة السياسية للإخوان المسلمين في اليمن) مقابل الاستمرار في الإيفاء بالتزاماتها.. وتساءل المراقبون: ماذا سيعمل الساسة في اليمن إذا ما تم طرح هذا بشكل مباشر او غير مباشر خلال مؤتمر لندن، خاصة مع قرار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بفتح تحقيق حول نشاط الإخوان في بريطاني. مشيرين إلى أن تصريحات كاميرون دليل على ان ما جرى في مصر لتنظيم الإخوان ليس شأناً مصرياً بحتاً، بل إن هناك ما يشبه الإجماع إقليميا وعربيا ودوليا في وقف جماح الاخوان في البلاد العربية للوصول إلى السلطة بعد فشلهم في مصر، وتواريهم عن الحكومة في تونس.. ويتوقع اقتصاديون أنه إذا ما تم وضع الإخوان في الإصلاح في كفة ومساعدات المانحين للتنمية في اليمن في كفة أخرى .. فإن الإصلاح ككيان سياسي سيقبل أن يحل نفسه ويكوّن حزباً سياسياً بعيداً عن المتاجرة بالدين مقابل ضخ المانحين لأموال التنمية.. وقال الاقتصاديون أن الإصلاح إذا رفض شروط المانحين فإنه سيعيد نفس سيناريو الرئيس السابق صالح في عام 1990 عندما وقف مع الرئيس السابق صدام حسين وأيده في اجتياح الكويت وهو الأمر الذي دفع ثمنه المغتربين اليمنيين في دول الخليج وتسبب بأزمة اقتصادية حادة في اليمن بسبب عودة قرابة المليون مغترب. واعتبر المراقبون أن "شهوة الإخوان المسلمين للسلطة جعلتهم مصنفين بتنظيم غير مرغوب فيه لا محلياً ولا إقليمياً ولا دولياً، مثله مثل تنظيم (القاعدة).. فالأول يجري تصفيته سياسياً والآخر يجري تدميره عسكرياً". الحكومة تخفق في استيعاب قروض المانحين السابقة وفي أواخر يناير الماضي أبدى صناع السياسة الدولية اهتماماً متزايداً بتطوير اقتصاد اليمن، وسعى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبريطانيا وأميركا وألمانيا وهولندا إلى تصحيح العيوب الهيكلية في الاقتصاد من خلال دعم إصلاح الخدمات المدنية والحد من الإنفاق العسكري وخفض دعم الوقود وفرض ضريبة مبيعات وضريبة دخل. رغم ذلك لم يكن للمانحين سوى تأثير محدود في تحسين إدارة الحكم ومستوى المعيشة. في الوقت نفسه ساعد على تجنب الانهيار المالي المساعدات الخليجية المباشرة وخصوصاً المقدمة من السعودية وبما في ذلك المنح والقروض للبنك المركزي والمدفوعات المباشرة للرئاسة. وفي دراسة تناولت حالة إطار المساءلة المتبادلة لمجموعة أصدقاء اليمن في عام 2012م تبين استمرار الاتجاه الأوسع نطاقاً والأطول أجلاً لأصحاب المصالح من النخب لاستغلال احتياجات التنمية الوطنية في البلاد. وقد استمر أعضاء الحكومة الانتقالية على هذا الاتجاه منذ وصولهم إلى السلطة. حيث كان اليمن من أوائل الدول العربية التي حصلت على مساعدات من صندوق النقد الدولي بقيمة 94 مليون دولار عام 2012 من خلال التسهيل الائتماني السريع. وفي سبتمبر 2012 تعهد المانحون من الجهات الغربية والخليجية في مجموعة أصدقاء اليمن بتقديم مساعدات بقيمة7.9 مليار دولار، ثم ارتفع إلى 8.1 مليار دولار أثناء انعقاد الاجتماع التالي في مارس 2013م. وتركزت تعهدات الحكومات الغربية بصفة عامة على المساعدات الإنسانية والأمنية، ومن بين هذه الأموال جاء مليار دولار منها على هيئة قروض ميسرة مقدمة إلى البنك المركزي اليمني للمساعدة في استقرار الريال. ووعدت حكومة الوفاق الدول المانحة الالتزام بموازنة متفق عليها وخطة استثمار تهدف لتوليد فرص عمل للشباب وتحسين الحوكمة