حينما كان أحدهم يعلل تشاؤمه من قدرة شوقي هائل على تفهم مطالب ثوار تعز, واستيعاب أجندتهم خارج سياق الحالة التوافقية السائدة في البلاد بكون شوقي لم يتذوق "حلاوة الثورة " كان جميع الحاضرين يستخفون بكلامه, وكنت أشاطرهم ردة الفعل القاسية تجاهه! شيء ما غير مفهوم أظهر شوقي لحظة صدور قرار تعينه محافظا لتعز, كما لو أنه محسوبا على الثورة..مع أن موقفه منها كان واضحا وليس فيه أي لبس أو غموض. اليوم يبدو شوقي شخصا مغايرا لذلك الذي هتفت له تعز من أقصاها إلى أقصاها, أتذكر أن ملاحظات "ثورية" كانت على شوقي رماها شباب الثورة بعيدا في غمرة شعور منهم بالوحدة وسط غابة تعوي احتفاء بقرار جمهوري نص على تعيين رجل الأعمال الناجح شوقي أحمد هائل سعيد أنعم محافظا لمدينة تعز! يومها ذهب الكثير من شباب الثور للاحتفاء مع المحتفين, والرقص مع الراقصين, والإبتهال مع المبتهلين بأن يمكن الله لشوقي, ويوفر له بيئة مناسبة ( مطواعة ومنقادة) حتى يتمكن من فرض أجندته التي تستهدف تحقيق أحلام التعزيين بحياة مغايرة, وتحويل مدينتهم إلى نموذج أخر شبيه ب " جنة الإلهة الموعودة " ! سمعة الرجل طيبة في أوساط الناس, فهو يمتلك شبكة علاقات إجتماعية واسعة, فضلا عن كونه يمثل مجموعة تجارية "ناجحة ورائدة ", وفوق كل ذلك محسوبا على بيت مرموق يرتبط ذكره دوما بالجود والخير والكرم, ما يؤكد حقيقة كون الخلاف معه كان "سياسيا", وأن الملاحظات عليه إنما كانت تنطلق من زاوية ثورية بحته, لا أقل ولا أكثر. تتلخص الإشكالية القائمة حاليا في جملة قرارات متصادمة مع الزمن والثورة والواقع والحق والمنطق أثارت حفيظة الناس تجاه شوقي, وأوقعته في فخ مواجهة غير متوقعة وغير مبررة مع الثوار لتبدأ دورة جديدة من الصراع, لكن هذه المرة بطعم "الجرح القاتل", فقد قامت على أنقاض أحلام متلاشية, وأمال ذبحت للتو ..تماما مثلما أنها ولدت للتو ! للمواجهة مع شوقي هائل طعم مرير كالحنظل, وذلك عكس الصوفي, حيث لا ماضي ولا حاضر للأخير سوى القتل والفساد والمحاباة والسرقة والرشوة والتآمر, تاريخ ملطخ بسوداوية العداء الأعمى لتعز وأبناءها. ربما أن لكليهما موقف من الثورة لا يليق, لكنه بالتأكيد ليس على المستوى نفسه, الفارق كبير بين من قتل ونكل وتآمر, وبين من زل "لسانه " بشيء عن الثورة قد لا يعبر في الواقع عن مكنون حقيقي في الأعماق, الفارق كبير بين من شارك في جريمة حرق الثوار وسلق أجسادهم بالمواد الحارقة وبين من كان يبكي عليهم ساعتها ..هكذا تقتضي منا العدالة أن نقول, وهذه بلا شك وجهة نظر الثورة التي لا تظلم,ولا تحابي, ولا تجامل. ننصف شوقي بهذه الحقيقة ونجردها بعيدا عن الموقف منه بعد البداية الصادمة لنا وقد صار محافظا لتعز..تراجع شوقي عن بعض القرارات لا يعني أن الناس في طريقهم للرضا عنه مجددا, لقدر زرعت قراراته الأخيرة في قلوبهم بذور الشك والتوجس من نواياه, بل إن الأمر وصل إلى الشك في حقيقة من يدير الأمور داخل أسوار مبنى المحافظة؟ هل يعقل أن من يديرون محافظة تعز اليوم هم أنفسهم الذين كانوا يديرونها في السابق؟ وأنهم من يقف وراء القرارات الأخيرة التي صدمت الناس بشوقي هائل, وإذا كان ذلك صحيحا فلم شوقي ما يزال حتى اللحظة صامتا ؟ لماذا لا يسارع إلى إنقاذ سمعته بإعلان براءته من القرارات "الاستفزازية" الصادرة باسمه وعنه ؟ ولماذا لا يقر أمام الناس الذين وضعوا فيه أحلامهم وثقتهم بأن صلاحياته "مقيدة", وسلطاته " معطلة ", وأن لوبي القتل والفساد هو الذي يتحكم بسلطة القرار, ويحيط به إحاطة السوار بالمعصم ؟ لا يا شوقي :ما كان هذا عشمنا فيك, والله ما كان هذا عشمنا فيك ! إن كان ولابد من "بداية ساخنة " كما يشتهي حماسك فإن الأولى بقرارات "الفصل" و"الطرد" هم أولئك الرابضون داخل أسوار مبنى المحافظة على ذمة نواياك السليمة والبريئة, الذين لا تفصل مكاتبهم عن مكتبك سوى أمتارا معدودة هم المستفيدون الوحيدون من القرارات الصادرة عنك مؤخرا ! بإمكانك أن تلجم أفواهنا يابن هايل وتخرس ألسنتنا, لكن ليس قبل أن تجهز على أذرع العهد الدموي داخل مبنى المحافظة وخارجه ..إفعل هذه فقط ثم حاسبنا على أي تعنت أو تصرف ترى أنه يعيق مشوارك بعد ذلك !!