جولة جديدة من الحوار مع الحوثي رغم كل ما فعله ويفعله، والأمر حسب فهمي يتلخص في أن لدينا حكومة يراد تشكيلها وهي محل تنازع، ولدينا دستور يكتب، وبعد ثلاثة أشهر ستنتهي المرحلة الانتقالية والوضع يحتاج إلى ترتيب. وهذا يعني أنه من الضروري لجحافل الحوثيين أن يظلوا موجودين في صنعاء حتى لو شاركوا بالحكومة، المهم أن لا يحاصروا المطار، ولا يقتحموا وزارات، ولا يناوشوا المعسكرات.. عليهم أن يظلوا هنا كورقة ضغط في يد البعض، أو بالتعبير الشعبي: عليهم أن يظلوا هنا في صنعاء ك "مشقب حمار".. هل تعرفون مشقب الحمار؟ في حِكَم "الرعية" أن الذي لديه منزل مكون من أكثر من طابق فإنه يخلِي الدور الأرضي للبهائم.. قالوا: كل البهائم تلزم أماكنها في الليل ولا تتحرك إلا الحمار فإنه يغادر مكانه ويتجول في بقية الطابق، بل وربما يصعد للأدوار العليا. من هنا، يقومون بتعريض خشبة بين جداري غرفته تكون بمثابة الباب، ورغم أن هذه الخشبة تسقط بمجرد أن تتعرض لأبسط لمسة إلا أن الحمار يظل يتوقف عندها كلما هم بالخروج من غرفته معتقدا أنها مغروزة وثابتة في الجدار!! انظروا إلى هذه التوصيات التي خرج بها بيان التنظيم الناصري الصادر قبل أيام (9/9)، تقول الأولى: "دعوة القوى المشاركة في مؤتمر الحوار للاجتماع للتشاور لتشكيل الحكومة والتوافق على شخصية رئيس مجلس الوزراء". ثم تقول الثانية: "مطالبة الإخوة أنصار الله بوقف التصعيد وبصورة فورية ورفع مخيمات الاعتصام في أمانة العاصمة ومحيطها بمجرد صدور القرارات بشأن تشكيل الحكومة والتوافق على شخصية رئيس الوزراء". والمعنى: ضرورة بقاء اعتصامات الحوثيين واستمرارها حتى الاتفاق والإعلان عن شخصية رئيس الحكومة. يدرك الحوثي الهدف من بقائه لدى تلك الأطراف، وبالتالي فهو يطالب بثمن مقابل، وكأنه يقول لهم: ليس معقولا أن تذهبوا بالرئاسة والدفاع والأمن القومي والسياسي وغيرها وتصرفوا لي عددا من الحقائب الوزارية التي يمكنكم مصادرتها عما قريب، أما التنظيم الناصري فشأنه في هذا شأن كل القوى الثورية التي هي الطرف المقصود بالضغط الذي يحقق الفائدة لغيره، ولا يبدو بهذه العبارات المذكورة آنفا إلا أنه "يُشَانِي مع المَنَاتيج"، ومعنى هذا المثل الشعبي باختصار أن الغنم المناتيج -أي الماعز التي ولدت- "تشاني" لصغارها وتطلق لهم ذلك الصوت المختلف عن الصوت الاعتيادي، ولأن الأغنام تنتج وتلد في موسم واحد فإن "المناتيج" تمثل أغلبية فإن أغناما أخرى تتأثر بها و"تشاني" معها رغم أنها ليس لها صغار!! تدور الجولة الجديدة من الحوار مع الحوثي، وأظن الهدف هو إقناعه بعدد من الوزارات، وبما يساعد في الخروج من مأزق الحكومة المختلف عليها، مع البقاء في صنعاء والاستمرار في الاعتصام بهدف معلن مفاده مناهضة الجرعة التي لن يقبل –كما يقول- إلا بإلغائها، وهدف مخفي مفاده مساعدة تلك الأطراف الداخلية والخارجية على تمرير ما يريدون مما ورد في السطر الأول من هذا المقال. وشيء من هذا الذي أقوله أكده رئيس الجمهورية بقوله بعد إقرار الجرعة إنه تم التوافق على هذا القرار مع جميع القوى السياسية وتم الاتفاق مع الحوثي على معارضته سلميا، وهذا بالرغم من أن جميع القوى الأخرى كانت ستناهض الجرعة سلميا..!! ومحمد اليدومي يبدو من جانبه غير بعيد من التنظيم الناصري، ففي ظهوره الوحيد خلال هذه الأزمة افتتح كلامه قبل يومين بدعوة جادة للحوار، واختتمه بقوله: من المحرم علينا أن نحرق صنعاء من أجل دبة بترول. ولم يكن بهذه العبارة يقدم اعترافا للحوثي بأنه ينفذ هذه الفعاليات من أجل الجرعة بقدر ما يبدو أنه تعمد ذلك لإعادة الأزمة إلى مربعها الأول ومربعها الوطيء المتمثل في الخلاف على الجرعة، ذلك أن الإصلاح قد تبنى مقترح تخفيض الجرعة إلى ثلاثة آلاف ريال، وراميا من وراء ذلك إلى هدف من جزئين: الأول هو إيجاد مخرج للحوثي، والثاني هو تقديم هذه العبارة كفاتحة ل"حوار جاد"، وإلى ذلك فكأنه يرى فيما تبناه حقناً لدماء اليمنيين، وهو في الحقيقة لن ينفذ إلا الشق الأول المتمثل في توفير مخرج للحوثي الذي كان عالقا في عنق الزجاجة، أو الذي كانت الزجاجة عالقة في عنقه، أما الشق الثاني المتمثل ب"الحوار الجاد" فلن يحقق شيئا إيجابيا من النتائج إلا ما كان منها على حساب اليمن والجمهورية والثورة، وأما الحديث عن حقن الدماء فليس إلا فائض عقلانية لن تحقن الدماء بقدر ما ستعمل على مساعدة الحوثي على ترشيد سفكها، إلا أن يجري الحوار مع الأخذ بالحسبان لتداعياته السلبية المحتملة والمشار إليها سابقا. وأختم بهذه الفقرة التي أستدعيها من مقال نشرته في 22 يوليو الفائت أثناء الحرب في عمران: "وفيما أنظار الشعب اليمني شاخصة هذه الأيام باتجاه شمال الشمال، فإنها ستشخص قريبا لتتابع معارك الجيش ضد مسلحي القاعدة وأنصار الشريعة الذين سيكونون قد انتشروا –مجددا- في المحافظات الجنوبية والشرقية، وإن كان الواضح أن هاتين الحربين ستفصل بينهما بضعة أشهر تشهد صراعا سياسيا مدنيا في الدستور والانتخابات وما إلى ذلك".