وسيادة القانون مع تشجيع الاستثمارات الخاصة وتلبية الاحتياجات الإنسانية وتوفير الخدمات الأساسية والعمل مع منظمات المجتمع المدني لضمان الشفافية ورغم أن الاتفاق يشكل ظاهرياً وثيقة يقودها، إلا أن المسؤولين اليمنيين يشكون من أن هذا الإطار بمثابة قائمة أمنيات مطولة وغير عملية من طلبات المانحين التي يصعب تنفيذها أثناء المرحلة الانتقالية. حيث كانت تلك نتائج مباحثات الوفد اليمني لمسئولي الصندوق الدولي برئاسة وزير التخطيط الذي عجز عن تقديم ما تم الاتفاق عليه في 2012 واكتفى بالشكوى من ضرب خطوط الكهرباء في اليمن وانابيب النفط. فيما قدم وزير المالية صخر الوجيه – المشارك ضمن وفد اليمن –عرضا للموقف المالي للموازنة العامة للدولة وتداعيات العمليات والاعتداءات التخريبية المتكررة على البنية التحتية لقطاعي النفط والغاز السلبية على الايرادات العامة للموازنة. وطالب المانحون اليمن تفعيل دور المساءلة المتبادلة وضمان الإنفاق الفعال للأموال المتعهدة وسد منافذ الفساد وتقليل حالة الركود. إلا أن حكومة الوفاق وبدلاً من الالتزام بتوصيات الدول المانحة حتى تستطيع استيعاب الأموال واستثمارها اتجهت نحو العبث بالمال العام وإهداره في السفريات التي صرفت خلالها مبالغ كبيرة جداً. وفي تحقيق صحافي استقصائي تصدر وزير التخطيط والتعاون الدولي في اليمن د. محمد السعدي قائمة أكثر الوزراء سفريات خارجية العام الماضي بحصيلة (17) سفرية، استغرقت غياب وزير التخطيط عن اليمن قرابة (103) أيام (معدل 6 أيام للسفرية الواحدة) وأنفق عليها قرابة 186 مليون ريال يمني. وجاء وزير التربية والتعليم د. عبدالرزاق الاشول في المركز الثاني في قائمة سباق سفريات الوزراء برصيد 9 سفريات، وغياب استغرق(54) يوم ، انفق خلالها 99 مليون ريال يمني، ليتقاسم المركز الثالث كلاً من وزير الصحة العامة والسكان د. احمد العنسي ووزير الشئون الاجتماعية والعمل د. أمة الرزاق حمد برصيد 8 سفريات لكل منهما. ورغم تعهدات حكومة الوفاق الوطني - التي لا يزال يترأسها محمد سالم باسندوة المحسوب على أحزاب اللقاء المشترك والمقرب من صاحب أكبر رأس مال اقتصادي في اليمن حميد الأحمر - بترشيد الانفاق كشف التحقيق الصحفي الاستقصائي تنفيذ الوزراء لعدد (150) سفرية رسمية خارجية عام 2012م بزيادة قدرها (96) سفرية عن العام 2011م كما أرتفع حجم الإنفاق على السفريات الخارجية للوزراء عام 2012م إلى مليار و 624 مليون ريال يمني بزيادة قدرها 300 مليون ريال عن العام 2011م. ضغوطات الحكومة المقبلة لا يبدو أن شيئاً سيتغير في التغييرات المرتقبة في الحكومة والتي وعد بها رئيس الجمهورية في حفل اختتام فعاليات مؤتمر الحوار بحضور أعضاء وموفدين من بعض الدول المانحة الإقليمية. حيث يتوقع مراقبون اقتصاديون أنه سواءً تمت تغييرات في الحكومة أو لم تتم فإنها بكل الأحوال ستواجه ضغوطات ملحة ومتصاعدة تستحثها على الإسراع بإجراء إصلاحات اقتصادية مع تزايد مخاطر الانهيار الاقتصادي التام، ولن يكون لديها إلا القليل من الوقت للتعامل مع المستنقع الاقتصادي الذي ستقابله إلا إن استطاعت الاعتماد على حزم الإنقاذ المالية من المانحين. وبحسب تصريحات لمسؤولين في البنك الدولي فإن ثمة حالة من التوتر تسود أوساط مجتمع المانحين سببها الاعتقاد بأن التمويل المقدم من الخليج - الذي لا يفرض في العادة شروطاً اقتصادية - يجعل