مثلا.. عندما تعثر عينك لدى بائع الكتب القديمة فوق رصيف الشارع على ديوان شعري لناظم حكمت وأنت المهووس بالأدب التركي، ألا تكون فرحتك به لا تقل عن فرحة طفل عثر على كرة ملقاة قرب البيت بعد أن أسلمته لليأس مواعيد أب فقير؟ مثلا مثلا.. يلمح البائع احتفائك الكبير بالكتاب فيبالغ في الثمن.. لسان حاله "ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر" فتدفع مضطرا، مستجيبا لرغبة عارمة تدعوك لارتشاف قصيدة ولدت في بلاد الأناضول.. تحضن الكتاب وتهم بالمغادرة، فتقف إلى جوارك طفلة صغيرة، تحملق بعينين تفيضان براءة وحزنا، يتوارى وجهها تحت نقاب أسود مهترئ.. تمد نحوك يدا مثقلة بالبؤس وروحا أعياها الحرمان، وبنبرة إستعطاف تقول لك: صدقه؟ تتحسس جيبك وترمق البائع الإنتهازي_الذي أفرغ محتواه_ بنظرة شزراء.. وانت هكذا مثلا.. منتصبا كعامود كهرباء، تقفز جملة من وسط الديوان الذي امتلكته توا "الحزن يليق بنا" يتردد صداها في أرجاء روحك.. الحزن يليق بنا.. الحزن يليق.. الحزن.. ثم يعقبها وميض أمل يبشر بفرح قد يليق بشعب يطحنه الفقر.