تدهشني الديناميكية التي يعمل بها إعلام الحوثيين، وهذا ما يفتقد إليه إعلام المقاومة، أو إعلام الشرعية إن صح التعبير. يستغل الحوثيون جميع الوسائل الإعلامية المتاحة، بما في ذلك الشارع، لنشر شائعاتهم وانتصاراتهم، وإن كانت وهمية، وتجانب الحقيقة. ما يعيب إعلامهم هو أنه يتعامل مع الجمهور كقطعان من الحمير. بمعنى أدق، يمارس الحوثيون "الاستحمار" ضد أتباعهم، والذي تعدى بمراحل الحرب الإعلامية، ليصير كذبا محضا، وبطرق مفضوحة وغير متقنة. ليلة أمس، حصلت- من زملاء- على دستة من الأخبار التابعة لوسائل إعلام المليشيات. حملت الأخبار الكثير من المغالطات، والكذب على الذات، والاستغفال لجمهورهم. وهذا، في الحقيقة، ما يرسل انطباعا عن كون شريحة كبيرة من اليمنيين مجرد قطعان من الهمَج والعبيطين. من ضمن الأخبار التي وصلتني، والمتعلقة باستهداف صاروخ "سكود" لقاعدة "خميس مشيط" العسكرية السعودية. وبحسب الخبر، فإن المئات من الخبراء (السعوديين والأمريكيين والإسرائيليين) سقطوا بين قتيل وجريح، بمن فيهم قائد القاعدة العسكرية عبدالله السدحان (اسم لممثل سعودي). لكن الخبر استطرد في الأخير وجود أكثر من 200 جريح، نقل بعضهم إلى مستشفيات تل أبيب، بمن فيهم قائد القاعدة، الذي أشير إلى مقتله في مستهل الخبر. ثم غاص الخبر في تفاصيل هويات قتلى الخبراء الصهيو أميركيين، وذكر الضابط الإسرائيلي "جيمس بوند" (ممثل أمريكي شهير)، والذي دلل على مقتله، زورا، بخبر تصدر مانشيت صحيفة "يدعوت أحرنوت" الإسرائيلية. وبحسب الخبر كذلك، فإن خبير الأسلحة الكيماوية "د. توم كروز" (ممثل هوليوودي شهير) قد قضى في ذات الهجوم. واستعرض الخبر الخسائر العسكرية للهجوم، حيث أدى إلى تدمير كامل لمقر اجتماعات القاعدة، كما أدى انفجار وتطايُر صواريخ "باسكن روبينس" ( آيسكريم شهير) إلى تدمير 4 طائرات F16 و F18 قيمة الواحدة منها (800 مليون دولار)، كما تم تدمير عدة طائرات إمداد وناقلات جنود، بحسب الخبر. وفي خبر آخر لذات الموقع، تمكن الحوثيون في جبهة المخا وذوباب من قتل عدد 6 كولومبيين، خبيرين انجليزيين، فرنسي، ومُدربهم الأسترالي، وجميعهم يعملون لدى شركة "بلاك ووتر" الأمنية الأمريكية. اشتهرت "بلاك ووتر" بقتالها مع قوات التحالف في العراق عام 2003، واستغل الحوثيون الاسم لترقيع أخبارهم، وإيهام "متابعيهم" أن العالم كله في مواجهتهم، ومع ذلك لم يفلحوا في هزيمتهم. للعلم، بريطانيا من أشد المعارضين لعاصفة الحزم، ثم كيف لضابط كبير في " القوات الملكية" أن يعمل ضمن شركة بلاك ووتر الأمنية. المثير للضحك أنهم قاموا بتلفيق أسماء، وبشكل مفضوح، للكولمبيين المفترضين، وللعقيد الإنجليزي، والذي تم تصحيح رتبته فيما بعد إلى "كولينيل" حسب الخبر. لم يقتصر الأمر على الاعتماد على هذه المواقع لتمرير الشائعات والأكاذيب السمجة، بل تعد الأمر ذلك لتصل "حمى التلفيق" إلى وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" التي يسيطرون عليها منذ مارس الماضي. تلك المواقع تمارس التضليل والاستحمار للداخل، وربما لا تُعار أي اهتمام في الخارج؛ بيد أن وكالة الأنباء الرسمية تعد مصدرا مهما للخارج لاستقاء الأنباء، والتصريحات الرسمية تحديدا. وقد أوردت الوكالة "سبأ" أنباء عن مقتل الخبراء العسكريين الأجانب، وإن كان بأسماء وهمية كما يبدو. لكن السلطات الأسترالية بدأت بالفعل، صباح اليوم، بالتحقيق في مقتل قائد استرالي باسم "ميرسنري" على يد مليشيات الحوثي في تعز جنوبي اليمن، حسب ما ورد اسمه في وكالة سبأ. سيكون الأمر محرجا للمليشيات، في حال أثبتت التحقيقات الأسترالية عدم وجود ضابط أسترالي بهذا الاسم، وستكون الفضيحة "بجلاجل" لأن هؤلاء الأقوام لا يكذبون على هذا النحو، وبصورة رسمية أيضا. إذا كانت هذه التلفيقات تنطلي على قطيع من الملاحيس في الداخل، فإن انتشارها في الخارج قد يبدو مؤذيا، ومخزيا كذلك. أما في حال أكدت التحقيقات صحة ادعاءات الحوثيين، فإننا سنجد أنفسنا مجبرين على تصديق وسائل إعلام الحوثيين، تحديدا تلك التي نقلت مقتل القائد الأسترالي، والخبيرين الأمريكيين "جيمس بوند" و "توم كروز"، خصوصا أن الأخيرين لا يروقان لي بأفلامهما الهوليوودية!