الحكومة اليمنية لا ترى ضرورة لإجراء إصلاحات مالية واقتصادية هيكلية، وثمة اعتقاد متغلغل في أوساط النخبة اليمنية بأن دول الخليج ستواصل دعمها لليمن وضخ الأموال في برامج الاستثمارات الرأسمالية، ولأنه لم يتخلص بعد من نظام الرعاية المؤذي المتبقي من حقبة علي صالح – حسب تعبيرهم – فإن توقع قيام دول الخليج بأن تهب لإنقاذ اليمن بحزم الإنقاذ يقلل من الدافع لإجراء الإصلاحات الحساسة سياسياً بالنسبة لدول الخليج ولمراكز النفوذ في اليمن. اليمن يعيش اليوم أزمة اقتصادية حذرت منها ألمانيا أواخر 2013 وحذر مسؤولون في ألمانيا الاتحادية وبريطانيا – العضوتان في مجموعة أصدقاء اليمن – من أن المبادرة الخليجية إذا استطاعت التمديد للفترة الانتقالية – بحسب مخرجات مؤتمر الحوار الوطني – فإنها لن تستطيع إتاحة وقت اقتصادي للمحافظة على الاستقرار الاقتصادي لليمن، ورغم الالتزامات الخطابية للجهات المانحة والمؤسسات المالية الدولية فإن الحكومة - وكما يبدو- ستواصل تأجيل الإصلاحات الاقتصادية المضنية لتستمر تحدياتها الاقتصادية الكامنة، وإلى حد ما يرجى أن يعتبر اليمن بلداً "أكبر من السماح بانهياره" وبالتالي أن يستمر إنقاذه بمساعداتالدول الغربية والسعودية. ومن المرجح أن يزداد الاعتماد على المساعدات الخليجية مقارنة بالمساعدات الغربية مع تقلص ميزانيات التنمية الغربية حيث تتوقع منظمة التعاون والتنمية أن نحو نصف الدول التي تصنفها كدول "هشة" ستتلقى في عام 2015م مساعدات مبرمجة تقل عن مستوى عام 2012م بسبب تقلص ميزانيات التنمية الخارجية من الدول الغربية. ما ينتظره المانحون من اليمن يرى مراقبون وجود احتمالات ضئيلة بتحقق إصلاحات هيكلية مأمولة في المدى القريب والمتوسط من قبل الحكومة اليمنية، إلا أنهم في الوقت ذاته شددوا على أن المجتمع الدولي ينبغي أن يستعد لكل الاحتمالات من خلال التخطيط لسيناريوهات يشتد فيها الفقر والجوع في اليمن اشتداداً كبيراً، وينبغي للحكومات الغربية والدول المانحة الخليجية ووكالات المعونة الدولية وضع خطط طوارئ ضمن استراتيجياتها الطويلة الأجلال المتعلقة باليمن وينبغي أن يبقى الأمن الغذائي أولوية سياسية عليا. مشيرين إلى أن على المجتمع الدولي والمانحين الغربيين الوضع في الاعتبار بقاء الشبكات غير الرسمية والمصالح الأسرية والتجارية في اليمن التي تربط بين أهم الشخصيات وذلك من أجل تقييم احتمالات نجاح إصلاحات الدستور والمؤسسات الرسمية من عدمه، معتبرين أن التغييرات المرتقبة في تشكيلة الحكومة لن يكون لها أي تأثير على المدى القريب نظراً لأن ذلك جاء بتوافق بين القوى اللاعبة الرئيسية في اليمن وهو ما سيؤول بتلك التغييرات أن تحيد عن معايير الكفاءة والنزاهة. وبالمقابل يحتاج المانحون الغربيون إلى تخطيط استراتيجي أكثر فاعلية ومصداقية وبما يوازن الاختلافات بين أولويات الأمن ومكافحة الإرهاب القصيرة الأجل وبين أهداف التنمية الاقتصادية والسياسية الطويلة.. وهو ما فشلت حكومة الوفاق في تحقيقه حتى اليوم لأسباب يرى المراقبون أنها تدخلات نافذين في حزب الإصلاح في سياسة الحكومة وأداءها تدفع بالسيطرة على أكبر قدر ممكن من المؤسسات الرسمية ومواطن القرار، عوضاً عن افتعالها لأزمات اقتصادية وخدماتية أساسية واستخدامها كأوراق ضغط سياسية تهادن بها الرئيس هادي الذي برز للسطح خلافه مع الإصلاح في الفترة الأخيرة. من المساء برس