ساهم اليسار التعزي بفاعلية في إشعال ثورة الشباب السلمية, ثم توارى فجأة عن الأنظار ..! في ليلة الحادي عشر من فبراير للعام المنصرم غادر اليمنيون مرابض صمتهم المزمن, كانت ليلة استثنائية فارقة حفلت بكل ما يبعث على السعد والأمل.. وغاب عنها الإمتداد المعهود لضلالات البؤس, الذي أكسبنا لعقود غابرة مثقلة بعفونة الصراع السياسي ملامح الهزيمة, وتجاعيد الإحباط العنيف من زمن يتقادم بتراكمات سيئاته, وأثقال أسقامه, دون أدنى مراعاة لأشواقنا وأحلامنا التي ضل يسحقها ..وصولا لهذه الليلة التي انفجرت فيها هذه الأشواق والأحلام لتأخذ ملامح "ثورة " عارمة استنفدت كل مبررات كمونها. ساهم الكل في الدفع بعجلة النضال وصولا لمرحلة الإنفجار العظيم .. ربما أن التوقيت والمكان مثل صدمة للبعض, لكن الجميع كان قد استعد وحشد أدواته المناسبة للتعاطي مع واقع مابعد " الإنفجار " ولم يكن أحد يحمل مثقال ذرة من شك في أن ساعته قد حانت, وبات قاب أيام, أو ربما ساعات معدودة من الوصول. في ليلة الانفجار المذهل حضرت القوى السياسية المعارضة جميعها كقواعد شعبية ( أنصار وموالون ) ..وحضر اليسار كنحبة (مثقفين وأدباء وناشطين ), وكانت هذه ميزته التي انفرد بها دونا عن سائر القوى والمكونات السياسية الحاضرة ..ولاينكر ذلك الان إلا مريض حقود وجاحد !! لليسار التعزي, مسلسل طويل من الكفاح الذي لا تنتهي حلقاته على شفا حدث عظيم بحجم "الثورة ".. _كما يريد له سراقه أن يكون _ فتاريخه مرصع بنضالات عريقة ممهورة بالعمل الحثيث والمخلص لحساب وطن سلبه اللصوص من أبناءه عنوة ودونما ذنب ,وخاض اليسار ومعه بقية المكونات السياسية الشريفة معركة مضنية لاسترداده , وفي وسط مفخخ بألغام الرعب والخوف والموت ذهب اليسار ورفاقه بشقون طريقهم نحو مايعتقدون بضرورة الوصول إليه .. وإن استدعى الأمر بما يزن هذه الأرض قرابين وتضحيات. هذا اليسار الذي ناضل وكابد وكافح, وضل لسنوات طويلة يسوق لفلسفته الجميلة, ويجالد ثقافة القطيع, ونظام "المشيخية" الرجعي البليد القابض على أنفاس وطننا المنهار, يتعرض اليوم بما يحمل من قيم ومبادئ إنسانية نبيلة لعملية "طمس" ممنهجة من قبل ثلة اختطفت قراراه, واستغلته في الترويج لأفكار وسخة, وقيم دخيلة تستهدف الوطن ونسيجه الإجتماعي في المقام الأول .. وربما الأوسط والأخير .. ! كواحد من المعجبين بفلسفة اليسار ألحظ هذا التلاشي المريع لصوت اليسار المدني الحداثي, في مقابل صعود صادم لصوت مناطقي عدائي, وثقافة عنصرية طائفية فأستشعر بحسرة بالغة جم الكارثة التي حلت باليسار !! اليسار الذي أضحى قراره بين عشية وضحاها رهينة نزعة عنصرية مريضة ل "شلة مشائخ" لا يتقنون شيئا أخر عدا استعداء الآخرين, وخلق حالة من التيئيس المبتذل في أوساط الناس من جدوى التغييرات الحاصلة في التأثير الإيجابي على مصالحهم وأوضاعهم الإقتصادية, والإجتماعية, والتعليمية, والصحية. وذلك بالتأكيد أقبح ما يمكن لإنسان أن يقدم عليه في وسط يحفل بأجواء الأمل والتفاؤل بمستقبل لا يجب إلا أن يكون جميلا.. وبما يتناسب ومقاسات الحلم المرسوم في المخيلة الشعبية لجمهور يمني حالم بدفن الماضي بكل أوجاعه وأحزانه ورموزه, والتطلع لمستقبل كريم يليق بآدمية امتهنتها عقود طويلة من الجور, والضيم, والبؤس, والحرمان ..( ! ) أقول ذلك وقناعتي راسخة بأن مقاصد اليسار من الثورة التي أسهم في إشعالها كبيرة بما يتجاوز أطماع ونوازع البعض.. وكل الذين رهنوا نبل اليسار لمشاريع قذرة, وباعوا يساريتهم بأثمان بخسة في مزاد " حوثي " ما يزال مفتوحا لكل من سأم النضال, ويريد المتاجرة بقضايا وطنه, وأهداف ثورته ! ندرك أن في الوسط اليساري من يستشعر جم العار الذي لحق به من جراء هذا الشذوذ لبعض المحسوبين عليه.. ورهاننا اليوم كبيرا على هؤلاء في إنقاذ اليسار من محنته اللعينة, واستعادة قراره المخطوف, بل وتجاوز ذلك إلى إطلاق صرخة براءة _ تدوي لها أرجاء الوطن _ من كل الذين لطخوا سمعة اليسار في أوحال " الحوثية ".. وألقوا به في غيابة أحضان طائفة سلالية لا تؤمن بقيم المساواة, والعدل, والمدنية, والديمقراطية.. والله المستعان ..!