في ذلك اليوم .. الشهداء وحدهم أحياء .. وتعز جسد يفتح كل تفاصيله الجميلة للموت. هكذا هي الصورة تماما بين محرقة تعز وقصة أصحاب الأخدود.. بينما يجلس الملك الأول على كرسي عتيق .. ويجلس الثاني في قصره الموحش أمام شاشة التلفاز سعيد بما يحدث. في سنة ونصف من الحرية والكرامة نفضت تعز عن نفسها غبار عقود ثلاثة وصبت دماء شبابها الطاهر على مداخل ساحة الحرية. (بطقمين عسكريين سأسيطر على تعز) هكذا كان يقول صالح في ديوانه الممتلئ بالقات ولكنه أخطأ في حساباته هذه المرة وأسرف في تحليلاته السياسية الواهية. بعد سنة ونصف تجدد تعز ذكرى يومها الدموي وتستقبل ضيوفها الشرفاء. وصاحب السبعين يحزم حقائبه كل مرة كرجل أصابته العدوى يحذر الأطباء من اقترابه. في جملة عصية على التركيب استمرت ماكينة الاتصال بالماضي وتمكن صالح كمخرج تلفزيوني من استعادة محرقة الأخدود من أرشيف الزمن ليبثها في عصر الحداثة بطريقة نسخ ولصق. عساكر صالح أحرقوا في ساحة الحرية كل شيء.. ونهبوا مستشفى الصفوة وكل المعدات الطبية والأجهزة الفنية التي كانت تبدو في أيديهم غريبة بعض الشيء كرجل من القرون الوسطى لا يعرف القراءة وهو يحمل في يده لابتوب تاتش. تفيدوا كل ما استطاعوا إليه سبيلا ..وانتقم عساكر صالح من أدوات العصر التي أسقطت صالح من عرشه وباعوا الكمبيوترات بخمسة ألف ريال حق التخزينة. وتعز.. ستبقى مدينة حالمة كطائر العنقاء الذي ينبعث من رماده كلما احترق ولن تخضع أبدا لعمال النظافة الذين يكنسون البشر ويلملمون الأشلاء في صورة خيالية تعيدنا إلى وحشية الحرب العالمية الثانية. بدراسة نفسية أولية قد نكتشف فيها الشيء الكثير عن قلوب غذيت بالحقد والكراهية للذات الفردية المطالبة بحياة تصنع أفقها وتصوغ تفاصيلها استنادا إلى نظرة الإنسان الفطرية وحبه الأزلي وعشقه التاريخي للحرية ورفض كل محاولات الإذلال التي شب عنها وكسر أدراجها الخشبية. قيران..والعوبلي ..وجبران الحاشدي..أطفال صغار تربوا في حضن النازية الحاقدة والفاشية المدمرة ولم يستوعبوا جيدا دروس الحرية التي لا تعرف الحدود..لا أعرف وصفا لائقا بهم في هذا المكان ولكننا سنعتبرهم (نعاج) تبحث عن رضا (تيس الضباط ومراقص الثعابين). على مرأى من وسائل الإعلام وفي لحظة ذهول يمنية تم كنس الخيام والبشر- دون التفريق بينهم - بغرض وأد الثورة وخنقها إلا أن الثورة توسعت وتمددت أكثر كحرب شوارع لا يمكن السيطرة عليها أو التنبؤ بمصيرها. لم يتبق من نظام صالح إلا الشيء القليل فأيادي الأخطبوط المترامية الأطراف قد تقطعت وقدرته على السيطرة والتحكم أصابها الشلل وسيخلدهم اليمنيون كعابرين مروا من هنا في زمن الغفلة والانكسار. صالح والشعب كلاهما يقظ ، ولكن صالح عابر وقاتل معا ..والشعب ليس عابرا ولا قاتلا وليس هناك من أخطائنا ما يصيبنا بالصداع. سنكتب في تاريخهم : ربما هو عابر قد ظن أني قاتل أو ربما هو قاتل قد ظن أني عابر.