يؤكد علماء «الأنثربولوجيا» أن مؤسسة الجامعة في كل أنحاء العالم تواجه اليوم عددا من المشكلات التي قد تمتد بتأثيراتها السلبية إلى المستقبل وتثير عددا من التساؤلات حول الدور المستقبلي للجامعة ومدى قدرتها على الاستمرار في أداء وظيفتها كمصدر أساسي ومتميز لصنع المعرفة وإنتاجها والمحافظة عليها.أمين أبو شاديهذا ما يشغل العالم اليوم ومؤسساته التعليمية خصوصا في أمريكا وأوروبا التي تعتبر المسألة مصيرية ولا بد من الإجابة عليها: من أنا؟ ومن أكون؟ وأين سأصبح في مستقبل يقلق ويشغل الأذهان؟إنها دول ومجتمعات مرتبطة ارتباطا وثيقا ب»مؤسسة الجامعة» من خلال الاستثمار ودعم المهارات والبحث العلمي والإبداع وكلها تتوقف على سياسة التعليم الجامعي. وهنا في دولة اسمها اليمن وفي مؤسسة اسمها الجامعة انقلبت المعادلة والموازين. وما زالت بحاجة إلى تفهم أو معرفة: من أنت؟ ما اسمك؟العسكري على البوابة.. من تكون؟ محسوب على الحزب الحاكم أو ضده؟ إلى أي حزب أو تنظيم سياسي تنتمي؟ولأنك مثلي، طالب متخرج من عام كامل قضى أربع سنوات في الدارسة والكد والتحصيل ومواجهة الظروف انشغل كثيرا بالتحصيل ولم يعط اهتماما لغير هذا.. ولأنك مثلي ما زلت منتظرا حتى هذه اللحظة من أجل سحب وثائقك الجامعية (الشهادة والسجل الأكاديمي).. لأنك هنا في اليمن لا بد أن تبدأ، أن تقرأ الفاتحة، أن تبحث عن عمل، عن وظيفة فلا أحد ربما يضمن لك هذا لا الحكومة ولا القطاع الخاص، عليك أن تسعى وألا يستنزفك الوقت.أخيرا ستدرك كم أنت غير ذي قيمة لأنك دائما ما كنت معجب بمقالات عالم المستقبليات «الأنثربولوجيا» أحمد أبو زيد وهو بعقلية تجاوز الثمانين عاما (أي أنها أصبحت مخرفة) يتحدث عن الجامعة ودور الجامعة وماذا يجب أن تكون عليه الجامعة اليوم؟ عن توجهات التعليم، عن جامعات وكليات المستقبل التي لا تكون بالضرورة بنايات خرسانية محاطة بأربعة جدران تقبع داخلها ثكنة عسكرية وعلى بابها عسكري يسألك بعيون حمراء ووجه قد غير لونه السهر وعلى الريق «عزي.. البطاقة»!! بل ستكون أكثر بكثير من ذلك، ستكون جامعات إلكترونية مفتوحة، ستكون بالضرورة مؤسسات للإبداع والابتكار والتجديد.شروط حزبيةجامعة الحديدة -كغيرها من الجامعات اليمنية الحكومية- تطورت طرق وشروط أن تكون معيدا فيها وأن تسافر لدراسة الماجستير وحتى الدكتوراه بشكل رهيب في الفترة الأخيرة، واستمر تطور هذه الطرق والشروط، والمعيدون هم من يكلفون بتوزيع استمارات الولاء والبراء في الأقسام لأنهم أكثر تأثيرا وروحا شبابية.أذكر وأنا لا زلت طالبا في المستوى الثالث بقسم اللغة الإنجليزية أن أحد المعيدين قال لي: يا أخي مجبورين والله من العميد، طيب أيش أسوي بدي أسافر للماجستير.بعد أربعة أسابيع قضيتها في إجراءات سحب وثائقي هنا في جامعة الحديدة كلية الآداب كان علي أن أنتقل بالمعاملة إلى الأخت موظفة الكمبيوتر المعينة بطباعة الشهادة والسجل الأكاديمي، وظيفتها أو طبيعة عملها مهمة جدا إلى الدرجة التي لا يمكن لأي موظف آخر استخدام أو فتح شفرة هذا الجهاز.أكثر من أسبوعين وأنا أبحث عنها في الكلية لكنني تفاجأت أن الأخت (...) لديها مشكلة وقضية مشارعة في رئاسة الجامعة حسب المصادر. كان علي أن أستمر في الحضور وربما البحث عن رقم هاتف الموظفة، بعدها جاءت وكانت تبدو مضطربة وقلقة ولم أشأ أن أزعجها بأسئلتي بعد أن تأكدت من مصادر موثوقة في الكلية أنها موظفة الكمبيوتر وهي تحمل بكالوريوس التاريخ وتعمل في الخدمة منذ ست سنوات بدون أي مقابل وأن هذا العام ومثله في الأعوام السابقة لم يحالفها الحظ في أن يكون اسمها ضمن الموظفين الجدد حيث كانت وظيفتها من نصيب موظفة أخرى في شئون الطلاب ما زالت حديثة جدا وتحمل مؤهل ثانوية عامة عندما أعطتني الوثائق التي يجب علي توقيعها في كل مرافق الجامعة. كانت عيناها ممتلئة بالدموع، سمعتها تتكلم مع موظفة الإرشيف أنها تفتقد إلى «الظهر» حيث كانت قد قدمت استقالتها لولا تعيين عميد جديد للكلية.ولأنني أنا وبعض زملائي قد قضينا وقتا طويلا أمام بوابة الكلية وداخل أسوارها ومكاتب إدارتها لكننا أخيرا وصلنا إلى درجة نفاد الصبر، دخلنا بالقوة على سعادة العميد، كان مشغولا كما يزعم (لا أدري!!)، جلسنا، كنت فضوليا في أن أتكلم إلى العميد بالنيابة، كان العسكري والسكرتير قد تبعونا إلى مكتب العميد. طلب مني العميد بنبرة عسكرية صارمة أن أقف لأتحدث معه. قلت له لست عسكريا ولسنا هنا في الجيش، نحن في صرح علمي يشغله المثقفون أمثالك، عبرت بعدها عن انحطاط المسئولية وتهميش الطلاب هنا في الكلية، بعدها أمر العميد العسكري بجري إلى الخارج، لم أسمح للعسكري بالاقتراب وخرجت.بالنسبة لكم يبدو أن المعركة انتهت، لكنها في نظري ما زالت في البداية، إنها معركة ساخنة تتطلب منك مطالب وشروطا ضرورية للنجاح.معركة سحب الوثائق الجامعية وطبيعة الشروط والمطالبهنا في جامعة الحديدة ورغم وفاء باصرة لما وعد به وتغيير طاقم رئاسة الجامعة وعمادة بعض الكليات إلا أن تاريخك الجامعي أحد مستويات فن معركة سحب الوثائق الجامعية حيث أن من يضمن حصولك على كافة التسهيلات وإنجاز المعاملات وعلى مختلف المستويات والأقسام: شئون الطلاب، القسم المتخرج منه، إدارة السجلات والوثائق والمكاتب.. وأخيرا توقيع وختم سعادة عميد الكلية، ولا تقف المعركة عند هذا حيث ما زالت بحاجة إلى مراجعة ملفات تاريخك الجامعي والنضالي هنالك في رئاسة الجامعة ومكتب نائب رئيس الجامعة للشئون الأكاديمية.إذا، عليك أن تقضي في الكلية، في الجامعة، في المدينة، عاما كاملا من أجل أن تحصل أخيرا على وثائقك الجامعية. سيحلو لك الجو هنا في جامعة الحديدة، في هذه المدينة الساحلية، ستصحبك نوبات القلق وحرارة الجو وبساطة الوجوه والمدينة، أما هنا على بوابة الجامعة والكلية فلا شيء يجعلك أكثر سخطا من تواجد الجيش أو الأمن؟ وعليك فقط أن تظل -كلما وقعت عين أحدهم عليك- تجيب على أسئلتهم: أين البطاقة؟ أنت طالب؟في مكتب عميد كلية الآداب بالجامعة عليك أن تقضي شهورا بصحبة العسكري على الباب والسكرتير على الطاولة والذي يبرمج نفسه تماما حسب رغبة ونفسية ومزاج العميد وما يريده أصلا (قد تجده موظفا بشهادة سادس ابتدائي لا قدر الله) الجميع هنا في السكرتارية يحفظون شيئا واحدا: العميد مشغول، العميد لديه اجتماع، العميد منع أي واحد يدخل عليه..إلى آخر هذه المصطلحات التي نحفظها جميعا من كثرة سماعها.ولأنك طالب جامعي، أعني «خريج» تحلم بمستقبل أفضل وابتسامة وحيدة وأخيرة ربما يهديها لك العميد، ولأنك أيضا ما زلت تؤمن بضرورة القيم والمبادئ التي تعلمتها في الآداب، ستشعر بضرورة أن تقبل ما يقوله العسكري الواقف على باب العميد والسكرتير على الطاولة، لكنك أخيرا ستستغرب من دخول البعض بدون المرور على السكرتير أو السكرتيرة أو حتى دق الباب أو الابتسام للأخوة «حماة الوطن»!!